Menu

نقاط فشل وطني: على طاولة الفصائل

بوابة الهدف الإخبارية

خاص _ بوابة الهدف

مع تصعيد الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب لهجمتها لتصفية حقوق الفلسطينيين، لاحت فرصة حقيقية أمام الفلسطينيين عمادها تقارب بين مجموع الفصائل على شعار مواجهة الهجمة التصفوية، بما في ذلك الفصائل التي راهنت على مشروع التسوية، وأداتها المعلنة آنذاك هي آليات وأجسام وطنية موحدة، ستتولى تصعيد المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال، هذه المهمة أُجهضت في بدايتها بفعل الاشتباك على الشق المتعلق بترتيبات الحكم والسلطة.

رغم إهدار هذه الفرصة وطنيًا لاحت لفصائل العمل الوطني فرصة أخرى استحدثتها هبة شعبنا ضد العدوان في معركة سيف القدس وهبة أيار ٢٠٢١، فقد تجاوزت القوى والجماهير الفلسطينية حواجز عدة في هذه الهبة، فمن جانب تجاور العمل العسكري المنظم مع الهبة الجماهيرية، ذلك الفصل المُصنطع بين أدوات الكفاح، وفي امتداد كليهما لكل شبر من أرض فلسطين؛ أعاد شعب فلسطين الاعتبار لوحدته السياسية والهوياتية والجغرافية. بشكل أو بآخر لقد أعطى المشهد العام في الهبة صورة عن شعب يضع خطوة كبرى في معركة الاستقلال، ويتأهب لطور جديد متقدم من أطوار كفاحه الوطني، ويستعد لتنظيم ذاته وإعادة الالتحام بين كافة مكوناته، واتصال وارتباط بؤر النضال والاشتباك المختلفة على أرض فلسطين، وتحصين كل ذلك بشبكة من الدعم والاسناد الجماهيري العربي والدولي لهذا المسار الكفاحي، ولكن القوى السياسية أهدرت هذه الفرصة بمناورات صغرى مُعيبة، وتشنجات لم يكن لها أي تبرير؛ تجد تفسيرها فقط في إدمان المناكفة والسلوك الانتهازي الصغير، وأيضًا في استعداد بعضها دائمًا للرهان على الصفقات الإقليمية والدولية، وذلك بالطبع لا يشمل كل فصائل العمل الوطني، وأيضًا لا يعني شطب نضالية تلك القوى والفصائل والتيارات التي أهدرت قياداتها تلك اللحظة التاريخية.

ما زالت هذه النافذة لم تغلق تمامًا؛ إذ حافظت نماذج العمل الثوري الوحدوي خصوصًا في ساحة الضفة المحتلة، مجالًا واسعًا للرهان الفلسطيني، كما أنها أيضًا قوضت كثيرًا من ترتيبات الهيمنة الاحتلالية لإخضاع الفلسطينيين وحصرهم في معازل؛ يديرها وكلاء نيابة عنها.

لكن مجال الاتصال مع هذه المساحة الوطنية، وفرصة استعادة المسار الثوري الوحدوي لا يجب فهمها باعتبارها "اتفاق مصالحة"، بل منطق جديد أسست له الجماهير، وكذلك الفصائل بكفاحها الجدي ضد العدوان في كل الساحات، عنوانه الأساسي هو مسار النضال بكافة الأدوات لهزيمة الاحتلال، وهنا أيضًا لا يجب تناول أو مقاربة مفهوم الوحدة النضالية باعتباره استعادة لوئام سياسي بين قوى متنافرة، بل عقد اجتماعي سياسي لإنجاح المهمة الوطنية الكبرى، بمعنى أو بآخر ليس مطلوبًا من القوى والفصائل والقيادة الرسمية الفلسطينية مناقشة تباينات برامجها السياسية، ولكن إدراك تأخر كل ما تتناوله طاولة الحوار الوطني عن الواقع النضالي والصراعي، أي ما تعانيه جماهير شعبنا من عدوان وما تقدمه من نماذج نضالية، ففي هذه المساحة المطلوب استدراك الموقف والمسارعة لتشغيل كل جسم وأداة ومؤسسة وإطار فلسطيني ضمن جهد وطني جامع لدعم هذا الصمود والنضال الجماهيري العظيم، وذلك ما يتطلب رافعة وطنية حقيقية أيًا كان اسمها، فإن وظيفتها التي نعلمها جميعًا مماثلة لوظيفة القيادة الوطنية الموحدة في انتفاضة العام ١٩٨٧، أي بناء اللجان الشعبية الوطنية العامة والمحلية، وتأطير المؤسسات والجماهير والاتحادات والأجسام الرسمية وغير الرسمية، ضمن شبكة وطنية تدافع عن شعبنا وتدعم صموده، وتوفير أدوات اقتصادية واجتماعية وسياسية؛ تحمي النضال الجماهيري وتخوضه بكافة أوجهه.

إن شعار جبهة مقاومة وطنية، ليس ترتيبًا يتعلق بالسلطة والتمثيل السياسي، بل ضرورة نضالية تخص الكل الوطني، لا يمكن نبذ أحد منها، أو استخدامها كأداة للحشد السياسي لمصلحة حسابات السلطة ووراثة حكمها الذي لا يمتد لأكثر من أبواب مقراتها، هذا تدبير وطني نضالي عام ومهمة تاريخية لاستعادة سيادة شعبنا على أرضه وتحقيق استقلاله، وصحيح أن هذا التدبير قد يستفيد من تحقيق المصالحة وإنهاء الخلافات حول الحكم الموهوم والسلطة التي قزمها الاحتلال لحدود غير مسبوقة، ولكنه أبدًا ليس مرهونًا به، أو خاضعًا له، بل وبالعكس إن مهمات تنظيم البيت السياسي واستعادة وحدة وفعالية المؤسسات وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، يجب أن تكون محكومة بالعنوان النضالي الوطني وليس العكس.

إن الفعل الوطني النضالي المستمر، العنفي والجماهيري في وجه الاحتلال هو نبوءة ورسالة شعب فلسطين، وقراءته لمستقبله وتكريسه لنماذج تعكس إرادته وتصوره عن أدوات العمل الوطني والسياسي والمجتمعي؛ نموذجًا يجب أن يتحول لشبكة وطنية عامة، ومنطق حاكم للفعل السياسي، وهذه المهمة برسم القوى الأكثر تنظيمًا واختزانًا للموارد البشرية والمادية والسياسية؛ فصائل العمل الوطني، دون استثناء، ودون احتكام لفيتو من أحد، ودون انتظار لاتفاق شامل، فهذه هي بوابة الاتفاق الوطني الشامل، وإجابة السؤال الاستراتيجي وطنيًا؛ فالسؤال الاستراتيجي دومًا يتمحور حول: كيفية هزيمة العدو وليس حول إدارة المؤسسات.