السادس من آذار بات يوم وطني فلسطيني؛ مرتبط بذكرى ارتقاء الشهيد باسل الأعرج. من قرر ذلك ليس مرسومًا حكوميًا، ولكن إرادة شعبية؛ يحملها كل من عرف الشهيد في حياته أو بعد استشهاده وتلمس مسار تلك الإرادة التي تتقاطع مع العنوان، الذي خاض الشهيد كفاحه ومعركته به.
عاش الشهيد باسل الأعرج حياته، ومضى على درب استشهاده؛ حاملًا هم شعبه وقضيته، التي تمحور حولها كل شيء بالنسبة له؛ قراءته، حديثه، خياراته، وهنا لا نتحدث عن رجل مارس النضال، ولكن رجل عاش للنضال مصوبًا على هدفه الأساسي، وصول الفلسطينيين لأعلى طاقة وقدرة وتنظيم ممكن؛ للقتال في وجه العدو الصهيوني؛ مؤمنًا أن هذا مفتاح الانتصار على العدو الصهيوني.
إن لكل مناضل دوره في كفاح هذا الشعب، ولقد حمل الشهيد باسل هذا الدور والواجب إلى منتهاه، وإذ ننظر لذكراه كتكثيف لإرادة شعبية؛ فلقد كان الهدف واضحًا وهو إسقاط مشروع اخضاع الفلسطينيين الذي أطلقته قوى العدوان بعد انتفاضة الأقصى ٢٠٠٠، عمل باسل؛ لإحياء الوعي بالنضال ومردوده على حياتنا، وفضح زيف مشروع الاستسلام، واستعادة الفعل ضد العدو الصهيوني بكل أشكاله، وفي صلب ذلك كان السؤال الأساسي حول كيفية عودة الاشتباك إلى الضفة المحتلة، حيث عاش وناضل الشهيد؛ مبصرًا موقع ذلك وموقعه الشخصي في النضال الفلسطيني بأكمله.
اليوم الضفة فيها من يطلق النار على العدو الصهيوني كل ساعة، ومنذ هبة أكتوبر ٢٠١٥، التي انخرط فيها الشهيد ونظر لإدامتها وتوسيع نطاقها؛ نفذ الفلسطينيون أكثر من ١٠٠٠ عملية ضد العدو الصهيوني، وذلك الشهيد الذي حوصر منفردًا؛ ليخوض اشتباكه حتى الاستشهاد، لم يعد وحيدًا، فإلى جانب بندقيته وكتفًا بكتف؛ انضم له إبراهيم النابلسي وعدي التميمي وغيرهم وغيرهم، حيث لم يعد الاشتباك في سقيفة؛ بمخيم قدورة، ولكن في جنين ونابلس وتل أبيب و القدس ، وعلى مساحة فلسطين كاملة، وامتدت القناعة بجدوى الاشتباك والمقاومة؛ لتصل لكل بقعة يتواجد فيها الفلسطينيون داخل الوطن المحتل وخارجه.
في الذاكرة وفي واقع اليوم؛ يمثل باسل نضال الفلسطينيون، واشتباكهم المستمر، من أجل كسر قيود القمع والهيمنة الأمنية الصهيونية، وخضوع سلطة التنسيق الأمني المذل لهذه الهيمنة، وصولًا لتحقيق شروط الانتصار الحتمي.. فنحن نعيش اليوم مشارف مرحلة جديدة اسس لها باسل وأمثاله، من شهداء العمليات الفردية، وأبطال كُثر معروفون ومجهولون؛ قافلة من الشهداء والمناضلين؛ أمسكوا جمر المقاومة في زمن كان التنظير فيه للهزيمة أو للعجز عنوانًا سائدًا. لقد استعاد باسل ورفاقه أمل النصر في وعي كثير منا، وقام بما يقتضيه الواجب والشجاعة والشرف والإباء الإنساني والوطني الفلسطيني.
اليوم هناك واجبات وأدوار تنتظر كل مناضل، فما زال المستوطنون وجنود العدو في شوارعنا وعلى أرضنا، وما زال دمنا ينزف، وما زلنا بحاجة للوعي والحشد والتنظيم وشحذ إرادة القتال؛ انطلاقًا من رؤية ناظمة وأهداف واضحة.
إن باسل ورفاقه من الشهداء؛ يقاتلون معنا في كل ساحات مواجهة العدو، وما على الأحياء إلا الاختيار، بين الواجب والنضال، والمجموع، والأهل، والشعب، والهوية، والقضية، وكل هذا في كفة واحدة، وبين قبول الاستسلام والانزواء؛ بحثًا عن فتات وأوهام يُلقي بها العدو، لن تستمر ولن تفلح، ففي كل يوم هناك شهيد جديد كفيل بكسر مسارات الاستسلام وإعادة الأمل وإرادة القتال؛ فدم الشهيد وتضحيته وسيرته هي مدرسة هذا الشعب وعنوان تشكيل وعيه وبناء خياراته.