في مثل هذه الأيام وقبل ٣٨ عاماً تم اغتيال وقتل الرفيق الدكتور المهندس فؤاد الخطيب، أحد قيادات الجبهة الشعبية في ساحة رومانيا، حيث وقعت الجريمة البشعة في مدينة تيشمورا، ونفذتها عصابات القتل والإجرام من المنتسبين إلى صفوف حركة فتح؛ كان ذلك في ليلة رأس السنة الميلادية في نهاية عام ١٩٨٤، حيث تم طعنه بعدة طعنات بالسكاكين، وثم قذف جثته من الطوابق العليا إلى الأرض، ما أدى إلى إصابته بجروح بالغة، ما لبث بعدها أن فارق الحياة بعد نقله إلى المستشفى.
واليوم أتذكر هذه الحادثة البشعة بتفاصيلها، حيث اتصل بي الرفاق أبو علي مصطفي نائب الأمين العام والرفيق عمر قطيش مسؤول الفرع الخارجي في ذاك الوقت، وطلبا مني الذهاب فوراً إلى رومانيا لمتابعة الأمر؛ غادرت براغ مباشرة متوجهاً إلى بوخارست وعند وصولي التقيت مباشرة مع الرفاق المسؤولين هناك، الذين كانوا في حالة من الهيجان والتوتر الكبير مصرين على الانتقام من القتلة.
قمت بدور كبير من أجل تهدئة الأوضاع، حتى لا يتفاقم الأمر وتقع اشتباكات بيننا وبين فتح؛ تؤدي إلى المزيد من الضحايا.
حضر وقتها مندوب عن فتح السيد روحي فتوح المسمى حالياً برئيس المجلس الوطني، وكان حينها عضواً في دائرة التعبئة والتنظيم في حركة فتح، التقيته وقتها في مقر السفارة الفلسطينية في بوخارست؛ واتفقنا بحضور السفير عزت أبو الرب (خطاب) على تهدئة الأمور حتى لا تتفاقم، على أن تتم محاسبة القتلة المجرمين. لكن للأسف الشديد لم يحصل ذلك، وبدلاً من محاسبتهم تم ترحيلهم وتأمين بعثات دراسية لهم، في دول أخرى ولم يعاقب أيّ منهم.
أذكر هذه الحادثة اليوم لأسباب عدة:
السبب الأول: هو الوفاء إلى روح رفيقنا الشهيد الطبيب والمهندس المعماري في نفس الوقت، حيث تابع دراسة الطب بعد أن حصل على دبلوم الهندسة المعمارية، ولأقول له أننا قصرنا في الحصول على حقك ومعاقبة المجرمين، كي لا تتكرر الجريمة التي تكررت على أيديهن، ضد أبناء شعبنا الأوفياء لقضيتهم والمعارضين لنهج فتح السياسي والتنظيمي.
السبب الثاني: هو تذكير أبناء شعبنا بهذه الجريمة البشعة، ونحن نعيش جرائم لا تقل بشاعة عنها، وما زلنا نذكر كيف تم قتل نزار بنات؛ بأبشع الطرق، والتنكيل في جثته، لا لشيء إلا لكونه صاحب رأي حر وشريف، ورغم معرفة الجناة أيضاً إلا إنهم ما زالوا تحت حماية السلطة وغياب العدالة ولم يناولوا القصاص الذي يستحقونه، كما غابت العدالة أيضاً ومعرفة الحقيقة، في حادثة اغتيال الرفيق الشهيد عمر النايف في قلب السفارة الفلسطينية بصوفيا؛ قبل بضعة سنوات.
في ذكرى مرور ٣٨ عاماً على وقوع هذه الجريمة البشعة التي تندى لها الجبين؛ لا بد من القول: أنها جاءت ومثيلاتها؛ تعبيراً عن نهج يمثل حالة رفض الرأي الآخر والتعامل مع الآخرين من خلال الإقصاء والقتل، وعلى قاعدة رفض الوحدة الحقيقية؛ استناداً إلى ثقافة (غلابة يا فتح.. وأنا ابن فتح ما هتفت لغيرها)؛ باختصار ثقافة الفردية والتفرد وعدم قبول الآخر.
أقول: للأسف أن هذا النهج تميزت به بعض الأطراف المتعصبين في حركة فتح ومنذ وجود الثورة في الأردن، مروراً بلبنان والشواهد على ذلك كثيرة، وقاموا بممارسات المستفيد الأساسي منها هو العدو الصهيوني؛ فمن الذي اعتقل أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية ورفاقه الأربعة أبطال عملية قتل الإرهابي الصهيوني رحبعام زئيفي، والذين ما يزالون يقبعون في سجون الاحتلال؟ أليست هذه جريمة كبرى بحق شعبنا وقضيته ومناضليه الشرفاء؟
وهنا لا أتحدث عن فتح ومناضليها، بما هي حركة تحرر وطني؛ شريكة لنا في النضال، حيث قدمت القادة والشهداء والمعتقلين الذين نكن لهم كل الاحترام والتقدير والوفاء، وإنما أتحدث عن هذه الفئة المتسلطة، والتي ما زالت تمارس هذا الدور بشكل أكثر فظاعة؛ عندما ارتكبت جريمة قتل نزار بنات وجريمة ملاحقة المناضلين والزج بهم في السجون وجريمة ملاحقة أصحاب الرأي الحر وكل من يمارس نقداً لها.
نعم هذا نهج متكامل ومدرسة وجدت قبل اغتيال الرفيق الدكتور فؤاد الخطيب واستمرت حتى الآن، ومن حقنا أن نسأل اليوم القيادة المتسلطة وأجهزة قمعها: أين هم قتلة فؤاد ونزار والنايف؟ ومن المسؤول عن قتلهم؟! وأين غدا قتلة فؤاد؟! ما هو مصير محمد بنات ابن عم نزار والشاهد على جريمة قتله؟! وأين مسؤولية أمن ومسؤولي سفارة السلطة في صوفيا؟
ما هو مصير المناضلون مصباح اشتية ومزيد سقف الحيط وغيرهم العشرات الذين يزج بهم في سجون السلطة وسجون العدو، في إطار تبادل الأدوار بين السلطة والعدو وتنسيقهم الأمني؟! لماذا تقوم السلطة بملاحقة واعتقال كل من يقاوم الاحتلال؟! ولمصلحة من؟! ومن المستفيد؟
وقائمة التساؤلات تطول وتطول.. ومن الواضح أننا لن نتلقى منهم إجابات...
أقول اليوم: أن هذه القيادة التي تقتل أبناء شعبها وتلاحق المناضلين وتزج بهم في السجون هي قيادة فقدت شرعيتها الثورية والدستورية والشعبية منذ زمن طويل؛ يجب العمل على إسقاطها؛ كونها لم تعد تمثل الشعب؛ ومن العيب على الفصائل والقوى كافة التي ما زالت تتحدث عن الوحدة الوطنية مع هؤلاء وتركض خلفهم؛ عليهم أن يتخلوا عن هذا الأسلوب الذي لن يخدم سوى هؤلاء المتنفذين من الخونة والقتلة في المنظمة والسلطة والإطالة في عمرهم. إن من شجع وسمح لهذه السلطة ورموزها؛ الاستمرار في ممارساتها هو ضعفنا وعدم قدرتنا، أو رغبتنا، على المواجهة ووضع حد لهذه الجرائم؛ تحت عنوان الحفاظ على الوحدة الوطنية.
وأصارحكم القول: أننا في كل يوم نفقد الوطن والأرض وندفع الدم والسبب هؤلاء المتنفذون من الخونة والقتلة؛ فهل تستيقظوا يا أصحاب المناصب والمراتب.. أنتم في موقع القرار وتضعون حداً لها ولممارساتها؟ هل تفعلون...؟
المطلوب مواقف عملية، وليس خطابات؛ فتنذكروا قول: "خطوة عملية واحدة خير من دزينة برامج".
السلام والمجد والوفاء للرفيق الدكتور فؤاد الخطيب، في ذكراك لن ننساك... ولن نغفر.. الخزي والعار للخونة والقتلة.