Menu

هلوسات صهيونية في عيد الأم وذكرى معركة الكرامة

حاتم استانبولي

٢١ آذار يجمع مناسبتين، إحداها تحمل معاني الأمومة الطبيعية والإنسانية، تعبر عن العطاء والجمال والوفاء. والثانية بمناسبة معركة الكرامة التي ارتبط اسمها بالمكان، هذه المعركة التي كانت شكلت فاصلًا تاريخيًا حوَلَّ الهزيمة إلى انتصار، حيث واجه فيها الفدائي الفلسطيني والجندي الأردني، عدوانية جيش الاحتلال الإحلالي الصهيوني الإسرائيلي، وبالرغم من عدم تكافؤ القوى، إلا أنها، شكلت انتصارًا مشتركًا للثنائي الفدائي والجندي وأعطى درسًا متعدد المعاني.

هذا التلاحم لو تم البناء عليه وتضافرت الجهود الوطنية المشتركة لما سمعنا اليوم هلوسات وزير المالية الصهيوني، التي يحاول فيها تزوير التاريخ الفلسطيني، عبر الادعاء بأن لا وجود للشعب الفلسطيني ورفع خريطة فلسطين ما قبل اتفاقية سايكس بيكو يدعي أنها أرض إسرائيل.

تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموترتيش في باريس، خلال مشاركته بأُمسية أقيمت يوم الأحد الماضي، تكريمًا لجاك كوبفر الرئيس السابق لحزب الليكود في فرنسا التي ادعى فيها أنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، هذا التصريح جاء بعد شهر تقريبًا على تحريضه عندما دعا إلى محو بلدة حوارة الفلسطينية بقضاء نابلس.

تصريحات هذا الوزير المالي، إذا ما أضفنا لها تصريحات بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي، حول إبادة القرى والبلدات الفلسطينية، عبر إعطاء أوامر واضحة للجيش والمستوطنين بقتل الفلسطينيين، يعيد لنا الذاكرة التاريخية لدور المجموعات الإرهابية الصهيونية، أبرزها (هاجانا وشتيرن)، التي تأسست تحت رعاية الانتداب البريطاني الذي سهل تدريبها وتسليحها لارتكاب الجرائم لتهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم. فإسرائيل تعود إلى جذورها الفكرية وصراعها بين تياراتها الصهيونية الدينية والعلمانية، التي أسست الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل السويسرية عام ١٨٩٧، بناء على دعوة تيودور هرتزل. هذا الصراع الذي دار خلال ستة مؤتمرات للحركة الصهيونية بين القبائل اليهودية الدينية المتطرفة، التي حضرت من روسيا، وبالأخص من أوكرانيا وروسيا البيضاء وبولندا وبين القبائل المنتشرة في الغرب الأوروبي. وبعد صراع امتد لسنوات حول اختيار الوطن القومي، لتجميع اليهود بين دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وفلسطين، هذا الصراع الذي هدد وحدة الحركة الصهيونية، اضطر فيها التيار الرأسمالي اليهودي العلماني للتنازل لصالح التيار الرأسمالي اليهودي الديني، وحول التعارض إلى اتفاق، حيث أدرك العلمانيون أن استخدام الفكرة الدينية لصالح حركة رأس المال اليهودي الصهيوني، سيعطي دفعة قوية للفقراء اليهود المنتشرين في دول العالم للحضور إلى أرض الميعاد الصهيوني وتتحقق الفكرة الرأسمالية الصهيونية، التي كانت تبحث عن إطار قانوني لتحمي نفسها وحركة رأس مالها خارج المعايير القومية الأوروبية، التي كانت تتشكل وتضع معايير واضحة لِنظام مالي عالمي جديد، من الممكن أن يشكل خطرًا على حركة وتدفقات الرأسمال اليهودي الصهيوني.. هذا الكيان الذي سيلعب دورًا في حماية الرأسمال اليهودي ويخضع الصهاينة خارج الطائفة اليهودية وقبائلها، لخدمة المصالح الصهيونية اليهودية بتياراته.

فالفكرة الصهيونية التي أدانتها الأمم المتحدة بقرارها رقم ٣٣٧٩ في نوفمبر ١٩٧٥، واعتبرتها فكرة عنصرية على الدول العمل على محاربتها، باعتبارها خطرًا على السلم الدولي، وبالرغم من إلغاء هذا القرار بعد التغير في ميزان القوى العالمي، لكن مبرراته ما زالت قائمة، حيث أتت تصريحات وزير المالية الاسرائيلي ودعوات وزير الأمن الاسرائيلي لتؤكد العنصرية تؤكد صحة القرار الأممي. إن عنصرية وإرهابية الفكرة الصهيونية القائمة على ادعاءات دينية رجعية، تريد أن تحقق وعدًا إلهيًا، ليس موجودًا إلا في عقول المهلوسين الدينيين، يتناقض تحقيقه مع الأسس والقوانين الحضارية الإنسانية، هذا الفكر الذي يتقاطع مع فكر داعش وأخواتها، الفكر الذي يحمل ذات الجوهر العنصري الإرهابي. وهنا فإن اتفاقيات ابراهام وما تحمله من جوهر ديني رجعي هي التي شجعت وأعطت مبررات أخلاقية دينية لِسلوك المتطرفين الدينيين الصهيونيين. إن الاتفاقيات القائمة على أساس ديني يعتبرها المتطرفون الصهاينة انتصارًا لِفكرتهم، التي تعتبر أن كل ما جاء بعدها من أديان وأفكار، يجب أن يخضعوا لِمعاييرها الدينية، كونهم هم المختارون المفضلون عند الله.

الهلوسات العنصرية لوزير المالية ووزير الأمن الاسرائيلي تعبر عن جوهر البناء الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي الصهيوني، الذي يعتبر أنهم هم الأسياد وهم أصل البشرية، وأن الله أعطاهم حق في كل ممارساتهم العدوانية، وأن لا أحد على وجه الأرض يحق له محاسبتهم، فهم ينفذون إرادة إلهية في مكان اختاره لهم ربهم.

إن وضوح إجرامية وعنصرية التصريحات، دعت داعمين الصهاينة للخجل من هذه التصريحات في مرحلة دقيقة وحساسة، فإدانتهم لها ليس من موقع رفض جوهرها، بل لأنها لا تخدم أجواء التهدئة التي توصلوا لها في لقاءات العقبة وشرم الشيخ من جهة، ومن جهة أخرى، تقوض وتشتت جهودهم لبناء منظومة أخلاقية تدين العدوان الروسي على أوكرانيا، خاصة وأن السلوك الصهيوني في فلسطين، يوضح بشكل فاضح ازدواجية المعايير لأكثرية القادة الغربيين الذين يضخون الأموال والسلاح ويوظفون إعلامهم لمهاجمة (عدوانية) روسيا ويعطون الحق للأوكرانيين لمجابهة الاحتلال الروسي، في ذات الوقت، يتغاضون عن التصريحات المعلنة لحكومة إسرائيل التي تشرع وتمارس القتل والاغتيال الميداني والاعتقال وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وينكرون ويُجَرِمون دفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه، وصولًا للرد على دعوات الإدانة العربية والدولية، بقرار الكنيست الإسرائيلي بفك الارتباط، الذي دق آخر مسمار في نعش اتفاقيات أوسلو وأسقط الجوهر الأخلاقي لاتفاقيات إبراهام وموقعيها.

إن الغضب الرسمي الأردني على هلوسات وزير المالية الإسرائيلي، يجب أن يترجم بخطوات سياسية ميدانية، تعيد تموضع السياسة الرسمية الأردنية، بما يتوافق مع المصالح الوطنية المشتركة، فالحج إلى لندن لمناقشة التصريحات الإسرائيلية، لن تفيد، كون لندن هي من أعطت الضوء الأخضر لتأسيس هذا الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. فعلى القيادة السياسية الأردنية المقررة، أن تدرك أن تصريحات وزير المالية الصهيوني ليست تصريحات عبثية، وإنما تعبر عن جوهر الفكرة الصهيونية، التي لا تعترف بحدود لدولتها أو مملكتها الصهيونية، التي لا توجد إلا في هلوَساتِهم الدينية. هذه الفئة التي عبرت عن هذه الأفكار، تمتلك قوى مادية مالية وعسكرية واقتصادية، تعمل بكل الوسائل من أجل تحقيقها.

فالتطمينات التي اسمعها مسؤول الأمن القومي الإسرائيلي لوزير الخارجية الأردني هي عبارات إنشائية، لتهدئة الخواطر، لكن جوهر الفكرة الصهيونية، تمارس بشكل يومي بأشكال وتعابير مختلفة، تستخدم فيها أدوات وآليات سياسية واستخباراتية، لِتقويض الدول المحيطة بالكيان الصهيوني، لتحقيق جوهر فكرتهم التي أعلن عنها صراحة وزير مالية الحكومة الإسرائيلية.

إن الحد الأدنى للموقف الأردني، يجب أن يكون بتغيير اللهجة السياسية، من خلال العمل المشترك مع منظمة التحرير الفلسطينية، من أجل تنفيذ قرار التقسيم رقم ١٨١،

وهذا يتطلب موقفًا من السلطة الفلسطينية بإنهاء العمل من طرف واحد باتفاقية أوسلو وتوابعها الأمنية، باعتبار قرار الكنيست الإسرائيلي بفك الارتباط، هو نهاية معلنة من العدو الإسرائيلي لاتفاقية أوسلو.

من المعروف، أن لندن وواشنطن آخر همومهم المصلحة الأردنية الفلسطينية، فهم يعملون فقط بِناظِم حماية إسرائيل ومعيار العلاقة مع النظم المحلية والإقليمية هي مدى تطبيعها مع إسرائيل، ودعوات الإدانة الغربية ليست منطلقة من الحرص على الأردن أو فلسطين، بل هي منطلقة من ضرورة حماية إسرائيل من نفسها وتهورها وتحقيق تفوقها وأفضليتها على شعوب ودول المنطقة، ليس باستفزاز مشاعرها، وإنما بترويضها عبر تعميم اتفاقات (هلوسات) ابراهام لتحقيق الهلوسات الصهيونية.

إن التموضع الأردني والفلسطيني، يجب أن يُبنى على أساس الدروس المستخلصة، من معركة الكرامة التي حول فيها الفدائي والجندي الهزيمة إلى انتصار، هذا الدرس البليغ الذي سيحمي المصالح التاريخية المشتركة للفدائي الفلسطيني والجندي الأردني.