أحيت مؤسسة إنعام رعد الفكرية الذكرى 25 لوفاته بـ«ندوة آذار الفكرية»، تحت عنوان «حرب وجود لا حرب حدود»، وهو الكتاب الذي أصدره عام 1979، حول الصراع مع العدو الصهيوني. وذلك في "دار الندوة" بيروت وسط حشد سياسي وثقافي.
وافتتح الندوة وقدمها د. عادل بشارة، والتي حضرها متابعو الشان الفكري والسياسي والاستراتيجي، حيث أكد على أهمية المفكر إنعام رعد في قراءة الأحداث القومية والدولية، وتقديم رؤى وخطط لها، وأخذ منه المشروع الصهيوني المتابعة الدائمة، وطرق مقاومته وسبل هزيمته.
وتحدث عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال في الجلسة الأولى، حيث استعرض فكر و مكانة انعام رعد من وحي تجربته وكتابه "حرب وجود لا حرب حدود".
وقال عبد العال: "نعود اليوم إلى الأمين انعام رعد مشفوعة بأسباب ثلاث: السبب الاول: تسليط الضوء على نموذج خاص يوقظ الذاكرةَ لمفكّرٍ قومي لا يكتبُ عن السياسة بل يكتب السياسة، لأنه في قلب الصراع وليس خارجه.السبب الثاني: راهنيّة المفكر هذا المفكر القومي الاجتماعي الرؤيوي انعام رعد وتحليله السياسي الاستشرافي، كأنما كتب لا لنقرأه بالأمس فقط بل لنقرأه اليوم أيضا، والسبب الثالث: المفكر الذي شغلته فلسطين بوصفها النفي الكلي للفكرة الصهيونية.
وأكد على أن نضاله كان ترجمة مبدعة خلاقة لمقولة الزعيم سعادة "نحن نريد تحرير فلسطين لأنها جزء منا"، مشيراً إلى أن كتابه المرجعي "حرب الوجود لا حرب حدود" الذي يبين للقارئ خصوصية وطبيعة وحقيقة بوصفه صراع وجود ويقوم منذ نشأته على قاعدة النفي والنفي المضاد.
وتابع عبد العال في استعراضه: "وبالاستناد الى فكر وممارسة الصهيونية، فنحن امام نموذج فريد في التاريخ، حيث يتوقف وجود ذات معينة على نفي الآخر، وأن الوجود يكتمل بأكتمال نفي الآخر، لذلك ساتحدث بثلاث نقاط: تحيط بالموضوع فلسطين في حرب الوجود، كمقاومة بلا حدود .. بالعناوين : خطر وجودي، ٢- والقلق الوجودي, ومعادلة حرب الوجود.
وأضاف: "أن نعرف من هو العدو، من اولويات السياسية ، لكن ان نقرأ ماهيّة هذا العدو، هذه من ضرورات الفكر السياسي . ومسألة لها اولويتها في معركة المصير القومي، كما يسميها انعام رعد، اي ان العدو كيان متحوّل وكائن غير ثابت ، وانطلاقا من التحولات الجارية وللتفريق بين تسخيف العدو، وتعظيم العدو واسطرته، وانه القوة التي تقهر، والاستهانة بالذات بقوة الامة، لذلك انتقد انعام رعد بجرأة ثورية للإدارة السياسة للصراع، منذ ان بدأ التكوين النفسي للتسوية والذي غذته نكسة حزيران عام 1967، وما تلاها من محاولات الانطمة لخلق بدائل اخرى لمبدأ تحرير فلسطين، هذا النظام الذي لم يتعاطى مع العدو كخطر وجودي. فوقع في فخ فجرى تحويل الصراع وتحريفه وتزييفه وتحويل العدو الى شريك وفق نصوص اتفاقات التسوية المبرمة من كامب ديفيد الى أوسلو ووادي عربية وملحقاتها كافة وترجماتها العملية".
كما تحدث عبد العال عن القلق الوجودي الذي يتفاقم اليوم مع ما سمي بـ "انهيار بوتقة الصهر،" حيث يشهد الكيان تحديات تآكل الثقة بالمؤسسات القضائية والعسكرية والخدماتية والاقتصادية وانفصال حقيقي بين المجتمع والدولة يعني البقرة المقدسة لم تعد كذلك، و لا يوجد دستور للدولة حيثُ أنها منذُ البداية قامت على عدم الاتفاقّ ثلاثة أمور أساسيّة إضافة للاختلاف على معانيها وتطبيقاتها وهي: القوميّة اليهوديّة، والدين اليهوديّ، والأرض اليهوديّة، مؤكداً على أن أيّ حسم دستوريّ في إحداها قد يهدم الصهيونيّة بأكملها، بالإضافةِ إلى تهديد بحرب ثقافيّة ودينيّة بينَ يهود متديّنين والحريديم من جهةٍ، ويهود علمانيين وليبراليين من جهةٍ أخرى.
وأشار عبد العال: "ندرك ان المسألة ليست بحدود اختلاف احزاب في الكيان بل ازمة بنيوية طال المشروع الصهيوني، ولعل أبرز هذه الاشكاليات، تَتمثّل في أزمة الهوية المتفاقمة في "اسرائيل" في ضوء التعريف المريب لليهودية بوصفها دين وقومية في ذات الوقت، وافتراض التطابق بين الأمة والدين، الأمر الذي انطوى على إخفاق في تجسيد واثبات "القومية اليهودية"، واتضاح خرافة الأصل والعرق الواحد، حيث انهار ما يُعرف ببوتقة الصهر لصالح التعددية الثقافية، وكذلك في ضوء الاخفاق في تعريف من هو اليهودي. حرب الهويات وما يسمى باسرائيل الثانية.
ووصف عبد العال زيادة منسوب القلق الوجودي، انه "ناتج عن صمود الوجود الفلسطيني، ومقاومته الشرسة، والذي ظل عصيا على التصفية والترويض رغم الهجوم الهائل من الخداع والتسويات والوعود والتطبيع والاتفاقيات بل فشلها في ابادته، لا ننسى فقد تساوى عدد الفلسطينين وعدد اليهود على مساحة فلسطين التاريخية، كما في تجارب استعمارية مماثلة. وثانيا لم تعد ااسرائيل القوة الوحيدة في المنطقة، بكل قواها لمنع أية دولة من امتلاك أيةِ قوة عسكرية، وانحسار للاستعمار القديم وبداية انحسار القوة الأمريكية".
وأكد عبد العال على ما كتبه انعام رعد، «ان كل اسقاط لمقولة الكفاح المسلح في معادلة حرب التحرير هو اسقاط لكل المعادلة» حيث انه بشكل مبكر كان يؤمن بمجابهة الصهيونية العنصرية بفلسفة شاملة وعقائدية.
وعن فلسطين في حرب الوحود، وصفها انها مقاومة بلا حدود، واستهلها بعبارة انه "لا ثورة بدون جيل جديد"، جملة انعام رعد، وصف ان الثورية الاقصى في الامة" تعني ثورية شعب فلسطين البطل الذي ما انفك منذ 1922".
وقال عبد العال إن من يقاوم اليوم هو الجيل الفلسطيني العاشر الذي لا يخشى الموت، جيل يحمل السلاح ضد عدو متفوق، مستدركاً: "ولكن ثورته لم تتعقدن في حركة ثورية منظمة، متسائلاًُ: "لو ان الشعب الفلسطيني كان مسلحاً ومنظماً عام 1967 في الضفة الغربية، هل كان العدو اجتاح الضفة بهذه السهولة"، اذن المقاومة هي الاصل والفصل وخطة الحسم الفلسطينية المطلوبة.
وشدد على ضرورة العلم أن العدو يقاتل حتى اخر نفس وان هناك اجماعا صهيونيا على حسم الصراع، واجماعا على ان المستوطنات الكبرى تضم لاسرائيل ولن يتم التنازل عنا ابداً. والامارات العشر في مناطق "أ وب" وتدار من السلطة مع جيوب متفرقة، وأن هناك مشروعا لادارة مدنية جديدة، انتقلت من الادارة العسكرية 1967 الى ادارة مدنية 1981 عقب اتفاقات كامب ديفيد، لكن الان يريدون ادارة جديدة تصبح فيها الوزارت الفلسطينية عبارة عن سلطة تنفيذية تتبع للوزارات الاسرائيلية، والوكالة الامنية: بالتنسيق كضرورة انتقالية، الحرس الوطني وتشريع المليشيا.
وفي المحصلة، قال عبد العال إن "خطة حسم الصراع الفلسطينية، بعد فشل تركيبة ثنائية السلطة والمقاومة.. المقاومة عابرة داخل وخارج الفصيل و السلطة نفسها، علماً ان المقاومة الارتجالية استمرارها يساوي كلفة عالية. وكذلك حمايتها من استثمار المقاومة مبكراً في قضايا سلطوية وفئوية امر قاتل. احتضانها ممكن بتطوير الحماية الشعبية، لكن بتشكيل جبهات وادخالها في معادلات داخلية او خارجية سيكون ذلك مؤذياً، الصراع تحرري وتناحري وجودي وليس صراعاً دينياً ولو اراده التلموديين".
وأضاف: "هذا جيل لم يقرأ كلاوزفيتز ولا حتى تشي جيفارا ولا ليدل هارت ولم يسمع باندرية جيد وفوكوياما ولا نيتشه, لكن يحفظ اسماء جنرالات العم سام مثل دايتون وفينزل، لكنه تعلّم ان يكره الاحتلال، وان الاوطان لا تتحرر إلا بسواعد الثوار .. لقد ادرك الفدائي الجديد ان العدوان لا توقفه القمم في العقبة وشرم الشيخ ، ولا الاتفاقيات المبرمة السرية والعلنية ولا الوعود الكاذبة ، والاوطان لا تتحرر بمزيد من المفاوضات بل بمزيد من المقاومة وبسواعد الابطال ولا بالانصياع للضغوط الأميركية والإسرائيلية التي تريد تحويل التناقض الرئيسي ضدها الى صراعات داخلية فلسطينية ، وبدل الوحدة الميدانية للمقاومة الى حروب داخلية".
وختم عبد العال بالقول: انه جيل صراع الوجود، يقاتل من احتل وطنه، واعتقل شقيقة وقتل رفيقه وهدم بيت جاره واقتلع زيتونة امه ومنع ابن عمه من السفر للدراسة وصادر بئر الماء الذي يشرب منه، لذلك هو قطعة من هذه الارض، لم ولن تكن يوما ارض الميعاد. لذلك بنى فيها كتائب المقاومة منذ سعيد العاص الى عرين الاسود. ومؤمناً انه ان كانت فلسطين حرة فالامة حرة، والمعركة ضدّ الصهيونية وكيانها المزعوم "إسرائيل" بنسختها الجديدة هي معركة وطنية قومية واممية، و الصراع تناحري بين مشروع التحرّر والتحرير وبين الصهيونية والإمبريالية، واذنابها، ونتذكر في اكثر من مناسبة ومنبر خطابة وعندما يكون المتحدث بعد الرفيق انعام الرفيق جورج حبش كان يستهل كلمته بـ: لقد اعفاني الرفيق انعام رعد من الكثير مما كنت اود قوله.
من جانبه أشار النائب محمد خواجه، إلى التحديات التي يواجهها الكيان الصهيوني المزعوم، وأبرزها التفكك في المجتمع.
أما العميد المتقاعد وليد زيتوني، فقد لفت إلى أن إنعام رعد لم يساو بين الفكر والسياسة، لكنه أبدع في الاثنين معاً. ، الأمر الذي أكد عيه أيضاً زهير فياض الذى قال : ان أهمية إنعام رعد تتجسد في ترسيخه نهج المفاعلة بين العقيدة وبين الحدث وهذا ما أسس لمنهج علمي تحليلي رؤيوي للأحداث والتطورات.
وفي الجلسة الثانية ، تحدث الدكتور عبدالحليم فضل الله رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، من خلال قراءة راهنة من منظور استراتيجية للمقاومة في حرب وجود لا حرب حدود، فشدد على أهمية القوة كعامل استراتيجي ليس في ردع العدو؛ بل منعه في التوسع والاستيطان وإسقاط مشروعه في قيام دولته المزعومة «إسرائيل الكبرى».
اما الدكتورة هدى رزق، وفي كلمتها التي كانت بعنوان "حرب الوجود بوجه التطبيع"، فأكدت على أن الحرب مع الكيان الإسرائيلي لم تكن يوماً حرب حدود، لأن الصهيونية نشأت على مشروع التوسعية والاستعمارية، ولم تستقر في دولة وإن احتلت فلسطين.
وكانت كلمة د. عبدالملك سكرية الذي أشار إلى أن التطبيع من أخطر مشاريع التصفية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية سواء عبر التطبيع السياسي، والاقتصادي، لكن يبقى الأخطر هو التطبيع الثقافي والإعلامي والتربوي، وهو إلغاء للذاكرة، وتزييف للوعي وإخضاع العقل العربي وصهينته.
واختُتمت الندوة بالدكتور أسامة سمعان الذي أشار إلى هاجس إنعام رعد الفكري في مسألة الصراع مع العدو الصهيوني، وهو كان داعية بإلحاح إلى قيام جبهة مقاومة ، انطلاقاً من التجربة الفييتنامية.