Menu

رحيل فارس أصيل ورجل شجاع ومناضل صلب

طارق أبو بسام

نهاية الأسبوع الفائت رحل الرفيق والصديق العزيز أبو الرائد فايز مصطفى. خبر مؤلم وموجع، وعند سماعه عادت بي الذاكرة إلى الزمن الأول، الزمن الجميل الذي جمعتنا فيه عائلتنا الكبيرة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، حيث جمعتنا أهداف واحدة وطريق واحد يسير باتجاه واحد هو: فلسطين.

رحل الرفيق والفارس، رحل صاحب الموقف الجريء والكلمة الشجاعة، رحل صاحب المبادئ الذي رفض المساومة عليها، رحل الرفيق المخلص لقضيته ووطنه، رحل أبو الرائد صاحب الابتسامة الجميلة التي لم تفارقه في أحلك الظروف، رحل صاحب الضحكات والنكات، رحل من كان يضفي على الجلسات جو من المرح الدائم في أصعب الأوقات، رحل من أحب الحياة بقوة وحاول أن يجعلها حلوة عذبة، رحل من عشق فلسطين حتى نخاع العظم وبقيت بوصلته تؤشر إلى فلسطين رغم انحراف بوصلة الكثيرين، رحل من آمن أن فلسطين لن تحررها الكلمات والبيانات وإنما العمل، رحل من آمن أن الطريق إلى فلسطين هو الكفاح المسلح، رحل القائد الفقير الكادح الملتصق بأبناء شعبه ورفاقه طوال مسيرته، رحل من تخلى عن المواقع القيادية عندما كان عضوًا في المكتب السياسي للجبهة.. رحل من كان يدرك أن الموقف أهم من الموقع وغادر الهيئات القيادية طوعًا تاركًا المجال للجيل الجديد كي يأخذ دوره، رحل الرجل والقائد المتواضع الذي قدم نموذجًا يحتذى عندما كان مسؤولًا عن لجنة العمل النقابي والجماهيري في الجبهة، وكم كان هذا الموقع يليق به وهو يليق بالموقع.

تعرفت على الرفيق أبو الرائد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، رافقته في رحلات مشتركة في مهرجان الشباب العالمي في كوبا عام ١٩٧٨، وكان معنا في ذاك الوقت الرفيق الراحل تيسير قبعة نائبًا لرئيس الوفد الفلسطيني، وعدد آخر من الرفاق والرفيقات منهن مريم أبو دقة وسميرة صلاح، شاركونا فعاليات المهرجان وكانت من أجمل الأيام في حياتي. كما ذهبنا سويا للإشراف على مؤتمر المنظمة الحزبية في الاتحاد السوفييتي، وكان معنا الرفيق الراحل أبو غسان العجرمي، وكانت جولة حزبية شاملة تم فيها الوقوف أمام الكثير من القضايا.

ومن خلال تجربتي ومعرفتي للرفيق أبو الرائد عن قرب في ذاك الزمن، أقول: أنني اعتز وافتخر به وهو الكادح الحقيقي الذي جاء من وسط الجماهير وتبوأ أعلى المناصب القيادية في الجبهة بفضل جهوده وليس منة من أحد. لقد كان الرفيق أبو الرائد على خلق عظيم وترك أثرًا ايجابيًا في كل من عرفه أو التقاه حتى ولو لوقت قصير.

لم يكن مرتاحًا للوضع السياسي في مرحلة من المراحل وكان يدرك بوعيه وحسه الكفاحي أن هناك من يبيع الوطن ولم يعد يحتمل البقاء، بعد أن قدم الكثير وغادر إلى الدانمارك، مُجددًا مسيرة اللجوء التي عاشها بعد النكبة، لكنه لم يغادر النضال وبقيَّ ملتصقًا بقضيته، يعمل لصالحها ما استطاع إليه سبيلا.

رحل أبو الرائد بعد عدم قدرته على فراق الرفاق الأوائل الحكيم وأبوعلي مصطفى وأبو ماهر اليماني وأبو نضال مسلمي وصابر محي الدين وتيسير قبعة وعزمي الخواجا وعمر قطيش وأبو أمل الخطيب وشحادة غنام وأبو أحمد الزعتر، وغيرهم من الرفاق الذين عمل معهم، رحل كي يلتقي بهم حاملًا لهم رسالة تقول: الزمن لم يعد زمانكم والثورة لم تعد كما عرفتموها، الثورة تحولت إلى ثروة، والقيادة أصبحت مشروعًا تجاريًا، ولم تعد مشروعًا وطنيًا، والأرض يتم بيعها، والخيانة أصبحت وجهة نظر.

لكن رغم ذلك ورغم الصعوبات، شعبنا يواصل مسيرته بعزم وإصرار ولن يتراجع حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني... نعم ذهب كي يلتقي معهم ويطمئنهم أن هناك جيلًا جديدًا، يواصل الدرب متمسكًا بالكفاح المسلح وهو أكثر عزمًا وإصرارًا على تحقيق أهداف الشعب في الحرية والاستقلال.

نعم وأنت تغادرنا رفيقنا الحبيب بلغ تحياتنا للرفاق وقل لهم: الرجال والشباب والأطفال يقاومون.. النساء تقاوم.. الأسري يقاومون.. جنين تنتفض ونابلس والخليل وأريحا و القدس صاعق التفجير وهي تعد العدة للمواجهة القادمة.. الشعب يقاوم رغم محاولات بعث اليأس في نفوسه وإثارة الإحباط..

ونحن نودعك رفيقنا الحبيب نقول لك لن ننساك... لن ننساك.. سوف تبقى حيًا معنا في ذاكرتنا وذاكرة رفاقك وأبناء شعبك.. أبناء المخيمات الذين عشت معهم ورفاق دربك في رحلة اللجوء للمرة الثانية في أوروبا.

نم قرير العين بعد أن أديت واجبك.. ستبقى معنا وكما التقينا على طريق النضال لا بد أن نلتقي دومًا.