Menu

عملية القدس البطولية: أبعادها الأمنية وأبعاد احتفال 15 مليون فلسطيني بها

عليان عليان

العملية العسكرية النوعية التي نفذها الفدائي المقدسي البطل "خيري علقم"، شكلت رداً نوعياً على المجزرة التي اقترفها العدو في مخيم جنين، وانطوت على أبعاد أمنية كبيرة من زاوية أنها كشفت خرافة منظومة أجهزة الأمن الإسرائيلية، التي لم تحضر إلى أرض المعركة إلا بعد مضي عشرين دقيقة على تنفيذ العملية، صال خلالها الفدائي وجال مفرغاً أكثر من مخزن ذخيرة في صدور المستوطنين، ما أثار سخط الأوساط السياسية والإعلامية في الكيان الصهيوني، ووصفتها القناة (13) في التلفزيون الصهيوني "بأنها  نفذت تحت أنف أجهزت الأمن الإسرائيلية"، هذا من ناحية، ومن (ناحية أخرى) فإن تنفيذ العملية في القدس وعلى يد ابن القدس، يربك العدو ويقيد يديه بشأن وجهة الرد الإسرائيلي، لا سيما وأن العملية تمت خارج إطار نفوذ التنسيق الأمني للسلطة، ومن (ناحية ثالثة) كشفت العملية، عن قدرة المقاومة الفلسطينية على استطلاع ورصد الهدف وتنفيذ العملية  في زمن قياسي، بعد اقتراف العدو لمجزرة جنين.
لن نتوقف هنا أمام اللعب على دائرة التفريق المتعمد بين العمليات الفردية النوعية، وبين عمليات ودور فصائل المقاومة، بهدف تقزيم دور فصائل المقاومة، فهذا اللعب الساذج لا ينطلي على أبناء شعبنا، الذي يدرك دور الفصائل المركزي في مقاومة الاحتلال منذ عام 1967، ودورها الريادي في قطاع غزة في إطار غرفة العمليات المشتركة، ثم أن المقاومة مطلق مقاومة في حركات التحرر الوطني، يتكامل فيها الفعل الفردي مع الفعل الشعبي مع الفعل الفصائلي، بحيث تشكل في مجملها مقاومة عموم الشعب الفلسطيني.
ثم من المبكر الحكم بأن العمليات الفردية، كتلك التي نفذت في بئر السبع وتل تل أبيب والخضيرة ومستوطنة أرئيل، من قبل الأبطال محمد أبو القيعان، وضياء حمارشة، ورعد خازم، وأيمن وإبراهيم إغبارية، ومحد صوف، العام الماضي، وكذلك عمليتي  القدس اللتين جرى تنفيذهما خلال اليومين الماضيين من قبل  الفدائيين "خيري علقم"   و"وديع عزيز أبو رموز"، والتي أدت إلى مصرع وجرح عدد كبير من الصهاينة، بأنها "فردية في السياق التنظيمي" والتي يطلق عليها العدو اسم "الذئاب المنفردة"، فامتلاك السلاح لهذا الفدائي، ورصد الهدف، والمهارة الهائلة في التصويب وإطلاق النار لا يمكن عزله عن عمل تنظيمي ومؤسسي.
أبعاد العملية على الصعيد الشعبي:
لقد تابعت شأني شأن ملايين الفلسطينيين، الفرحة التي عمت الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وفي الشتات، وتحديداً في مخيمات اللجوء في سورية ولبنان والأردن، إثر تنفيذ عملية القدس البطولية بطابعها الاحترافي، والتي أدت إلى مصرع تسعة مستوطنين وجرح عدد آخر منهم    وخرجت باستنتاجات رئيسية لا يمكن دحضها وأبرزها:
1- أن الشعب الفلسطيني واحد وموحد في كافة أماكن تواجده - وليس مجرد مجاميع سكانية- كما حاول البعض الإقليمي أن يشخص وضعهم الاجتماعي، "بأنهم فقدوا خصوصيتهم بزعم أن الملايين منهم انخرطوا في المجتمعات المختلفة، وأن لا هم لهم سوى تحسين مستوى معيشتهم، وأصبحوا جزءاً من هذه المجتمعات في سلوكهم واهتماماتهم". فأبناء شعبنا المتواجدون في الأقطار العربية، ومن واقع تفاعلهم ودورهم في النضال الفلسطيني، وفي مقاومة التطبيع، حافظوا على هويتهم الفلسطينية باعتبارها جزءاً من الهوية القومية العربية الجامعة، وباعتبار الهوية الفلسطينية هوية نضالية وهوية نقيضه للهوية الصهيونية الإجلائية، وليس نقيضاً للهوية القومية، ومن ثم فإنهم كانوا ولا يزالوا جاهزين لأخذ دورهم في مواجهة العدو ودعم المقاومة في فلسطين.
2- أن الاحتفالات والأعراس النضالية، التي عمت مدن وقرى ومخيمات الضفة والقطاع وفلسطين المحتلة عام 1948، ومخيمات اللجوء في لبنان وسورية والأردن ومناطق الشتات طوال ليل الخميس- الجمعة، والتي تخللها توزيع الحلوى في أزقة المخيمات وفي ميادين المدن في كافة مناطق فلسطين التاريخية، برهنت أن الشعب الفلسطيني موحد على برنامج المقاومة ولا برنامج غيره.
3- هذه الاحتفالات شكلت استفتاءً ضد نهج التسوية البائس، الذي سعت القيادة المتنفذة في المنظمة والسلطة إلى تكريسه كنهج سائد، وبات أصحاب نهج أوسلو يدارون خجلهم من أنفسهم ومن نهجهم، ويزعمون بأنهم أوقفوا التنسيق الأمني، مع إدراك شعبنا بأن هذه الفئة المتنفذة لن تتراجع عن نهجها، بحكم جملة المصالح التي ارتبطوا بها مع الدولة المانحة والكيان الصهيوني، إذ أنهم حتى اللحظة لم يتراجعوا عن الاعتراف بالكيان الصهيوني وبحقه في الوجود، ولا عن اتفاق باريس الاقتصادي، ولا عن قمع الحريات واعتقال المئات من أبناء شعبنا، الذين يناهضون نهج التسوية الأوسلوي ويؤكدون على نهج المقاومة.
4- أن المقاومة الفلسطينية تستند إلى حاضنة شعبية غير مسبوقة وعمق جماهيري- مساحته 14,3 مليون فلسطيني- وعمق شعبي عربي من المحيط الخليج، يعلنون  بأعلى صوتهم أن لا سبيل لدحر الاحتلال وتحرير فلسطين إلا بالمقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها وفي مقدمتها الكفاح المسلح. 
ما تقدم من مقاومة شرسة ضد الاحتلال، ومن استنتاجات، يرتب على فصائل المقاومة (أولاً) أن تبادر إلى تشكيل قيادة موحدة للمقاومة والانتفاضة، لوضع استراتيجية موحدة  تستند إلى برنامج المقاومة، ولتعمل على تفعيل المقاومة الشاملة المتبلورة في الضفة الفلسطينية، وإدارة وتوفير مستلزمات إدارة الصراع مع الاحتلال، وعلى إسقاط نهج التنسيق الأمني واتفاقات العار التي جرى توقيعها مع العدو الصهيوني.
ويرتب عليها (ثانياً) أن تبلور تحالف واضح ومركزي، مع أطراف محور المقاومة ومع القوى التقدمية العربية، في إطار صيغة جبهوية واضحة ومحددة، من أجل توفير  الدعم  المطلوب للمقاومة على الصعيدين اللوجستي العسكري والسياسي، ولإفشال مؤامرات كيانات التطبيع، التي وصلت بها الأمور إلى إدانة عملية القدس والصمت على مجزرة جنين.