Menu

نقد الاستعمار أم مجابهته؟

بوابة الهدف الإخبارية

خاص_بوابة الهدف الإخبارية

تركز المنظومة الاستعمارية في أدبياتها وسياساتها التي أنتجتها في ذروة حقبة الاستعمار المباشر أو في العقود الأخيرة، على مفاهيم مكافحة التمرد ومعاقبة البيئة الحاضنة للمقاومة وتدفيعها ثمن دعمها للمقاومة؛ الحصار المالي وتحطيم قدرة المتمردين على تسويغ تمردهم ضد المستعمِرين أو التنظير له.

وأيّ كانت المسميات التي درجت في تنظير جنرالات وأكاديميي منظومة الغزو للتبشير بإمكانية تنفيذ احتلال واستعمار مريح وقليل الكلفة، فإن أدوات الغزاة المستعمِرين الأساسية ما زالت الرصاصات والقنابل والطائرات: القتل والاعتقال والتعذيب والتدمير الممنهج والحصار، ومهما وصلت الإشادة والتضخيم بدور الوكلاء المحليين لأي منظومة استعمارية، فإنها تدرك أن هؤلاء الوكلاء يقفون ويتحركون بالأساس على مساحة يحميها المستعمِر بقنابله وآلات حربه.

لم تكن أدبيات القمع الناعم وتنظيراته هي ما قتلت الفلسطينيين هذا الأسبوع في الضفة المحتلة، بل تقوم بذلك وحدات جيش العدو في حملة قتل وتدمير وحشية، وأيضًا لم تكن القراءات الأكاديمية الفلسطينية المستحدثة لحقبة "ما بعد الاستعمار" و"أدوات الهيمنة والقمع الناعم- أو القاسي" هي من دافع عن الفلسطينيين في وجه هذه الحملة الهمجية؛ فمن فعل ذلك هم أبناء الأحياء والقرى والمخيمات؛ الفلسطينيين وحاضنة شعبية آمنت بفعلهم وسعت لحمايتهم ودعم فعلهم، وعلى عكس ما نظرّت موجة كبيرة من الكتابات لاستحالة الفعل وتفكك البنى والحواضن؛ تبدو بضعة شهور كفيلة لعكس الصورة وتقديم صورة مغايرة عن شعبنا في كتابات أخرى، قد تكون واقعة في فخ مبالغات مضادة، ولكنها بالتأكيد أكثر تفاؤلًا بنبض الشارع.

فعلى أهمية المطالعات الأكاديمية والتحليل الموضوعي والنقدي للواقع وما يسود حوله من توصيفات في هذا الصراع مع العدو الصهيوني، فإنه من المهم بالقدر نفسه ألا تكون هذه العملية مجرد مذاكرة نقدية لأدبيات ونظريات المستعمِرين، أو محاولة لبناء معارضة أخلاقية لهذه الأدبيات لا لفعل المستعمِر نفسه.

بالقدر نفسه وعلى أهمية نقد كل أشكال التهاون مع الاحتلال، أو التنسيق معه، أو تحول بنى وطنية فلسطينية للعب دور الإدارة المحلية في ظل الاحتلال، فإنه من المهم إدراك أن العمل الوطني، لا يجب أن يبقى رهينة لهذا الوضع، أو مجمدًا بانتظار زوالها من تلقاء ذاتها، بل إن العمل لاستعادة البنى النضالية الوطنية وفعلها في مواجهة المحتل، هو أداة أساسية لتغيير هذا الوضع بصورة جذرية، ذلك بجانب النضال الداخلي لاستعادة المؤسسات الوطنية لموقعها ودورها.

تلك هي مهمات القوى الوطنية والنقيض المباشر للمستعمِر وسياساته وأيضًا نظرياته، أي القناعة الجدية من الفاعلين الوطنيين بدور النضال المباشر على الأرض والمجابهة الجادة للعدو في تغيير المعادلات القائمة؛ إذ يقف شعبنا عند عتبة فارقة تتعلق باستعادة قدرته على تنظيم الذات، وتجاوز ما أحدثته مرحلة أوسلو من تمزيق للبنى الوطنية، ومهما على صوت نقد المثقف الفلسطيني للمستعمِر، أو اتسعت مساحة الاستماع لروايته في الساحة الغربية وعواصم الاستعمار، فإن ذلك كله لن يغني قيد شعرة عن مهمات تنظيم الذات وصناعة أدوات المواجهة واستعادة فعالية البنى الوطنية في المعركة مع الغزاة على أرض فلسطين.