Menu

قرارات من ورق: شعبنا لم يلق السلاح

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

أصدرت حكومات وسلطات العدو المتعاقبة مئات آلاف القرارات الهادفة لتصفية وجود الفلسطينيين على أرضهم، ودفعهم للخضوع لهذه التصفية دون مقاومة، ولكن هذه القرارات لم تكن يومًا كلية القدرة، وهذا العدو رغم ما يحوزه من ترسانة للعدوان وغطاء دولي لم يتقدم في شبر من فلسطين دون مقاومة من أهلها، وحيثما استحكمت المقاومة دفع هذا العدو ثمنًا لكل شبر تقدم فيه وتراجع كثيرًا عن مخططاته وابتلع ديباجات أوامره وقراراته إلى حين أو إلى الأبد، بعبارات أخرى أن القرارات الصادرة عن المجلس المصغر لحكومة العدو بشأن ضم الأرض وتوسيع الاستيطان وتسريعه وتكثيف العدوان والجرائم بحق أهلنا، هي نوايا هذا العدو وليس قدرنا المحتوم، فنحن أيضًا أصدرنا مئات الآلاف من البيانات والمواقف وربما ملايين، ولكن تعلمون كم كانت حصتها من التطبيق أو التحقق.

تزيد البيانات والقرارات رف الأرشيف الورقي لكن ما ينتزع الأرض منا ويقتلنا في الشوارع هي الآلة العسكرية للعدو وأدوات القهر المادي، وما يوقف هذه الآلة العسكرية في كل مرة كانت هي قدرة شعبنا على تصعيد مقاومته للعدوان، وبالتأكيد لم نخسر فلسطين في جدل فكري أو ندوة فشلنا في اثبات وجهة نظرنا فيها، أو حتى بفعل قرار صدر في مكتب تافه لوزارة استعمارية، فرغم دور مثل هذه القرارات في تصعيد السياسات العدوانية ضد شعبنا، أو في تغطية ودعم إجرام قوات العدو الغازي وأجهزته، إلا أن المعركة دومًا كانت في مآلها النهائي تحدث على الأرض مع أهل الخندق وتحسم بالدم، وفي هذا السياق وأي كان قدر المعارك التي خسرناها عسكريًا والدماء التي نزفناها كانت المقاومة والكفاح دومًا جوابًا أفضل من الاستسلام.
في هذا السياق لنستذكر أن العدو خلال العقود الماضية تمكن من استدراجنا لاتفاق مكتوب لم يحمل لنا إلا كل الخسارة والهوان، وجر حكام العرب لاتفاقيات تطبيع مذلة، وبموجب كل هذه الأوراق والسطور والقرارات كان يفترض أن يمضي العدو في سلب ارضنا والعدوان علينا دون رد فعل او مقاومة، وأن يتسع مسار التسوية ليغرق كل العالم العربي ويطمس كل كلمة تقال دفاعًا عن حقنا في المواجهة والقتال لأجل حريتنا ووجودنا وأرضنا، ولكن الوقائع المسجلة منذاك أننا لم نستسلم وأن دمنا و دمهم سال أنهارًا على هذه الأرض وأن القتال استمر والعدوان استمر وأن مشروع التسوية قد أضحى أثر بعد عين وأكذوبة سخيفة تتسلى بها بعض الأجسام الميتة. هذا لن يعني أن مشروع التحرر الوطني الفلسطيني في أفضل حال، بل أن بؤس السياسات الفلسطينية يضرب فيه المثل، وعلى الأرض تمكن العدو من توجيه ضربات هائلة للبنى التنظيمية للفصائل الفلسطينية في الضفة المحتلة، ويمضي جنوده في كل يوم ليقتلوا أبناء شعبنا في الشوارع ويجرون غيرهم آلاف مؤلفة للسجون، ولكن "غياب البنية التنظيمية" و"جز العشب"و"كاسر الامواج" لم يمنع إشراق فدائي بسكين أو ببندقية صدئة ليعيد الأسئلة الأولى.

يستطيع العدو مصادرة الأرض وحشد المستوطنين فيها ولكن: هل يستطيع جعلهم آمنين فيها؟ هل بوسع قوة في الدنيا ان تمنع أي فلسطيني أن يكون الفدائي القادم فيشهر سكينه ويقوض كل مقولة عن أمن الاحتلال على أنقاض وجودنا؟

حين يشهر فدائي فلسطين قنبلته النووية في يده محكمًا قبضته على سكين أمه التي ربته جيدًا، يهتز كل مفهوم وقرار حاول شطب وجودنا وتوهم امكانية خضوعنا لهذا المصير، يبحلق جهاز المخابرات في قوائمه المسبقة التي تضم المنفذين المحتملين، فلا يجد اسم فدائي فلسطين ضمنها، لا يجد اسم يحمله فلسطيني جديد ويمضي ليعيد الصراع لمربعه الأول، لا أمن لكم في هذه الأرض، ليس بوسعكم فرض الاستسلام علينا أبدًا، لأن هذا مرهون بإرادتنا لا بارادتكم أو بقراراتكم أو الظرف الدولي.

حين يشهر الفدائي سكينه أيضًا نحن نرتجف، نستشعر الفخر والخجل، فخرًا بالبطولة وإرادة القتال، وخجلا من تردي الحال، ومن حاجته لرصاصة وبندقية فيما آلاف البنادق والرصاصات مكدسة في الهراء، خجلًا من الجرأة والبطولة والقرار المحكم فيما تواصل السياسة الفلسطينية اختيار ميتتها الأولى ورهانها العقيم على التسوية، خجلًا من غرف التنسيق الأمني، خجلًا كوجه ضابط قرر اعتقال هذا الفدائي ولكن الوقت لم يسعفه، خجلًا كهراوة سجان، أو كقرار بصرف بضعة ملايين من الدولارات هدرًا باسم المشروع الوطني والدولة والمقاومة فيما تتهاوى جدران بيوت الفدائيين ولا تجد من يقيمها، وفيما ينهش الفقر لحم كل فدائي قادم وتقتل التخمة والجبن قلة تجثم فوق صدورنا.