توفي المريض بالسرطان أكرم السلطان (62 عامًا)، في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بسبب حرمانه من السفر لتلقي العلاج خارج قطاع غزة، ليرتفع بذلك عدد حالات المرضى المتوفين نتيجة منعهم من السفر للعلاج في الخارج منذ بداية العام الحالي إلى 8 وفيات، من بينهم 3 أطفال.
وأوضح ابن المريض المتوفى حازم السلطان في حديث مع "بوابة الهدف" أنّ والده عانى من كسر في الفقرة 11 من العمود الفقري وذلك منذ شهر يونيو 2022، وبعد عدة فحوصات تبين أنه مصاب بورم سرطاني في الدم (لوكيميا) وقرر الأطباء تحويله إلى مستشفى المطلع في مدينة القدس المحتلة، نظراً لسوء حالته وحاجته للعلاج الإشعاعي، وهو علاج غير متوفر في مستشفيات قطاع غزة.
وأشار إلى أنّ والده قدّم طلباً لسلطات الاحتلال "الإسرائيلي" للسماح له بالسفر والوصول إلى مستشفى المطلع لتلقي العلاج، ردت عليه بأن طلبه قيد الدراسة.
ولفت إلى أنّ والده اضطر إلى تقديم طلب آخر للسماح له بالسفر، بعدما يأس من الحصول على رد إيجابي على الطلب السابق الذي ظل معلقًا، إلا أنّ سلطات الاحتلال ردت بأن طلبه قيد الدراسة مرة أخرى. وكرر الوالد المريض الإجراءات نفسها للحصول على موعد جديد، حتى تلقى في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، رسالة نصية عبر الهاتف للتوجه إلى حاجز بيت حانون؛ لإجراء مقابلة مع المخابرات الصهيونية.
وأضاف: توجه والدي في صباح اليوم نفسه للمقابلة، وبعد انتظار ثلاث ساعات طُلب منه مغادرة المعبر والعودة إلى قطاع غزة دون إجراء المقابلة، لافتًا إلى أنّ تدهورًا طرأ على حالة الوالد الصحية وعلى إثرها جرى نقله إلى المستشفى الإندونيسي في محافظة شمال غزة قبل أن يتم الإعلان عن وفاته.
وتعد تجربة السلطان صورة مصغرة لتجارب مئات المرضى في قطاع غزة الذين ينتظرون سماح سلطات الاحتلال الصهيوني لهم بالسفر عبر حاجز بيت حانون.
وعرقلت سلطات الاحتلال منذ بداية العام وحتى نهاية سبتمبر 2022 سفر 5472 مريضاً يعانون من أمراضٍ خطيرةٍ، ولا يتوفر لهم علاج في مستشفيات قطاع غزة. وتتزامن هذه القيود مع تدهور المنظومة الصحية في قطاع غزة جراء الحصار المفروض على القطاع منذ 16 عاماً، وتسبب في نقص مزمن في قائمة الأدوية الأساسية، والأجهزة الطبية، ونقص الكادر الطبي المتخصص، بحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
وتعاني المنظومة الصحيّة في قطاع غزة عجزاً في الطواقم الطبية المتخصصة، ونقصاً مزمناً في قائمة الأدوية الأساسية، بواقع 219 صنفاً دوائياً من أصل 522 صنفاً، أي ما نسبته 40 % من القائمة. كما تشهد المستشفيات عجزاً في المستلزمات الطبية بنسبة 32%، وعجزاً بنسبة 60% من لوازم المختبرات وبنوك الدم.
وتمنع قوات الاحتلال إدخال 24 جهازاً طبياً ضرورياً إلى قطاع غزة، من ضمنها أجهزة الأشعة التشخيصية. ويماطل الاحتلال في إدخال قطع الغيار اللازمة لصيانة الأجهزة الطبية المتعطلة في المستشفيات، وأهمها أجهزة المناظير الجراحية، والمقدح الهوائي المستخدم في تثبيت الكسور المعقدة، وأجهزة الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي. ويزيد استمرار عرقلة توريد الأدوية والأجهزة الطبية وقطع الغيار للأجهزة المتعطلة من صعوبة عمل الطواقم الطبية.
وفي هذا السياق، أكد الناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة أشرف القدرة أنّ الأصل هو عدم منع سلطات الاحتلال الصهيوني للمستلزمات والأجهزة الطبية من الدخول إلى قطاع غزة حتى يتمكن المرضى في قطاع غزة من الحصول على خدمة العلاج داخل مستشفياتها.
وأشار، في مقابلة مع "بوابة الهدف" إلى أنّ السفر لتلقي العلاج بالخارج بسبب منع سلطات الاحتلال الصهيوني إدخال الأجهزة الطبية اللازمة يزيد من معاناة المرضى في قطاع غزة، مشددًا على ضرورة الضغط على سلطات الاحتلال لإجبارها على إدخال كل الاحتياجات الطبية اللازمة لتوفير الرعاية الطبية لجميع المرضى من أجل التخفيف من معاناتهم في السفر.
ولفت إلى أنّ عدم توفر الأجهزة المعدات الطبية اللازمة في قطاع غزة يؤثر على الخطة العلاجية للمرضى، خاصة أنّ سلطات الاحتلال تمنع أكثر من 36% من المرضى الذين يحتاجون إلى السفر لتلقى العلاج في مشافي الداخل المحتل عام 1948 والضفة الغربية المحتلة تحت ذرائع متعددة.
وشدد على أنّ وزارة الصحة تسعى بالتعاون مع المؤسسات الدولية والإغاثية للعمل على توفير جميع الخدمات العلاجية في قطاع غزة، مؤكدًا أنّ هذا يتطلب الضغط على سلطات الاحتلال ليتمكن المرضى من الحصول حقوقهم في الخدمة الصحية.
وتقع المسؤولية الأولى في توفير الإمدادات الطبية لسكان قطاع غزة تقع على الاحتلال "الإسرائيلي" وذلك وفقاً للمادتين (55) و(56) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
ويسافر ما معدله 100- 120 مريضاً بشكل يومي للعلاج خارج قطاع غزة، في ظل عجز المنظومة الصحية في قطاع غزة عن تقديم الخدمات العلاجية لهم، نتيجة نقص الكادر الطبي المتخصص، والنقص المزمن في الأدوية والمستلزمات الطبية وخاصة العلاج الإشعاعي والمواد المخبرية اللازمة لإجراء الفحوصات التشخيصية.
ويعتمد أكثر من 2 مليون مواطن في قطاع غزة على المرافق الصحية الحكومية لتلقي العلاج، فيما تعاني هذه المرافق في الأساس من تدهورٍ خطيرٍ ناجمٍ عن سياسة الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلية على القطاع منذ 15 عاماً، بالإضافة إلى تداعيات الانقسام الفلسطيني الداخلي والمناكفات السياسية. وقد نجم عن ذلك هشاشة النظام الصحي في قطاع غزة، ونقص دائم في قائمة الأدوية الأساسية، والأجهزة الطبية، بالإضافة إلى نقص الكادر الطبي المتخصص، وهو ما جعله في الأوقات العادية عاجزاً عن تلبية الاحتياجات الأساسية الطبية لسكان القطاع.
وفي هذا السياق قال مدير مؤسسة الضمير علاء السكافي إن ممارسات الاحتلال الصهيوني مع المرضى بغزة تنتهك إقرار اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأمم المتحدة في تعليقها العام رقم 14 في العام 2000.
وأوضح، في مقابلة مع "بوابة الهدف" أنّ العناصر الأساسية لتفسير الحق في الصحة هي: التوافر، إمكانية الوصول الجغرافي والمالي، المقبولية، الجودة، مؤكدًا أن استمرار مثل هذه التعقيدات والعقبات أمام المرضى في قطاع غزة يشكل انتهاكاً للحقوق الصحية، ويتعارض مع مبدأ "الإعمال التدريجي" للحق في الصحة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويتناقض مع الاستراتيجية الصحية الوطنية الفلسطينية للأعوام (2017-2022).
وختم السكافي كلامه بالتأكيد أنّ سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تتفنن في خلق الذرائع لمنع سفر المرضى دون أي وازع أخلاقي، وتعاقبهم حتى على انتماء أحد أقاربهم إلى أحد فصائل المقاومة بالمنع، علاوة على لجؤها للتسويف والمماطلة بذراع واهية كنقص في الأوراق اللازمة أو التحجج بفقدان الوثائق أو إعادة بحجة وجود أخطاء فيها.
في ضوء ما سبق، يعد المنع "الإسرائيلي" للمرضى في قطاع غزة أداة أخرى في يد آلة البطش الصهيونية لقتل الفلسطينيين خاصة أنّ تلقي العلاج حق لا يحتمل المماطلة أو التأجيل، كما تستخدمها لإنزال العقاب الجماعي ضد المحاصرين في القطاع الساحلي منذ 15 عامًا.