Menu

خطاب الكراهية.. هل من مزيد؟

د. هيفاء حيدر

كم مر علينا من عقود ونحن نعيش سوية، لا أعرف إن كان أحدنا يفكر ولو للحظة في السؤال عن دين أو مذهب أو حتى من أين ذاك الذي يقف الى جانبنا ويقاسمنا نسمة الهواء ولقمة العيش، ولا أن نسأل من أين أتى كل أولائك البشر من النساء والرجال الذين نعيش معهم ونعمل سوية، لو عادت بنا الذاكرة الى بدايات لعبنا ونحن صغار في حارات وأزقة بيوت أهلنا حين كان همنا أن نلعب سوية بنات وأولاد، ونطور لغة خاصة بنا، إشارات نفهمها دون تعب، لم يكن أحدنا يسأل عن هوية أو لون طائفة أي من أقرناه من الأصدقاء والصديقات حتى كبرنا وفرقتنا سبل الحياة، لم يكن يعنينا أن نعرف هوية وطائفة ومذهب من نقف ونتكلم معهم، ولا من نتزاور ونتقاسم وإياهم هموم الحياة،كيف إذاً لكل هذا التحول الكبير في حياتنا ولغتنا ولهجتنا أن يجرنا ويطحن كلماتنا لتصبح مشبعة بأحرف فاسدة، يطغى عليها غيم الكراهية والتفرقة ، بتنا من حيث لا نحتسب حبيسي أوهام كل من نازعته نفسه أوهام التقسيم على أساس مخالف لفطرتنا وثقافتنا ومعيشة أهلنا، باتت كلماتنا تنزف ونحن نستمع ونقرأ للغة عربية المنطق وجوفاء المحتوى، ولا أدري ، لم أسأل نفسي بعد ، كيف يشعر الإنسان الطائفي؟ هل يشعر بقربه أكثر من الله ؟ وهو يوزع من مخزون عقله كل هذا الكم الهائل من الفتنة والتفرقة والتعصب، وهو يشد من أزر من يسبحون في بحر من الكراهية للآخرين.

لا أجد في خطابنا اليوم أو جله على الأقل سوى مزيد من الارتداد الى الخلف قيماً وسلوكاً ومنهجاً للتفكير، أغلقت أمام أبوابه كل محاولات الدفع بالمعروف، وبات النهي عن المنكر اتجاهاً عكسياً لمريدي فعل الشر الذين أوهموا أنفسهم أن هذا من الإيمان، أكثر ما يثير الإستغراب هو خطاب بعض من المثقفين والعاملين في شارع السياسة، وهم يروجون لكل ما بلوث إرث وحضارة الإنسان ولا يرون في الإنسان سوى دمغة مذهبية ،طائفية، وربما إقليمية، عنصرية، لم يختر بالنهاية أي انسان منا لا دينه ولا مذهبه ولا حتى اسمه، فكيف يطيب للبعض أن يظلوا يجترون هذا النفاق الديني ، وكأن حالهم يزيدون اشتعال النار تحت صفيح ما نجلس عليه اليوم.لتذوب معنا كل ما بنيناه من قيم الهوية والمواطنة والتاريخ والعيش المشترك. والخاسر الأول هو نحن مجتمعين، أياً كانت منابتنا وأصولنا وأعراقنا، إن لغة الكراهية اليوم تؤسس لخطاب الموت وفعله تعطيه صك المغفرة لتقطف نتيجة واحدة لا ثاني لها ، موت لطرفي المعادلة التي تغذيها الفتنة وحتماً ستلقي بها في مهاوي الردى، وتلقي بنا معها، حيث لن ينفع ندم ،فهل سنستطيع سحب صاعق الأمان ، وابطال مفعول ما يجري حولنا قبل أن يسحبه عابث طليق أطلق الخيال لذاكرته المريضة والمشبعة بصور من تاريخ محاكم التفتيش ورفع الرؤوس على نصال السيوف، هل من مبادرة لإطفاء جذوة اشتعال خطاب الكراهية والتفرقة ، والإلتفاف الى حاضر يعيث به المحتل فساداً وقتلاً . للنزع الصمام قبل أن تنفجر القنبلة في وجهنا جميعاً.

ولنتذكر لا يكفي اليوم ولم يعد مقبولاً أن تتراكضوا لإدانة تدمير تدمر ويتباكى البعض على أحجارها وهو لم يكلفوا  خاطراً أن ينعوا البشر الذين يتساقطون منذ اربع سنوات ونيف في كافة أرجاء البلاد، ويرون بالحجر أهم من البشر، والمحزن أكثر، أنهم يفرقون حتى بمن جمعهم الموت ووحدهم ، وهم ما زالوا يقولون بتكفير هذه الثلة عن غيرها ، وكأن لسان حالهم يقول قد يكون مبرر القتل أحياناً، فثمة من يقتل على الجانب الآخر ، واليوم يرون ببقاء الحجر إن كان في اليمن أو بابل أو تدمر أهم بكثير من بقاء البشر، للأسف لم يعد من مجال أمامنا سوى الحد الأدني من الإيمان ، فليكن ولننبذ خطاب الكراهية والتطرف والتكفير، ولنفضح أعمال القتلة الإرهابيين بحق البشر والحجر أينما كانوا، سيهدمون المعبد على من فيه وربما سينال السماء جزءاً من أعمالهم إن لم تمدهم ببعض القوة الكافية كي يعيثوا في الأرض فساداً أكثر.