واقعٌ اقتصاديٌ تخطّى مرحلة "الحالة" في وصفه، وإنّما ارتقى إلى ما يشبه الظّرف الدّائم المُلامس للمواطنين في قطاع غزّة، رافقه غلاءٌ للأسعار على معظم الأصناف الغذائية، والتي تُعتبر رئيسيّةً كالمواد التموينيّة والدّواجن.
حصارٌ مستمرٌّ منذ ما يزيد عن 15 عاماً، فرض إجراءاتٍ كثيرة التأثير على السلع الغذائيّة، يُضاف إليه تحكّمٌ بالمنافذ التجارية المحيطة بالقطاع من قبل الاحتلال، والذي يجد ضالته في هذه الحالة، ومواطنون لا يجدون سبيلاً إلّا توفير الطعام وهذا ما يؤدّي لاستدامة مثل هذه الأزمات.
تشهد الأسواق الغذائيّة في الفترة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً وصل في بعض الأصناف إلى وصف "المهول"، لا سيّما الأساسيّة منها، كالدواجن والمواد التموينية: الزيت – الحبوب – الطحين، وغيرها.
يشتكي المواطنون ومنذ بدء جائحة "كوفيد-19" من الارتفاع الهائل على الأسعار، على غرار كلّ دول العالم، الذي استطاعت معظمها بفعل اقتصاداتها ومداخيلها القويّة تخطّي أزماتها، إلّا أنّ قطاع غزّة ما زال يعاني ظرفاً يكاد يصل ذروته، والذي كان في حالته الطبيعيّة يشبه الأزمة أصلاً، فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار العدس والحمص بنحو 8 شيكل للكيلو، وارتفع كيلو السكر من 103 إلى 130 شيكل، وأيضًا ارتفع الدقيق بنسبة 2 شيكل للكيلو.
وارتفعت أسعار اللحوم البيضاء بشكلٍ كبير، وكذا أسعار بيض المائدة من 11 إلى 15 شيكل (3 إلى 4 دولارات) للطبق الواحد (30 بيضة)، وأيضًا أسعار اللحوم الحمراء بنسبة تخطت الـ 6%.
كما ارتفعت أسعار حزمة الخبز الجاهز في المخابز إلى 8 شيكل من 7 شيكل، بالإضافة إلى خفض وزنها من 3 كيلوغرامات إلى 2.6 كيلوغرام.
أما أسعار الزيوت النباتية، فبعد أن وصل بعضها إلى 17 و18 شيكل، وصلت إلى 23 و25 شيكل، إضافة إلى زيادات في أسعار أخرى، مثل مستلزمات الأطفال، وغيرها من مستلزمات الأسرة اليومية.
وبالنّظر إلى أسعار الدّواجن على وجه الخصوص، وارتفاعها في الآونة الأخيرة، مما أثار استياءً كبيراً لدى المواطنين، حيث تتراوح أسعار كيلو "الدجاج" من 13_15 شيكل أي بفارق 5-6 شواكل في سعر الكيلو في عادته، يقول أصحاب الدواجن إنّ هذا الارتفاع سببه ارتفاع أسعار العلف حيث يُعتبر عاملاً رئيسياً في التحكّم بسعر الدجاج، حيث وصل سعر طن العلف إلى ما يزيد عن 3300 شيكل، بارتفاع نحو 700 شيكل عن سعره الطبيعي، مما أدّى لارتفاع تكلفة الدجاج قبل توزيعه، ومن ثمّ النسب الموزّعة بين المُنتج وتاجر الجملة وصولاً إلى المحلّات.
شركة "المُخلصة للإنتاج والتفريخ"، عزت ارتفاع أسعار العلف للتضييقات التي تُمارسها سلطات الاحتلال، حيث تعمل على الحدّ من دخول كميّات العلف كما كانت في السابق.
وفي اتصال مع "بوابة الهدف الإخبارية"، أوضح أديب شحيبر وهو أحد المسؤولين في الشركة، أنّ أسعار العلف كانت تزداد في السابق بواقع 100-150 شيكل على سعر الطن الواحد، إلّا أنّ الارتفاع الأخير على سعر الطن هو الذي أحدث التأثير الأكبر على سعر الدواجن، بالإضافة إلى عوامل أخرى عائدة لكميات البيض والتفريخ التي يتمّ إنتاجها.
وأشار شحيبر إلى أنّ هذه الارتفاعات أحدثت تأثيراً على كافّة المستويات، بدءاً من المنتج وصولاً للمواطن، لافتاً إلى أنّ كميات التوزيع تقلّصت بفعل الزيادة على الأسعار بنسبةٍ تصل لما يزيد عن 30%.
وفيما سبق جزءٌ من الواقع الذي يعيشه المواطنون في القطاع، حيث انعدام الأمن الغذائي وفرص تحسين المعيشة مع حصارٍ مطبقٍ على كلّ فرص النجاة من تلك الأزمات.
وذكر تقريرٌ سابقٌ لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية "أوتشا"، أنّ 80% من سكّان القطاع يعانون من عدم توفر لقمة العيش، وبالعادة يعتمدون على مساعداتٍ غذائية، خاصّةً وأنّ ربع مليون فرد يعيشون في فقرٍ مدقع، أيّ أنّ تحصيلهم اليوميّ أقلّ من 3.5 دولار في اليوم.
هل أزمة "كوفيد-19" سبباً رئيسيّاً، على الرغم من تخطّي معظم دول العالم الأزمة؟
في هذا الإطار، قال المختصّ بالشأن الاقتصاديّ ورئيس تحرير صحيفة الاقتصادية محمد أبو جياب، إنّ "كورونا" كانت سبباً رئيسياً في الغلاء، وهي متعلقة بدايةً بغلاء أسعار نقل البضائع التجارية وتعطيل سلاسل التوريد ونقص الإمدادات، وكثير من القضايا المتعلّقة بالإغلاقات داخل الدول الكبرى الإنتاجية والصناعية، باعتبارها مصدراً أساسياً في الصناعة والزراعة والإنتاج.
وأضاف أبو جياب خلال حديثه لـ"بوابة الهدف" أنّ نهاية أزمة كورونا قد تكون منطقيةً؛ لأنّ العالم تخطّى مسألة كورونا، لكنّه وقع في منطقةٍ أشدّ تأثيراً من كورونا، وهي الأزمة الروسية الأوكرانية التي عصفت ليس فقط في القطاعات التجارية والإنتاجية، لكنّها وصلت إلى سلاسل التوريد ونقص في الغذاء، وأيضاً على مستوى الوقود والنفط والغاز، وبفعلها كلّ شيء ارتفع، بالإشارة إلى أنّه كلما ارتفعت أسعار النفط والغاز كلّما وصلت الأسعار لكلّ المنتجات إلى مستوياتٍ قياسية.
هل أصبحت الأزمة العالمية شمّاعةً لدى الوزارات في غزّة؟
وأشار أبو جياب إلى أنّ الحديث عن الأسعار العالمية وارتفاع الأسعار ليس شمّاعة، لكنّ السؤال الأهم: ماذا يمكن أن تفعل الحكومة لمواجهة هذا الغلاء وصولاً للتخفيف عن المواطنين، لا سيّما الفقراء والطبقة الهشّة في المجتمع؟، هذا ما يجب أن تتحدث به الحكومة وليس فقط التركيز على أنّ الغلاء عالمي والصمت بعد ذلك.
دور الحكومة
وحول ذلك، أشار أبو جياب إلى أنّه بإمكان الحكومة اتخاذ سلسلةٍ من الإجراءات والقرارات التي تدعم المنتجات والسلع الأساسية؛ لتوفير الغذاء الآمن للمواطنين والفقراء، بالإضافة إلى العمل على دعم القطاعات والخدمات الأساسية، وعلى رأسها قطاع المواصلات في ظل ارتفاع أسعار الوقود، كما أنّ المطلوب منها تقديم الكثير من البرامج والطرق لحماية الطبقات الهشة في المجتمع الفلسطيني.
ونظير مسؤوليّة الحكومة بشأن الأسعار، هناك تجّار وشركات يتحكّمون ويفرضون أسعاراً على بعض السلع، من خلال احتكار بعضها أو حتّى استغلال الأوضاع بداعي الأزمة وبداعي الإغلاقات أو صعوبة دخول البضائع عبر المنافذ التجارية، حيث يتجلّى في هذا الشأن غياب الرّادع الحكومي إزاء تلك الممارسات، بالإضافة إلى استغلال حاجة الناس الأساسية و"بشكلٍ يومي" لبعض السلع.
بين الأزمة العالمية، والتجار، ودور الحكومة، يقع المواطن في قطاع غزّة في المنتصف، حيث حاجاته اليوميّة، وغلاء الأسعار، وحصارٌ مطبقٌ، فهو معدوم القدرة على فعل أيّ شيءٍ لتغيير هذا الأمر الذي أصبح واقعاً رغماً عن إرادته، وفي نهاية الأمر لا مفرّ له سوى الاستسلام للواقع.