يصادف اليوم ٢١/٣/٢٠٢٣ الذكرى ال ٤٧ ليوم الأرض الخالد، يوم الانتفاضة الشعبية العظيمة، الذي اشتعلت فيه الأرض تحت أقدام المحتلين، وانطلقت شرارتها من عرابة وسخنين وكفر كنا في منطقة الجليل وعمت كافة مدن وقرى فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨، واتسعت لتشمل الضفة الغربية و القدس وقطاع غزة.
في هذا اليوم اتوجه بالتحية، كل التحية لصانعي يوم الأرض، المتمسكين بالأرض المدافعين عنها، تحية لهم في عرابة وسخنين وكفر حنا وحيفا ويافا وعكا وأم الفحم والناصرة والطيبة في الجليل والنقب وفي كل قرية ومدينة في فلسطين.
تحية لهم وهم من تصدى لقوات ودبابات الاحتلال بأجسادهم وإرادتهم، وأعلنوا أن مخططات العدو بمصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات عليها في إطار عملية تهويد منطقة الجليل لن تمر.
التحية لشهداء وجرحي يوم الأرض اللذين سالت دماءهم وامتزجت مع تراب الوطن كي تزرع أملًا وتنبت مقاومة.
تحية لكل من ساهم بدوره في هذه الانتفاضة التي أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، كونها قضية تحرر وطني ودعت لرحيل المحتل، عندما أكدت أن الأرض أرضنا والسماء سماءنا والبحر بحرنا والهواء هواءنا والشجر والحجر كلها لنا لن نتنازل عن ذرة تراب منها.
وفي هذا اليوم لا بد أن نتوجه بتحية الاعتزاز والتقدير لجماهير شعبنا المنتفضة في القدس والضفة الغربية والصامدين في غزة ولكل المقاومين.
وأنا أكتب عن يوم الأرض لا بد من التوقف أمام الأسباب التي أدت الى ذلك. لقد اندلعت هذه الانتفاضة بعد ان اتخذت سلطات الاحتلال قرارًا بمصادرة آلاف الدونمات من أراضي منطقة الجليل في عرابة وسخنين وكفر كنا وغيرها، حيث رفضت جماهير شعبنا هذا القرار وتصدت له بكل قوة ودعت إلى اضراب شامل بتاريخ ٣٠/٣/٢٠٢٣،
حيث انطلقت المسيرات وبدأت الاعتصامات وعمت المظاهرات في كافة مناطق الجليل والمثلث وباقي المدن والقرى الفلسطينية في الداخل واتسعت لتشمل الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة في ظاهرة لم يشهد الاحتلال لها مثيلًا منذ عام ١٩٤٨ معلنة وحدة الشعب ومكرسة وحدة الأرض.
كان يومًا حاسمًا حصلت فيه مواجهات كبيرة وعاصفة بين ابناء الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال، ارتقى على أثرها ستة شهداء ووقعت أعداد كبيرة من الجرحى وهم يتصدون لدبابات الاحتلال وأدوات قمعه والشهداء هم:
١_ الشهيد خير احمد ياسين من عرابة
٢_ الشهيدة خديجة قاسم من سخنين
٣_ الشهيد محسن طه من كفر كنا
٤_ الشهيد رجا ابو ريا من سخنين
٥_ الشهيد خضر خلايلة من سخنين
٦_ الشهيد رأفت علي زهدي من مخيم نور شمس استشهد في الطيبة.
بعد هذا العرض لا بد من التوقف أمام الأهداف من إحياء هذه الذكرى، نلخصها بما يلي.
أولًا: توجيه رسالة واضحة للعدو ولكل العالم، تؤكد أن الشهداء وجيل الشباب الجديد الذين ولدوا في فلسطين في ظل الاحتلال أو كانوا صغاراً لن يتخلوا عن أرض فلسطين وسيظل متمسكًا بها ولن يتنازل عنها.
ثانيًا: مهما حاول العدو لن يستطيع اقتلاع الشعب من أرضه ووقف مقاومته.
ثالثًا: التأكيد على مواصلة الكفاح، ضد الاحتلال جيلًا بعد جيل وأن المقاومة هي طريق التحرير والنصر.
رابعًا: أكدت أن الحق الفلسطيني ثابتاً، لن يسقط بالتقادم.
أما الدروس المستخلصة من يوم الأرض كبيرة وعظيمة، يمكن ايجازها بما يلي:
الأول: التأكيد أن فلسطين واحدة موحدة شعبًا وأرضًا لا تقبل التقسيم والتجزئة.
الثاني: التأكيد أن القضية الفلسطينية هي قضية استعمار استيطاني وطرد شعب من أراضيه ولا عدالة أو مساواة ولا استقرار في المنطقة، دون عودته إلى أرضه وإزالة الاحتلال وهزيمة دولته والقضاء عليها.
الثالث: فشل المراهنات الصهيونية على عامل الزمن لكي تكرس الاحتلال، استنادًا إلى أقوالهم: أن الكبار يموتون والصغار ينسون. وهذا ما لم يحصل ولن يحصل لا اليوم ولا في الغد، كون الأجيال الشابة الجديدة أكثر تمسكًا بأرض فلسطين كل فلسطين، وهذا ما يمثله الشباب المقاوم اليوم في عرين الأسود وكتائب جنين و أريحا وحوارة وفي القدس وفي كافة المناطق من خلال العمليات البطولية التي قاموا بها.
الرابع: أثبتت هذه الانتفاضة حقيقة دولة (إسرائيل) كونها نظام استعماري استيطاني عنصري فاشي، يقوم على مصادرة الأراضي واقتلاع السكان الأصليين وأصحاب الأرض من بيوتهم وتهجيرهم وحرمانهم منها.
الخامس: أثبتت أن المقاومة بأشكالها المختلفة هي الطريق كي تنتزع الحقوق، حيث نجحت الانتفاضة في إجبار العدو التراجع عن قراراته.
السادس: أكدت أن شعبنا الفلسطيني في مناطق ال ٤٨ جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وليسوا عرب إسرائيل أو جزء منها، كما يحاول البعض أن يصور ذلك.
السابع: أكدت أن المقاومة والتصدي للاحتلال هي الطريق لتوحيد الشعب خلف الانتفاضة والمقاومة، وأن التسوية والرهان على الحلول الأمريكية لن يؤدي نفعًا ويقود إلى الانقسام.
ما أحوجنا اليوم في هذه الظروف الصعبة الاستفادة من هذه الدروس واستلهامها.
نعم لقد كان يوم الأرض يومًا فاصلًا في تاريخ وحياة الشعب عمومًا وفي الداخل خصوصاً.
لقد استحق يوم الأرض هذه التسمية عن جدارة، كونه تعمد بالدم وفتح طريق المستقبل وتمسك بالأرض، كما أكد أن إرادة شعبنا وعزيمته أقوى من محاولات كسره وتطويعه.
صحيح أن يوم الأرض لم يحرر قرية أو مدينة أو شبرًا من فلسطين، لكنه حرر الوعي الفلسطيني وهذا أهم ما في حياة الشعوب حتى لا يقع وعيها في الأسر وينام حسها الوطني.
يوم الأرض هو يوم إعادة الاعتبار للرواية الفلسطينية والتمسك بها في مواجهة رواية العدو... هو دعوة للتخلص من قيود الاحتلال واليأس وعودة لإحياء الأمل... هو يوم الشجاعة الفلسطينية... هو اليوم الذي انتصرت فيه الكف الفلسطينية على مخرز الاحتلال، وانتصرت الإرادة والعزيمة الفلسطينية على الدبابات والطائرات (الإسرائيلية) والجنود المدججين بالسلاح... وهو يوم العرس الفلسطيني وزفة العرسان الشهداء والشهيدات العاشقين الأرض.. السائرين نحو تحريرها.
إن إحياء يوم الأرض هو إحياء لذكرى كل المقاومين والشهداء وإعلان وفاء وعهد مع الشعب الفلسطيني... وللأرض كل الأرض على مواصلة طريق التحرير.