Menu

عجز فلسطيني أمام غطرسة "إسرائيلية"

مصطفى ابراهيم

تظهر عملية اقتحام قوات الاحتلال الاسرائيلي مقرات ست من مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطيني وإغلاقها ومصادرة محتوياتها في قلب رام الله عاصمة السلطة الفلسطينية، عنجهية وغطرسة الاحتلال في استباحة الساحة الفلسطينية، الخليل وبيت لحم و القدس ورام الله ونابلس وجنين وغيرها، هو التعبير الحقيقي عن عجز النظام السياسي الفلسطيني في الدفاع عن ذاته، وحماية المواطنين والمؤسسات الفلسطينية من قمع وجرائم الاحتلال.

وتوضح بما لا يدع مجالاً للشك كذب ونفاق دول الاتحاد الأوروبي والتواطؤ المقيت وسلوكه المخادع وحجم التناقضات وازدواجية المعايير، والعهر الأوروبي الشريك مع الاحتلال في ممارساته.
كما توضح العجز والوهن الفلسطيني الرسمي الذي امتهن رفع الشعارات واكتفى بالتنديد والإدانة والاستنكار والاستجداء بالمطالبات الخجولة، ولم يجرؤ على اتخاذ مواقف سياسية جدية في مواجهة دولة الاحتلال، وعهر الأوربيين.
النظام السياسي فقد أهليته وشرعيته واحترامه أمام الفلسطينيين، قبل دول العالم الذي يمنحه الشرعية، وهو لم يعد يمتلك سوى الصمت وتلقي الضربات بدون حرج وصراخ وحتى الأنين، للتعبير عن رفضه للاحتلال وجرائمه، وسياسة المعايير المزدوجة.
دولة الاحتلال مستمرة في غيها، وتصنف الناس والمؤسسات بالإرهاب ومعاداة السامية وتنكر أنها نظام فصل عنصري، وهي من تمارس الإرهاب اليومي ومحاولة إخضاع الفلسطينيين من خلال العدوان وأدوات السيطرة بالاعتقالات والهدم والتهجير، حتى أنها تلاحق مؤسسات حقوق الإنسان، والثمن إغلاقها لأنها تدافع عن حقوق الإنسان.
قضية المنظمات الست هي نموذج لكيفية التعامل مع القضية الفلسطينية برمتها، والفشل الذريع في إدارة شؤون الناس والحكم وتفشي الفساد والمحسوبية، وفقدان الثقة من المواطنين. وكيف لنظام سياسي ينتهك حقوق شعبه وينتهك القانون وحقوق الناس، ولا قدرة له على فرض القانون سيواجه الاحتلال وسطوته وإنكاره للحقوق الفلسطينية، والعنجهية في ممارسة الانتهاكات، وارتكاب الجرائم اليومية ضد الفلسطينيين، ومصادرة أراضيهم وتسليمها للمستوطنين، وسلوكهم الإجرامي والإرهابي؟
ليلة أمس (الأربعاء) اقتحم المستوطنون بحماية الجيش الإسرائيلي قبر يوسف في مدينة نابلس وتصدى الشبان الفلسطينيين للجنود الإسرائيليين اللذين ردوا بإطلاق النار، واستشهد الفتى وسيم خليفة وأصيب العشرات من الفلسطينيين، وتمكن المستوطنين من الصلاة وغادروا. ومرت الجريمة مثل غيرها من الجرائم اليومية، وبداية الأسبوع أعدم الجنود الإسرائيليين الشاب محمد الشحام من مدينة القدس بإطلاق النار عليه، في بيته وتركه ينزف أمام والده، وتعالت الأصوات بالصراخ والتنديد والاستنكار، كأي جريمة يرتكبها الاحتلال بشكل يومي، في انتظار الجريمة القادمة، وكأن الدم الفلسطيني وحياته أصبحت بلا قيمة، وثمنها بيانات الإدانة والاستنكار.
اقتحام المؤسسات الست تصعيد خطير ومتوقع، ويأتي في سياق السياسة الإسرائيلية العدوانية تجاه الفلسطينيين، ومهمة الدفاع عن المؤسسات ليست مهمتها وحدها، وأدواتها محدودة، وهي بذلت جهود كبيرة للدفاع عن حقها في العمل ضمن الآليات الدولية، وهي تركت وحيدة للبقاء والاستمرار في العمل للدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ومحاولات الاحتلال الإسرائيلي لإسكات صوت الحق والعدل. 
حتى الآن لم يتغير شيء في السياسة الفلسطينية وآليات وأدوات مواجهة الاحتلال، والمطروح فقط هو بيانات الإدانة والمطالبات. والتحرك الآن وفق تصريحات المسؤولين الفلسطينيين هو التوجه للجهات الدولية الرسمية ومؤسسات حقوق الإنسان بالتدخل الفوري لإدانة السلوك الإسرائيلي والضغط لإعادة فتحها وممارسة نشاطها بحرية كاملة. والسؤال: كيف سنواجه الاحتلال ومطالبة دول العالم، خاصة الاتحاد الأوروبي، والسياسة والدبلوماسية الفلسطينية الرسمية ليست عاجزة فقط، بل بدون فائدة ولا تأثير لها، بسبب أدواتها ورؤيتها السياسية، وتعمل من دون استراتيجية فلسطينية يشارك الكل الفلسطيني فيها، وهي مستمرة في ترسيخ علاقتها مع دولة الاحتلال والاتفاقيات معها بالتنسيق الأمني، وهي بذلك تمنح شرعية للاحتلال.
هذا واقعنا وهذه القيادة، لا تزال تقف في نفس الزاوية والتقوقع على الذات، في المطالبة، حتى التصريحات النارية التي كنا نسمعها، لم يعد لها مكان في الخطاب الفلسطيني، وهو تعبير حقيقي أنه خطاب مهزوم وسعيد بما هو قائم: بؤساً وضعفاً وانهياراً.