Menu

تقرير"الحبس المنزلي".. سيفٌ مسلّطٌ على رقاب المقدسيين

مهند فوزي أبو شمالة

أرشيفية

خاص_بوابة الهدف الإخبارية

"الحبس المنزلي" أو ما يُعرف بـ(الإقامة الجبرية)، وسيلة تفرضها سلطات الاحتلال على الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة، سيّما المقدسيين منهم، حيث تسعى من خلاله للتضييق والتنكيل بهم، وما تنفكّ تفرضه على جميع شرائحهم خصوصاً الأطفال منهم.

و"الحبس المنزلي" هو احتجاز الشخص داخل البيت طوال المدة التي تبحث فيها محكمة الاحتلال في ملفه إلى حين انتهاء الإجراءات القضائية بحقه وإصدار المحكمة حكمها في قضيته، وقد تصل مدة الحبس، لأيام أو لأسابيع أو لأشهر أو عام أو أكثر، ولا تحتسب هذه الفترة من الحكم الفعلي الذي يصدر لاحقًا بحق الطفل.

ولا تدّخر سلطات الاحتلال جهداً في كلّ طريقٍ يمكن أن يؤدّي إلى التضييق على الفلسطينيين، حيث تسعى جاهدةً بضرب كل المواثيق والاتفاقيات الدولية من خلال فرض هذه السياسة على المقدسيين، وفي مقدمتهم فئة الأطفال دون سن 14 عامًا، بالإضافة إلى القيادات الوطنية السياسية والميدانية والعاملون في المسجد الأقصى والمصلون فيه.

جديرُ بالذّكر أنّ سلطات الاحتلال تلجأ لهذا النوع من العقاب في معظمه للأطفال ما دون 14 عاماً؛ لأنّ القانون "الإسرائيلي" لا يُجيز حبسهم، وتفيد الإحصاءات الصادرة عن "نادي الأسير الفلسطيني" و"هيئة شؤون الأسرى والمحررين" بأنّ سلطات الاحتلال أصدرت نحو 2200 قرار بالحبس المنزلي بين كانون الثاني 2018 وآذار 2022، بحق أطفال قصّر، 114 طفلاً منهم كانت أعمارهم تقل عن 12 عاماً. بحسب دراسةٍ أعدّها الأسير المُحرّر والمختصّ بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة.

وفي حديثٍ خاصٍ مع "بوابة الهدف الإخبارية"، أشار فروانة إلى أنّ سلطات الاحتلال قد جعلت من خلال هذه السياسة الآلاف من أفراد العائلات المقدسية، رغماً عنهم، سجّانين على أبنائهم القُصّر وحراساً ومراقبين على من تصدر المحاكم "الإسرائيلية" بحقهم حكماً بالحبس المنزلي؛ فيقيّدون حركتهم، ويتابعون نشاطاتهم، ويراقبون تحركاتهم، ويمنعونهم من تجاوز البوابة الخارجية للمنزل وتخطي حدود البيت؛ تنفيذاً لشروط الإفراج التي فرضتها عليهم المحاكم بموجب قرارات قضائية؛ وذلك تجنباً لاعتقال الكفيل أو المتعهد من أفراد الأسرة بتهمة عدم الالتزام ببنود الحكم وما وقّع عليه من اتفاق وتعهد. علماً أنّ تجربة الحبس المنزلي قد تتكرّر لدى الأسرة وفي حياة الطفل نفسه أكثر من مرة.

وأوضح فروانة أنّ الطفل يُجبر خلال فترة الحبس المنزلي على عدم الخروج من البيت بتاتاً، وقد وُضع لبعضهم أجهزة تتبع "سوار إلكتروني" مع GBS، ونادراً ما يُسمح للطفل، في مراحل متقدمة وبعد أشهر من الحبس المنزلي، بالتوجه إلى المدرسة أو العيادة برفقة الكفيل، ذهاباً وإياباً.

كما لفت فروانة إلى أنّ سلطات الاحتلال اعتقلت خلال العام الماضي نحو 1300 طفل فلسطيني، منهم 750 طفلاً من القدس يشكلون ما نسبته 57.7٪ من مجموع اعتقالات الأطفال، كما تم اعتقال نحو 450 طفلاً فلسطينياً منذ مطلع العام الجاري، منهم 353 طفلاً من القدس يشكلون الأغلبية العظمى وما نسبته 78.4٪ من إجمالي الأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال هذا العام. وما زالت سلطات الاحتلال تحتجز في سجونها ومعتقلاتها قرابة 170 طفلاً، بالإضافة إلى عشرات آخرين تجاوزوا سن الطفولة وهم داخل الأسر، ولعل أبرزهم الأسير أحمد مناصرة الذي يعاني أوضاعاً صحية صعبة جراء ما تعرض له من تعذيب وعزل انفرادي وضغوط نفسية.

لماذا يلجأ الاحتلال للحبس المنزلي؟

في هذا السياق، أضاف المختصّ بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة أنّ سلطات الاحتلال تلجأ للحبس المنزلي في محاولةٍ منها للتحلّل من مسؤولياتها والتخفيف من عمليات اعتقال الأطفال وعدم إبقائهم داخل سجونها نظراً إلى صغر سنهم، ولا سيما من هم دون 14 عاماً، تجنباً للانتقادات الحقوقية، وسعياً منها للحفاظ على صورتها الديمقراطية المزعومة أمام المجتمع الدولي، معتبراً أنّ سياسة الحبس المنزلي هي سياسة لقهر الإنسان الفلسطيني، ونوع من الانتقام والتعذيب للأطفال المقدسيين بهدف ترويعهم وتخويفهم وجعلهم يفقدون الثقة بأفراد أسرهم، والتأثير في توجهاتهم وتوجهات أفراد العائلة ومعتقداتهم في سياق العقاب الجماعي للمقدسيين، ودفعهم نحو الالتزام بما يصدر عن سلطات الاحتلال من قرارات وما تتخذه من إجراءات مشددة، وإلزام أطفالهم بها بشكل مباشر أو غير مباشر وصولاً إلى الهدف غير المعلن والمتمثل في قبولهم بالأمر الواقع ومنعهم طواعية من المشاركة بأي شكل من أشكال الاحتجاجات السلمية وأفعال المقاومة المشروعة المناهضة للمحتل ووجوده.

عقابٌ جماعيٌّ

تقول السيّدة المقدسيّة أم ورد الغول من منطقة رأس العامود، والدة الشاب ورد (23 عاماً)، وقيس (17) عاماً، والذَين تفرض عليهما سلطات الاحتلال الصهيوني الحبس المنزليّ منذ ما يزيد عن 5 أشهر، بادّعاءات ومزاعم وجهتها لهما؛ أبرزها "إلقاء الحجارة والمولوتوف" على مستوطنة "إسرائيليّة" في شهر 11 من عام 2021، إنّ هذا الأمر يتمثّل بسياسة عقابٍ جماعيٍ مفروضةٍ على كلّ العائلة، ولم تقتصر عليهما فقط؛ لما يفرضه العقاب على العائلة من التزامات.

WhatsApp Image 2022-07-26 at 8.10.15 PM.jpeg
WhatsApp Image 2022-07-26 at 8.10.15 PM (1).jpeg
وأوضحت أم ورد في حديثٍ مع "بوابة الهدف"، أنّ الاثنين وُجّهت لهما نفس لائحة الاتّهام، حيث اعتقلت قوات الاحتلال قيس وورد لمدّة 41 يوماً في الزنازين، ولم يعترف أيّ منهما بأيٍّ من التّهم الموجّهة إليهما، لكن الاحتلال فرض عليهما اعترافين، وبحسب القانون "الإسرائيلي" الذي يفيد بـ"تجريم" المتهم حال وجود اعترافين؛ ولهذا تتمّ محاكمتهما.

وتابعت أم ورد: لحدّ الآن قيس وورد لم يعترفا بلائحة الاتّهام، حيث مكثا في سجن "مجدو" مدّة 4 أشهر، قبل أن تتمكن العائلة من الوصول لقرارٍ بالحبس المنزلي لهما؛ نظراً لأنّ ورد طالب ماجستير في جامعة بيرزيت ولديه التزامات دراسية، علاوةً على أنّ الأصغر قيس هو طالب بالثانوية العامة.

ولفتت إلى أنّه كان من المفترض أن تُعقد لهما جلسة محاكمة في الـ20 من الشهر الجاري، لكنّ تمّ تأجيلها لتاريخ 1_12 من العام الجاري، منوّهة إلى أنّ الجلسة سيتمّ عقدها لرفض العائلة لائحة الاتّهام، والتوجّه لمداولاتٍ وعرضٍ للشهود. علماً أنّ ورد تمّ اعتقاله بتاريخ 18-1-2022 من منزله الكائن في حيّ رأس العامود، وقيس تم اختطافه من الشارع في الحيّ بتاريخ 9-2-2022.

وعن سعي العائلة للذهاب لـ"الحبس المنزلي" باعتباره ليس بالسهل، اعتبرت المقدسيّة أم ورد أنّ أي خيارٍ هو أفضل من الاعتقال في السجون، لا سيّما أنهما كانا معتقلَين في "مجدو" وهو أكثر المعتقلات الصهيونية صعوبةً، بالإضافة للظروف الدراسية لولديها، لافتةً إلى أنّ القرار لم يكن الحصول عليه بالسهل أصلاً، فقد تمكّنت العائلة الحصول عليه بعد جلساتٍ ومداولات.

مشوارٌ صعبٌ وقاسٍ

تضيف أم ورد في هذا السياق، أنّ الشروط التي يفرضها الحبس المنزلي كبيرة وصعبة، حيث لا يمكن لوجود "المحكومين" في نفس المكان، إضافةً إلى إبعادهم عن مكان الحدث، بمعنى أنّ الحدث كان في منطقة رأس العامود حيث مكان سكنهما، فإنّهم مجبرون على تغيير مكان السكن، وهذا ما حصل، بانتقالها مع ورد إلى منطقة بيت حنينا بعد أن تنقلت بين بيوت أصحابها، وإرسال قيس عند والده في منطقةٍ أخرى، كما أنّ المحكوم يربط بـ"إسوارةٍ" إلكترونية تحدّد مكانه وتحركاته على مدار الساعة، وإذا خرج عن مكان حبسه يتمّ اعتقاله فوراً.

159d492d10c761_EHQLMKNFGOJIP.jpeg
نحن سجانون على أولادنا ومسجونون معهم

في سياسة الحبس المنزلي، فإنّ الأهالي مجبرون على مُراقبة تحرّكات أبنائهم، ومنعهم من الخروج من المنزل؛ تنفيذاً للحكم، في هذا الإطار، تقول أم ورد إنّ هذا المصطلح ينطبق عليها، وتؤكد أنّها على استعدادٍ لتقبله ولا أن يبقى أبناؤها في سجون الاحتلال، على الرّغم مما يفرضه الحبس المنزلي عليها، بالإضافة إلى أنّ ظروف أبنائها الدراسية وخوفاً من أن تذهب السنة الدراسية عليهما قد تقبّلت كل ما يفرضه هذا الحكم، عبر ارتباطهم الدائم بالمنزل، لضرورة بقاء أحدٍ عند المحكوم وفق ما ينصّه القرار، بمعنى إذا أرادت أم ورد أن تخرج من المنزل فهي مُجبرة على جلب أحدٍ آخر لجانب ورد، عدا عن الكفالات التي يُربط بها الأهل تبعاً للحكم، وإذا خرج المحكوم فقد يدفع الكفيل غرامةً قدرها 25 ألف شيكل. علماً أن المحكوم قد يكون له 5 كفلاء في نفس الوقت، كما أنّ الكفيل مجبرٌ على التبليغ في حال خرق المحكوم قرار الحبس.

ولفتت أم ورد إلى أنّ أصعب ما واجهته في هذا القرار هو ابنها قيس طالب الثانوية العامة، الذي وهو في منتصف عامه الدراسي وجد نفسه بين اعتقال وزنازين وتحقيق ومحاكم وصولاً للحبس المنزلي، بالإضافة إلى صعوبة حصول العائلة على قرارٍ بالسماح له بتقديم الامتحانات، التي أنجزها مؤخراً وتخطّاها.

ويُعتبر الحبس المنزلي إجراءً تعسفياً وغير أخلاقي ويتناقض بشكل صارخ مع قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي منحت الكثير من الحقوق للأطفال، وفي مقدمها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989. كما يشكل عقوبة جماعية للأسرة بمجموع أفرادها، والتي لا يمكنها ممارسة حياتها ونشاطاتها اليومية بالشكل الطبيعي، إذ تضطر إلى أن تبقى في حالة استنفار دائم حرصاً على حماية ابنها من خطر تبعات تجاوزه للأحكام القضائية والشروط المفروضة عليهم، الأمر الذي يجعل من الحبس المنزلي جريمة قلّ مثيلها.