في أوقات الكوارث الطبيعية يفترض أن يتوحد العالم في إنسانيته من قبل الناس والمؤسسات والأنظمة، لكن للأسف فإنه وفي الواقع المعاش وفي أكثر من كارثة طبيعية سابقة، كانت المواقف تؤخذ على أساس سياسي وأيديولوجي تكشف عهر الادعاءات بالحيادية، بل أكثر من ذلك، حيث وظفت تلك الكوارث لتحقيق أهداف سياسية آنية واستراتيجية.
وفي قراءة أولية لردة الفعل الرسمية عربيًا ودوليًا على المأساة الإنسانية التي ما زالت تتفاعل في كل من تركيا وسوريا، على أثر الهزة الأرضية التي ضربت البلدين، يتضح ومنذ البداية وقاحة التوظيف السياسي، ذلك لأهداف لا علاقة لها بالإنسانية المحايدة، حتى على مستوى التغطية الإعلامية للحدث، حيث يلاحظ المراقب دون عناء، الانحياز المخجل للإعلام العربي والدولي، وكأن ضحايا الزلزال في سوريا هم بشر من نوع آخر عن أولئك في تركيا .
صحيح أن تركيا طالها نصيب أكبر نسبيًا من الدمار والضحايا في ظل امكانيات وبنية تحتية وتدفق مساعدات دولية لا تقارن بواقع سوريا، مما يؤدي بالضرورة لمقاربة غير عادلة، ما بين نتائج الزلزال وفاعلية مواجهة نتائجه. وصحيح أن حجم الخسائر البشرية والمادية في سوريا يبدو أقل حجمًا نسبيًا، مما لحق بتركيا، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن حجم الضحايا والدمار في شمال شرق سوريا، تتضاعف تأثيراتها ومتطلبات إغاثتها بحكم عوامل موضوعيه لا تخفى على أحد: وأولها حالة الحصار السياسي والاقتصادي التي فرضت ظلمًا وتجبرًا على الشعب السوري لأكثر من عشر سنوات. وثانيًا بحكم الواقع السياسي للمناطق التي تأثرت بالكارثة في سوريا وأغلبها مناطق تخضع لسيطرة القوى المجرمة التي استباحت دماء السوريين، قادته تركيا و قطر ، وبدعم من المراكز الإمبريالية وتحالف أكثر من ٨٢ دولة سيتصدر قادتها أبواق الإنسانية المزيفة لمساعدة الضحايا في سوريا .
سياسات المجرم أوردوغان، ربما تسببت بالزلزال
في سياق التوجهات الأوردوغانية الاستعمارية وأحلامه العملية للسيطرة والتأثير على الوطن العربي وإن توشح بلباس الإسلاموية المقيتة، إلا أنه نجح ولو جزئيًا بذلك سواء من خلال ولاءات سياسية وازنة من تفريخات الإخوان المسلمين على امتداد الوطن وبهلوانياته المعهودة، بخصوص قضية العرب الأولى – فلسطين. كل ذلك في ظل تحالف وعلاقات وثيقه مع الكيان الصهيوني على كل المستويات، وخاصة العسكرية والاقتصادية .
وقد أمعن أوردوغان في استراتيجيته تلك وصولًا لاحتلال مباشر لأجزاء من محيطه العربي في كل من العراق وسوريا، بما يشمل أيضا محاولة خنقهما بشحة الموارد الطبيعية، وخاصة الثروة المائية، من خلال التحكم بمصادر دجلة والفرات وبناء سد أتاتورك، والذي تضخم في احتجازه لكميات هائلة من المياه، رغم تحذير أكثر من مؤسسة دولية متخصصة، بما يمكن أن ينتج عن ذلك من تبعات بيئية ومن ضمنها زيادة الضغط على الصفائح التكتونية في عمق الأرض، في منطقة هي أصلًا معروفة بحكم بنيتها الجيولوجية، مهيئة للهزات الأرضية العنيفة، إلا أن أوردوغان وفي سبيل تطلعاته الاستعمارية وحلمه بإعادة الاحتلال العسملي للوطن العربي وأحلام إمبراطوريته المنهارة، بعد الحرب العالمية الأولى، كان وما يزال على استعداد لإلحاق أكبر الضرر والدمار بمحيطه العربي، وإنما أيضًا حتى على حساب شعبه، ومن ضمن ما تم نشره من العشرات من الدراسات والأبحاث المتخصصة والموثوقة، بما له علاقة ما بين سد أتاتورك والهزات الأرضية دراسة يعود تاريخها نيسان ٢٠٢١ .
والذي شارك بها معهد كاندالي ومركز مراقبة الهزات الأرضية لجامعة بوجازي-استانبول التركيين .
والملفت للنظر تواطئ الإعلام العالمي بتغييب تلك الدراسات والأبحاث خلال تغطيتها لأخبار الزلزال الحالي: فلماذا؟ ولأي أسباب يتم التغاضي عن تلك الدراسات؟!
وعطفًا على الجغرافيا والواقع السياسي، فإن معبر باب الهوى ما بين سوريا وتركيا هو المنفذ الوحيد من الخارج للوصول للمناطق السورية المنكوبة، وكأن تلك الجغرافيا تتآمر أيضًا لاستغلال الزلزال لاستمرار سياسات إلحاق الأذى بالشعب السوري على امتداد وطنه، أضف إلى ذلك حقيقة سيطرة قوات الاحتلال الأمريكي على المناطق السورية الشرقية الغنية بالنفط والمتحكمة جزئيًا بعقدة المواصلات ما بين سوريا وكل من الأردن والعراق.
إن كل تلك الحقائق ستوظف بالحد الأقصى لاستغلال الكارثة، لاستمرار حصار سوريا واضعاف موقف النظام وإظهاره وكأنه عاجز في لحظة الحاجة الملحة عن الوقوف أمام مسؤولياته اتجاه شعبه .وهنا تأتي أهمية أن تدرك الجماهير والمؤسسات العربية الوطنية والقومية الفاعلة الحقائق سالفة الذكر، من أجل النهوض بمهماتها، ليس فقط بالتصدي لمهمات الإغاثة والدعم الراهن المباشر على أهميته، وربما عبر الأردن ودون الوثوق بالمؤسسات الدولية أيًا كانت، ولكن أيضًا أن تضع مهمة فك وإنهاء الحصار الظالم عن سوريا كمهمة يومية حتى يتم تحقيقها .
نعم.. ورغم قناعتنا أن الحكومة السورية ستبذل كل مجهوداتها للنهوض بمتطلبات الإغاثة الآنية وطويلة المدى، من حيث إعادة بناء ما دمره الزلزال، ولكنه من غير الواقعي أن نتوقع نجاح الحكومة بذلك، بحكم الحصار والاحتلالات في شمال وشرق سوريا وتبعاتهما .
في مواجهة الزلزال.. إسقاط الحصار عن سوريا هو الحل
وهذا يعيدنا للمربع الأول وللمسألة المركزية بأن مأساة الشعب السوري المزمنة هي نتاج مباشر واستهداف استراتيجي للقوى المناهضة، ليس للشعب والنظام السوري فقط، وإنما باستهداف النهوض الوطني والقومي العربي بمجمله.
صحيح أن أشد الوجع هو الحاضر، إلا أنه صحيح أيضًا أن علاج أسباب الوجع هو الحل الجذري. فك الحصار عن سوريا وشعبها، من أولويات الجماهير العربية وقواها الفاعلة في سياق التصدي للمشروع الرجعي الصهيوني الإمبريالي للمنطقة وفي المركز منها التصدي لأوردوغان وسياساته .