Menu

تقريرلولا دا سيلفا.. نصير الفقراء يُعيد اليسار لرئاسة البرازيل

أحمد بدير

الزعيم لولا دا سيلفا

برازيليا _ خاص بوابة الهدف

عاد الرئيس اليساري الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا البالغ من العُمر (77 عامًا) إلى سدّة الحكم بعد فوزه في انتخابات الرئاسة البرازيليّة بفارقٍ ضئيلٍ على منافسه المنتهية ولايته اليميني المتطرّف جايير بولسونارو المتّهم بالضلوع في "جرائم ضد الإنسانية"، حيث أعلنت المحكمة الانتخابية العليا نتائج جولة الإعادة التي أسفرت عن فوز دا سيلفا برئاسة البرازيل بحصوله على 50.9% من الأصوات، مقابل 49.1% لمنافسه بولسونارو.

ورغم أنّ الزعيم سيلفا قد تعرّض لحملاتٍ من التشويه والاغتيال المعنوي على مدار سنواتٍ طويلة، إلّا أنّه -كما تنبّأ كثيرون- الوحيد القادر على إلحاق الهزيمة باليميني بولسونارو في انتخابات 2022، وهذا ما حدث فعلاً، فالرئيس لولا يُلقّب بـ"السياسي الأكثر شعبيّة" في العالم، حيث أمضى حياته قريبًا من الجماهير، بدءًا من طفولته عندما كان يعمل بائعًا متجولاً ويمسح الأحذية، وصولاً إلى عمله في التعدين وتأسيس أكبر الأحزاب اليساريّة في البلاد "حزب العمال" عام 1980، إلى أنّ أوصلته الجماهير إلى القصر الرئاسي بين عامي 2003 و2010، واليوم تعاد الكرّة.

نقول للعالم: البرازيل عادت من جديد

وفور فوزه الذي لم يقرّ به خصمه بولسونارو حتى اللحظة، قال لولا في خطاب الفوز في ساو باولو أمام عشرات الآلاف من أنصاره المحتفلين: "حتى الآن، لم يتصل بي بولسونارو للإقرار بفوزي، ولا أعلم إن كان سيتصل أو يقر بفوزي، لكنّ ما أعلمه هو أنّ البلاد تحتاج إلى السلام والوحدة، هذه البلاد التي عادت الآن إلى الساحة الدوليّة ولم تعد ترغب في أن تكون منبوذة".

وشدّد الرئيس المُقرّر تنصيبه في الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل، على أنّه "ليس من مصلحة أحد أن يعيش في أمةٍ مقسّمةٍ وفي حالة حربٍ دائمة. اليوم نقول للعالم إنّ البرازيل عادت، وهي مستعدة لاستعادة مكانتها في مكافحة أزمة المناخ".

عاد صديق العرب..

الناشط الفلسطيني المُطّلع على الشؤون البرازيليّة جاد الله صفا، يرى خلال مقابلةٍ مع "بوابة الهدف الإخباريّة"، أنّ فوز اليساري دا سيلفا رئيسًا للبرازيل يُعيد الأمل للشعب البرازيلي في النهوض واستعادة مكانة البلاد على مستوى قارة أميركا اللاتينيّة والعالم، فالبرازيل في عهد بولسونارو كانت مُحاصرة من دول العالم وليس لها أي علاقات بسبب سياسة "عزل البرازيل" التي كان يتّبعها.

ولفت صفا إلى أنّ الرئيس لولا سيستلم البرازيل وسط تحدياتٍ كبيرة جدًا، إذ أنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي صعب وسط انقسامات حادّة، والتحدي الكبير هو تخفيف الكراهية التي خلقها بولسونارو داخل المجتمع البرازيلي، وهذا إلى جانب غلاء المعيشة، والفقر، والجوع، لا سيما وأنّ أكثر من 40 مليون برازيلي يعانون من الجوع وسط ندرة فرص العمل، كما أنّ العملة البرازيليّة تعرّضت لانتكاساتٍ كبيرة.

أمّا حول فلسطين وقضيّتها، أشار صفا إلى أنّ الرئيس لولا لديه موقف متقدّم وايجابي ومُشرّف من القضية الفلسطينيّة والصراعات في الشرق الأوسط، إذ أنّه ينحاز إلى معسكر إيران وسوريا ولبنان وفلسطين، وهذا الموقف ليس جديدًا بل منذ بداية الثمانينات، فهو ينحاز إلى فلسطين والأمة العربيّة، وفوزه بالانتخابات سيكون له نتائج إيجابيّة ليس فقط على مستوى البرازيل بل على مستوى قارة أميركا اللاتينيّة، حيث أنّه حينما اعترف بفلسطين ورَفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي انعكس هذا الاعتراف على مستوى القارة وحذت حذوه الأرجنتين وتشيلي والأوروغواي وبوليفيا والبيرو والإكوادور وفنزويلا في رفع نسبة التمثيل.

كما أوضح صفا للهدف، أنّ هناك انحيازًا أكثر تجاه الرئيس لولا على مستوى العالم، وهذا على عكس بولسونارو الذي يمثّل الفاشيّة، لا سيما وأنّ لولا رجل سياسة محنّك، وأكثر واقعية ولديه قدرات وإمكانيات كبيرة، ويأخذ بعين الاعتبار قضايا الفقراء والكادحين والعمّال والشعوب المضطهدة والمظلومة، وكل هذه الشرائح على رأس أولويّات سياساته.

بولسونارو حليف علني للصهيونيّة

أمّا الدكتور اللبناني بلال رامز البكري وهو طبيب باثولوجي ومُقيم في ساو باولو، رأى أنّ فوز لولا هو فوز تاريخي ينطوي على رمزيةٍ كبيرة، لأنّ الزعيم لولا وصفه وصفًا دقيقًا حين قال: حاولوا دفني وأنا على قيد الحياة، لكنني بُعِثتُ حيّاً من جديد، وفي الواقع تعرّض لولا لملاحقاتٍ قضائية طالته بسبب اتهاماتٍ بفسادٍ مزعوم، وتم سجنه على إثرها في العام 2018 حين قضى زهاء سنة ونصف في السجن، وصودرت حقوقه السياسيّة، إلّا أنّه تم إبطال كل مفاعيل المحاكمة وأحكامها وأعيدت الحقوق السياسيّة للرئيس لولا، إثر اتهامات للقاضي وللمحكمة بالانحياز وبتسييس القضية والتخابر بين القاضي والمدّعي العام، فكل هذه الأمور مع هذه العودة تجعل من هذا الفوز فوزًا تاريخيًا.

وتابع البكري حديثه مع "بوابة الهدف"، بالقول: يعتبر لولا مناصرًا للقضايا العربيّة عمومًا وعلى رأسها القضية الفلسطينيّة، وأثناء فترة حكمه التي امتدت لولايتين (8 سنوات) رعى القمة الأولى من نوعها بين البلدان العربيّة وأميركا اللاتينية، وحين توفي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أعلن دقيقة صمت في برازيليا في القصر الرئاسي، وكان أوّل رئيس جمهوريّة برازيلي يزور البلدان العربية في أكثر من 100 سنة من عمر الجمهورية، إذ أنّ الزيارة الوحيدة لرئيس دولة برازيلي للبلدان العربيّة كانت في عهد الملكية في القرن التاسع عشر وقام بها الامبراطور بيدرو الثاني، وفي هذه الانتخابات حصل لولا على 90% من أصوات الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية البرازيليّة في فلسطين، وهذا اعتراف فلسطيني بأهمية الزعيم لولا للقضية الفلسطينية، خاصة أنّ بولسونارو هو حليف علني للصهيونية ولكيانها وتربطه صداقات بشخصيات صهيونيّة مثل نتنياهو.

وشرح البكري خلال حديثه باستفاضة ما هي التحديّات التي تنتظر لولا فور تسلّمه مقاليد الحكم في البلاد، يقول: "أبرزها إعادة اللحمة إلى المجتمع المنقسم انقسامًا حادًا في السنوات الأخيرة، فالوفاق، بحسب خطاب النصر للزعيم لولا هو عنوان المرحلة المقبلة، وهذا يعني الحوار مع الخصوم والسعي لأن يكون رئيسًا لجميع البرازيليين وليس لأنصاره فقط، لا سيما وأنّ هذه الانتخابات كانت الأشرس في تاريخ جمهورية البرازيل الاتحادية برمتها، فحالة الاستقطاب التي شهدتها وتشهدها البلاد أدت إلى توترٍ غير مسبوق".

أمّا التحدّي الثاني، بحسب البكري، فهو معالجة الملف الاقتصادي، وإعادة النمو إلى المعدلات المرجوّة، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وإنعاش قطاعات استراتيجيّة شهدت تراجعًا في عهد بولسونارو مثل الصناعات الثقيلة كصناعة السفن وإصلاح الشركة القومية للنفط "بتروبراز" بالإضافة إلى السيطرة على التضخّم وإعادة القيمة للعملة المحلية الريال مقابل الدولار، كما أنّ هناك تحدٍ آخر وهو معالجة الملف البيئي بالأخص في غابات الأمازون لأنّ الملف البيئي شهد انتهاكات واسعة وغير مسبوقة في عهد بولسونارو الذي دعم تغوّل الاقطاع الزراعي الذي أزال مساحات واسعة من الغابات، إمّا للمتاجرة غير الشرعية بالأخشاب أو للاستيلاء على أراضي من الأملاك العامة عبر حرق الأحراج ووضع اليد على مشاع الدولة، والملف البيئي وموضوع الأمازون نالا اهتمام العالم بشكلٍ سلبي خلال عهد بولسونارو الذي تعرّض لانتقاداتٍ واسعة بسبب تأييده للانتهاكات البيئيّة وتحالفه مع القطاعات التي تنتهك البيئة.

أبرز التحديّات أمام لولا..

كما أشار البكري إلى أنّ "من أبرز التحديّات هو معالجة الملف الاجتماعي عبر الحد من اتساع الفوارق الطبقية التي زادت من حدتها سياسات بولسونارو التي انحازت لأصحاب الرأسمال واعتدت على حقوق العمال، ومعالجة ملف الصحة الذي كان كارثيًا في عهد بولسونارو وبالأخص أثناء فترة وباء كوفيد 19، وفي غير ذلك من المواضيع، فقام الرئيس بولسونارو بتخفيض ميزانية الصحة، إلى جانب كل ذلك يواجه لولا مسألة معالجة ملف التعليم والبحوث العلمية اللذان شهدا تقهقرًا في عهد بولسونارو، والرئيس المنتخب لولا أخذ على عاتقه وعدًا بإنعاش هذين المجالين عبر ضخ الأموال فيهما، ومحاربة سياسة تسليح المواطنين التي شجّعها بولسونارو، لكنّ شعار لولا هو: سلاح أقل، كُتب أكثر.

وفي ختام حديثه للهدف، شدّد د. البكري على أنّ عودة اليسار هي نزعة في كل أميركا اللاتينيّة إثر فشل السياسات التي جاءت بها حكومات اليمين المتطرّف، وخاصّةً حيال الفقراء ومحدودي الدخل، ففي حالة بولسونارو، وعودة لولا إلى الحكم كانت تعبيرًا عن حالة الاستياء العارم لدى الشعب من سياسات بولسونارو الاجتماعيّة والاقتصاديّة وسلوكه الشخصي الذي اتّسم بكثرة التصريحات المثيرة للجدل مما جعل الكثيرين يتهمونه بالعنصريّة والاستبداد وعدم احترام الدستور والمؤسّسات، وكل هذا دون نسيان أدائه الكارثي إبان جائحة كوفيد 19.

البرازيليون قالوا كلمتهم..

أمّا المحامي والناشط البرازيلي المُناصر للقضية الفلسطينيّة نادر ألفيس، فقد قال لـ"بوابة الهدف"، إنّ "حالة من السعادة والفرح والسرور عمّت البرازيل وخاصّة أحياء الفقراء والجوعى بفوز هذا القائد الملهم لولا دا سيلفا، فوز لولا يعني فشل أقطاب اليمين الذين نجحوا في حينه بمنع لولا من خوض الانتخابات في العام 2018، وأيضًا حاولوا ابعاده عن حلبة السياسة وقتله سياسيًا، ولكنه اليوم يرجع ليتسلّم الحكم في جمهوريّة البرازيل الفدراليّة أكبر بلد في أميركا اللاتينيّة وخامس أكبر دولة في العالم، ونشعر اليوم أنّنا سنعيش في مرحلةٍ جديدة نحن والجيران في البلدان المُحيطة، ونذكر عندما سارت دول الجوار خلف لولا عندما اعترف بفلسطين في العام 2010".

وأوضح ألفيس، أنّ فوز لولا يعني أنّ الشعب البرازيلي لم يعد يحتمل الرئيسي بولسونارو بسبب سياساته الغير إنسانيّة، وخاصّة فترة انتشار فيروس "كورونا"، عدا عن السياسة الاقتصاديّة التي أدّت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة والمحروقات مما جعل الشعب البرازيلي يختار لولا مجددًا لإعادة مجد فترة حكمه السابقة، حيث كان للبرازيل شأن كبير خلال فترة حكمه على الصعيد الدولي بعيدًا عن فترة التبعيّة للولايات المتحدة الأمريكيّة والعلاقات القويّة والمميّزة مع "إسرائيل" في فترة حكم بولسونارو، بعيدًا عن إرادة الشعب البرازيلي، لكنّ لولا قال لنا خلال أحد اللقاءات أنّه سيعطي اهتمامًا كبيرًا للقضية الفلسطينيّة ونحن نعوّل كثيرًا على ذلك.

كما أشار ألفيس خلال حديثه، إلى أنّ "لولا أخبر الجماهير أنّه سيعمل على حل جميع المشكلات والأزمات والقضايا داعيًا الجماهير إلى دعمه وإسناده على الدوام، وأيضًا من أجل إرجاع السلام الاجتماعي في البرازيل وبين كل الأديان للعمل من أجل مصلحة البرازيل ككل"، مُشددًا على أنّ "عودة اليسار للحكم في البرازيل هو شيء مفرح وإيجابي ومهم جدًا، وهذا سينعكس إيجابًا حكومات المنطقة، ولكن يجب أن يكون هذا اليسار هو صاحب السياسات التي تؤدّى إلى مستويات أعلى في العدالة والمساواة والحرية، وهذا هو المطلوب، وما يقوّي ويُعزّز ايماننا بتغيير الصورة العامّة هو صعود اليسار أيضًا في تشيلي وكولومبيا، والعالم من الآن فصاعدًا سينظر نظرة جديدة إلى البرازيل وإنهاء حقبة الخراب التي أدارها الفاشي حليف إسرائيل جايير بولسونارو".

وختم المحامي ألفيس حديثه مع "الهدف"، بسرد حادثةٍ حصلت يوم الاقتراع قبل أيّام، إذ قال: "ميشيلي زوجة بولسونارو توجّهت إلى مركز الاقتراع للانتخاب في برازيليا وهي ترتدي علم إسرائيل، وهذا دليل على الاستهزاء والاحتقار لمشاعر البرازيليين، والأصل أنّها كزوجة رئيس أن ترتدي علم بلادها وليس علم أي بلدٍ آخر، ولكن الجميل في الأمر أنّ سيّدة برازيليّة من أصلٍ فلسطيني ذهبت للتصويت وهي ترتدي العلم الفلسطيني ردًا على ما فعلته ميشيلي".

454.jpg
 

قبل أعوام، وفي أوّل خطابٍ له في مقر حزب العمال البرازيلي بعد تبرئته، قال الرئيس لولا دا سيلفا: "حين تم اعتقالي، كنت على ثقة تامة أنّ اليوم الذي سأثبت فيه براءتي آتٍ لا محالة، والاتهامات ضدّي كانت أكبر كذبة قضائية حدثت في آخر 500 عام. لقد تسبّب السجن بأشياء كثير قاسية، مثلًا: توفيت زوجتي بسبب هذا العذاب، ومنعتُ من حضور دفن أخي.. ولكن ليس لديّ أي رغبةٍ بالانتقام؛ لأني أرى أنّ عذاب الشعب البرازيلي أكبر بكثير من عذابي الشخصي".