في الواقع، العلاقة الفلسطينية - السورية والسورية - العربية، هي أكثر العلاقات تعقيدًا منذ عقود وليس الآن، وأسباب هذا التعقيد يعود في جزء منه:
1- لموقع سوريا الدولة، بغض النظر عن طبيعة الحكم فيها، في خريطة الصراع الصهيوني العربي، فهي دولة منخرطة في الصراع بشكل مباشر مع الكيان الصهيوني حتى قبل أن يكون لها أراضي محتله من قبل الكيان الصهيوني، ومشتبكة أحزابها الأساسية، أي حزب البعث الحاكم وحلفائه فكريًا مع الصهيونية كأيديولوجية، ومخططات استهداف الوطن العربي بأكمله.
٢- طبيعة الحل السياسي المطروح أمريكيًا وصهيونيًا، الذي يريد إعطاء الصهيونية كل شي مقابل لا شيء للأطراف الأخرى، حيث يعد الكيان الصهيوني هضبة الجولان؛ الاستراتيجية عسكريًا ومائيًا وزراعيًا ويتم الحديث عن ثروات باطنية أخرى، جزءًا من كيانه ولا يوجد استعداد عند أي مكون من مكوناته السياسية والأيديولوجية والدينية للتخلي عن هذه الأراضي وإعادتها لسوريا. وكون سوريا تدرك ذلك هي غير مستعدة، للانخراط في الهرولة العربية والفلسطينية باتجاه الكيان وتثبيت شرعيته، بلا ثمن حقيقي أو مجانًا. لهذا كان الكيان والأنظمة العربية العميلة والمتابعة للإمبريالية؛ تبحث من خلال حربها الدامية والتدميرية على سوريا، عن نظام (بشير الجميل)؛ يعقد اتفاقيات الصلح بلا شروط بل كثمن تمكينه في دمشق.
٣ _ تدرك دمشق أن هزيمة الكيان الصهيوني تحتاج إلى تراكمات وتحولات عربية وإقليمية ودولية، لأن الصراع مع الكيان ليس من ستة ملايين يهودي مُستعمرِين فحسب، بل مع معسكر إمبريالي يملك من الامكانيات الهائلة ما يمكنه في الظروف الحالية استمرار تحقيق الاختلال بموازين القوي، وعدم جدوى المواجهات أو الحروب الكلاسيكية؛ لذا هي مع المقاومة كأسلوب استنزاف للعدو وهذه حقيقة راسخه.
إن الاختلاف مع النظام في سوريا ليس على المقاومة، بل على الأسلوب وتطمح دائمًا أن تكون أي مقاومه في المنطقة، بسبب تأثيرها بها، تحت قيادتها أو على الأقل بالتشاور معها في كافة القضايا، كي تكون هي متهيئه ومستعده لمواجهة النتائج.
٤ - التحولات الإقليمية التي تكونت بعد سقوط أهم قلاع الصهيونية والإمبريالية في إيران، وإعلان نظامها الجديد بقيادة الخميني ومن تقلد زمام القيادة من بعده، بأنهم مع فلسطين ولا يعترفون بشرعية الكيان الصهيوني المقام فيها، هي تحولات جديه استراتيجية يجب الارتكاز لها، لأنها تعطي المقاومة وتوفر لها البعد والعمق المفقود عربيًا.
من هنا دعمت حزب الله والقوى التي شاركت في حرب تحرير الجنوب اللبناني، ليس هذا فقط بل حولت بالتعاون مع إيران، الجنوب إلى أهم قاعدة ارتكاز للنضال ضد الكيان الصهيوني، تحقق هدفين في أن: الأول: دعم المقاومة الفلسطينية وتقويتها. والثاني: وقف التمدد الجغرافي الصهيوني العسكري، من خلال الردع الايجابي، الذي يمهد طريق التوازن وقلب موازين القوي التي هي أكثر اختلالًا، بسبب تحالف حكام عرب مع هذا الكيان.
الآن وفي ظل الفرز السياسي الحاد والواضح والسريع في المنطقة والعالم، يفرض على المقاوم ين الحقيقين الاستجابة إلى هذا التحدي، أي الفرز الوطني والقوى والإسلامي، واتخاذ الموقف السليم الذي ينسجم مع الاستراتيجية والأخلاق والمبادئ الكفاحية والجهادية في مرحله لا تحتمل الوقوف في الوسط، لأنه ببساطه لم يعد موجودًا لا جغرافيًا ولا سياسيًا.