Menu

خضوعٌ وذلّ.. صفقةٌ مع القتلة والمستوطنين

بوابة الهدف الإخبارية

خاص_بوابة الهدف

تمكّنت حكومة العدو الصهيوني وحليفتها الولايات المتحدة من تقويض المسعى العربي الفلسطيني لإصدار قرارٍ ضدّ التصعيد الاستيطاني من الجمعية العامة للأمم المتّحدة؛ وذلك لم يتم إلا برضوخٍ رسميٍّ عربيٍّ وفلسطينيٍّ مشتركٍ للضغوط الأمريكيّة.

لم تكن المعضلةُ في خسارة فرصةٍ لإدانةٍ دوليّةٍ جديدةٍ للعدوّ الصهيوني وجرائمه، ولكن بالأساس في ذلك الخنوع الذي أظهره الموقف العربي والفلسطينيّ للسياسات الأمريكيّة، وأقبح وجوهه في كونه قبولًا للتعامل مع الإدارة الأمريكية بسياساتها العدوانيّة المعلنة ضد شعبنا وقضيتنا، كما لو كانت وسيطًا بيننا وبين العدو، وما يرتبطُ به هذا الموقف من رهانٍ مستمرٍّ على وعودٍ من الإدارة الأمريكية بإلزام الكيان الصهيوني بأي من التعهدات، مجددًّا؛ استبدلت القيادة الفلسطينية ما أعلنته مرارًا وتكرارًا بشأن سعيها لملاحقة العدو وإدانته دوليًّا بوعودٍ من العدو ذاتها ومن حليفته الولايات المتحدة.

هنا من المهم أن يكون من الواضح لدى كلّ فلسطينيٍّ وعربيّ، أن اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة رأسًا دون محاولة إصدار قرارٍ من مجلس الأمن، تنازلٌ مسبقٌ من الأطراف العربيّة والطرف الفلسطيني لمصلحة الإدارة الأمريكية؛ فالتصويت في مجلس الأمن على مشروع قرارٍ يدين جرائم العدو الاستيطانيّة ستقوم الإدارة الأمريكيّة بمقابلته بالفيتو، وبدلًا من تحميل الإدارة الأمريكيّة هذا "الحرج" ومن ثمَّ الانتقال للجمعية العامة للأمم المتحدة خطوةً ثانيةً إذا تعذّر استصدار القرار من مجلس الأمن كما هو متوقّع؛ تذهب السياسة الفلسطينية والعربية مباشرةً للجمعية العامة، ثم تنكفئ عن هذا الخيار بناءً على الضغوط الأمريكية؛ متذرّعةً بوعود هذه الإدارة والكيان الصهيوني، وكأنّ هذه الوعود ستوقف نزيف الدم المستمرّ والتهويد والعدوان ومصادرة الأرض وطرد الفلسطينيين والهجمة على الأسرى.

كذلك من المفيد أن نقف جميعًا عند حقيقة أن استراتيجية اللجوء للهيئات الدولية لاستصدار قراراتٍ تدين العدو، ليس سقف الإرادة الشعبية الفلسطينية، بل هي استراتيجيةٌ أعلنتها السلطة الفلسطينية مرارًا وتكرارًا، ثُمَّ تراجعتْ عنها بهذا الشكل في كلّ من محطّاتها؛ فشعبنا، وإن كان يرحب ويسعى لتجنيد كل موقفٍ دوليٍّ يؤيّد حقوقه إلا أنه لا يعدّ هذا رهانه الأساسي، ويراهن على صموده ومقاومته ضد العدوان الصهيوني في كل شبرٍ من فلسطين، وما تراجعُ القيادة الفلسطينية عن "استراتيجيتها" إلا تأكيدٌ جديدٌ على فشلها حتى في الحفاظ على معنى ما، ولو كان بسقفٍ متدنٍّ لوجودها السياسي.

اقرأ ايضا: فصائل فلسطينية تدين التراجع الفلسطيني الرسمي عن مشروع قرار إدانة الاستيطان

المؤسفُ أن المساحة التي يدور حولها كل هذا النقاش أن القيادة الفلسطينية لم تلتزم حتى ببرنامجها الذي يراه معظم أبناء شعبنا مفرّطًا بحقوقهم، ومناقضًا للإرادة الشعبية، فيما يتعلق بممارسة المقاومة ودعمها، بل إن هذا البرنامج الذي لم تلتزم به السلطة لم يلتزم أصلًا بقرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، بحيث يمكن القول: إن السلطة باتت تدير سياساتٍ وتفاهماتٍ خاصةً بالمتنفذين والمتفردين فيها، وتغلق الباب أمام إمكانية استعادة الصلة بالإرادة الشعبية أو تحقيق الوحدة الوطنية، فعلى أي قاعدةٍ سياسيّةٍ ستحقّق الوحدة؟ وما فائدة كل أشكال الحوار الوطني حول أي برنامجٍ سياسيٍّ إذا كانت الأمور في نهاية المطاف ستؤخذ بهذه الطريقة؟

ما زال شعبنا بقواه السياسية الرئيسية وفصائله مؤمنًا بوحدته وقدرته على بناء قدرة مؤسساته الوطنية، واستعادة وحدتها في مواجهة العدو الصهيوني، لكن هذا كلّه يتطلّب دورًا للإرادة الشعبية والنضال الجماهيري لإخضاع هذه السياسة لمصلحة الشعب الفلسطيني وإرادته وقراره، بعملية ديمقراطية تنتهي لتشكيل مجلسٍ وطنيٍّ منتخب يقرر وفق ما تمليه إرادة هذا الشعب ومصالحه.

اقرأ ايضا: بثمن بخس: وعبر تفاهمات أمريكية السلطة الفلسطينية توافق على وقف تحركها في مجلس الأمن غدا

من يبصر السياسة الرسمية الفلسطينية والعربية في موقف كهذا؛ قد يظن أن شعب فلسطين في دعة وراحة؛ إذ يمكنه التسامح مع مثل هذه الممارسات، فيما واقع الحال أن شعبنا يعايش تحدّيًا وجوديًّا في مواجهة هجمةٍ صهيونيةٍ تصعيديةٍ جاريةٍ بالفعل؛ لضمّ ما تبقى من أرضٍ فلسطينيةٍ وتحطيم كلّ بنيةٍ سياسيةٍ أو نضاليةٍ معبّرةٍ عن وجوده، بما فيها هذه البنى القيادية ذاتها.

حين يخرج المجرم الصهيوني بن غفير أو نتنياهو أو غيره، من مجرمي الحرب الصهاينة؛ ليعلن تهديدات وقرارات جديدة؛ تأخذ الأرض وتقتل الفلسطينيين وتعلن كل يوم ألا مكانًا لوجودٍ سياسيٍّ أو دورٍ لهذه السلطة؛ حينها كما اليوم وفي كل يوم ينهش العدو وجودنا؛ لنتذكر جيّدًا من قرر الرهان على وعود بنغفير، بدلًا من الرهان على الفعل والصمود والمقاومة وإرادة الشعب.