Menu

رحيل قائد مقاوم.. لم يساوم.. قائد الميدان الشيخ خضر عدنان

طارق أبو بسام

فجعت صباح يوم الثاني من أيار، كما فجع ابناء الشعب الفلسطيني، بل كل أحرار العالم، بالخبر المؤلم الحزين، الذي تناقلته وكالات الأنباء ومحطات التلفزة، عن رحيل القائد الشعبي، فارس الميدان الشيخ خضر عدنان، هذا القائد الذي أحب شعبه وبادله الشعب المحبة بمثلها.

كان الشيخ خضر عدنان حاضرا بنضالاته ومواقفه في كل الساحات والميادين، لم يترك مناسبة إلا وكان شريكا فيها، ولم يترك فرحا او حزنا إلا وكان في مقدمة الحاضرين، لم يترك مظاهرة أو اعتصاما أو وقفة احتجاجية إلا وكان في طليعتها.

كان صاحب موقف ونهج تعبوي، تحريضي ضد الاحتلال، لم يكن يهدأ وكان في حركة فعل مقاوم دائمة وكان محرضا جماهيريا من طراز رفيع وقريبا من الجميع كما أحبه الجميع.

خضر عدنان، مسيرة كفاحية معمدة بالنضال لا تنتهي.

خضر عدنان، عزم فولاذي لا يلين، وصبر لا حدود له.

خضر عدنان، حضور دائم متجدد وسط الناس وبينهم.

خضر عدنان، اكتسب عن جدارة لقب قائد الميدان.

خضر عدنان، قائد مقاوم، اختار وعن قناعة حياة العمل ولم يألف حياة المكاتب كما غيره ممن يسمون قادة.

خضر عدنان، واحد من أبناء الشعب الفلسطيني وقادته... قاوم الاحتلال الإسرائيلي بكل ما يملك، لا يستطيع أي كان أن يتحدث عن المقاومة والسجون والإضراب عن الطعام إلا وكان لخضر عدنان النصيب الأكبر من الحديث، وهو رمز بارز من رموز الحركة الأسيرة وأحد أهم عناوينها.

خضر عدنان، صاحب أكبر تجربة في الاضراب عن الطعام في سجون الاحتلال من أجل نيل حريته وقد انتصر فيها في كل المرات، حيث هزم العدو بأمعائه الخاوية، وهو حيا ونال حريته، كما هزم العدو في المرة الأخيرة عندما نال الشهادة، وبقي صامدا ولم يرضخ للعدو وشروطه.

خضر عدنان، شكّل نموذجا للمقاومة والتمسك بالمبادئ، والثوابت الوطنية وتحرير كل فلسطين، في الوقت الذي ذهب فيه الكثيرون للمساومة والتنازل عن الأرض.

خضر عدنان، تاريخ حافل من العطاء، ورمز للمقاومة والوفاء.

خصر عدنان، كان كبيراً في حياته وفي استشهاده.

لا أقول ذلك من زاوية المديح والإطراء، من تعرف على خضر عدنان يعلم أنه كان كل ذلك وأكثر، ومهما قلنا عنه وعن تجربته الغنية لن نعطيه حقه ونبقى مقصرين.

خضر عدنان، لم يستشهد بسبب الإضراب عن الطعام وليست هذه تجربته الأولى. لقد تم تنفيذ حكم الإعدام بحقه ومع سبق الإصرار من قبل دولة العدو وممارساتها بحقه والإهمال الطبي المتعمد. أرادوا قتل إرادته ولم ينجحوا وعندما فشلوا قتلوا الجسد، وبقيت الروح ترفرف عالية في سماء فلسطين، وبقي النموذج الذي قدمه في مسيرته الطويلة مغروسا بين أبناء شعبه.

إن إعدام الشيخ خضر عدنان لم يكن صدفة، وإنما جاء تنفيذاً لتعليمات الصهيوني المجرم بن غفير الذي طالب بإعدام الأسرى بكل الطرق.

لقد اعتقد العدو أنه بإعدام الشيخ خضر عدنان، سوف يرهب الحركة الأسيرة ويدفعها تجاه التخلي عن حقوقها، ويكسر شوكة المناضلين، إلا أن هذا لم يتم وبقيت إرادة الحركة الأسيرة أقوى من إرادة الاحتلال، وعزمها أشد على مواصلة النضال.

الشيخ خضر عدنان، ناضل ضد الاحتلال وضد سلطة أوسلو والتنسيق الأمني، وقال ذات يوم بعد الاعتداء عليه من فبل رجال السلطة وأجهزتها الأمنية، مخاطباً إياهم خلال الوقفة المنددة بمحاكمة الشهيد باسل الأعرج: (إذا قضيت يوما شهيدا فلا يقترب أحد منكم من جثماني، ولا تدخلوا منازلنا، ولا تشاركونا مآتمنا، ولا أفراحنا وأتراحنا، لأنكم أكثر حقدا علينا من العدو).

لقد قضى الشيخ عدنان شهيدا بعد مسيرة كفاحية طويلة وبعد معركة خاضها وحيدا بأمعائه الخاوية واستمرت ٨٦ يوما، ورحل جائعاً وهو الخباز الذي يطعم الشعب. لقد قصر الجميع مع الشيخ خضر عدنان ولم يساندوا معركته كما يجب، ولم يعملوا بشكل جيد من أجل تحريره، وليست هذه المرة الأولى في كيفية التعامل مع الأسرى من قبل أصحاب القرار والنفوذ ومن يملكون الصواريخ والمدافع والبنادق، لقد تخلوا قبل ذلك عن الشهيد ناصر أبو حميد وغيره من الأسرى والأسيرات. وقد يكون القادم أسوأ... ليس المطلوب إصدار البيانات والتبجح بالخطب ومناشدة الرأي العام العالمي، كون هذا على أهميته لن يحرر أسيرا واحدا، وهذا ما أكدته التجربة طوال حكم الاحتلال..

المطلوب من الجميع وقفة جادة والقيام بفعل مقاوم تكون نتيجته تحرير الأسرى، وهذا ما ثبت نجاعته عبر التجربة، وهو الأسلوب الوحيد الذي يفهمه العدو ولا أسلوب غيره. وفي حضرة الغياب، غياب الجسد وبقاء الروح.. روح الثورة والمقاومة، لا بد أن نتوقف أمام أهم الدروس التي حملتها تجربة الراحل الكبير:

_ الدرس الأول: الحضور الميداني المتواصل في كل الساحات والميادين، حيث كان الشيخ متواجدا دوما حيث يجب أن يكون، ومشاركا فاعلاً في كل المناسبات ولم يتغيب عن أي واحدة منها. تجده خطيباً هنا ومحرضا هناك، رافعا العلم الفلسطيني، متصديا لقوات الاحتلال، رافضا ومدينا لممارسات السلطة ورجال أمنها، معلنا باستمرار أن العدو يملك مشروعا جذريا يعمل على تصفية قضيتنا، وعلينا بالمقابل أن نواجهه بمشروع جذري يحمي الشعب والقضية ويحرر الأرض ودون ذلك لن نكسب المعركة، وهذا من أهم الدروس التي نستخلصها من تجربة الشيخ المناضل وهو الفهم الحقيقي للمشروع الصهيوني ومخاطره.

_ الدرس الثاني: التحلي بصفة القائد الميداني الذي يخوض معاركه مباشرة مع العدو، وربط القول بالممارسة وكان فعله يسبق كلماته وعمله يسبق خطاباته. نعم لقد مثل النموذج الثوري بكل ما تعنيه الكلمة.. عاش هموم شعبه بتفاصيلها ولم يقبل بحياة المكاتب التي قبلها الكثيرون من القادة.

_ الدرس الثالث: الصلابة والثبات في مواجهة العدو وعدم الخضوع لكافة محاولات النيل من صموده وعزيمته، وقد تجسد ذلك عبر ممارساته الطويلة منذ كان طالبا وفي الإضرابات المتعددة عن الطعام التي خاضها مرات عدة في سجون الاحتلال والصمود الأسطوري الذي مثله في السجون. وكان دوما يردد لا حياة بدون كرامة... أرواحنا ليست أغلى من كرامتنا، هذه أهم دروس التجربة وهناك العديد غيرها.

خضر عدنان مثل مدرسة كفاحية وتجربة نضالية غنية يجب أن تدرس للأجيال القادمة.

وبرحيله أتوجه باسمي وباسم كل المناضلين الشرفاء، بخالص وأحر التعازي لأسرته المناضلة، زوجته وأولاده ولكل أصدقائه ومحبيه وإخوته ورفاق دربه... وأخاطب زوجته المناضلة أم عبد الرحمن وأقول كم كنت وفيه للشيخ خضر وللمقاومة عندما قلت بعد اغتياله في سجون العدو: (احفظوا وجوه أبنائي جيدا، سيرى الاحتلال منهم ما لم يراه من خضر) في أقوى رسالة موجهة إلى الاحتلال تؤكد عزيمة شعبنا وأجياله القادمة على مواصلة الكفاح حتى تحرير كل فلسطين.

مع استشهاد الشيخ خضر عدنان تكون القضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية خسرت واحدا من أهم أعمدتها، وعلما من أعلامها، ومع ذلك نقول للشيخ خضر لن نرثيك. لقد تركت لنا ولشعبك وأبنائك إرثا كبيرا يكفينا ويكفيك... لن نبكيك.. لن نبكيك.. لك منا العهد والوفاء على مواصلة الطريق.. طريق المقاومة والنضال حتى التحرير الكامل.

إن الرد على الجريمة البشعة التي أودت بحياة الشيخ خضر هي مسؤولية جماعية وليست مسؤولية حركة الجهاد الإسلامي فقط... الشيخ خضر كان يدافع عن القضية الفلسطينية أولا وأخيرا، وإذا عجزنا عن نصرته في حياته وقصرنا تقصيرا كبيرا ونحن نراه يموت في كل يوم، ولم يكن ردنا بالمستوى المطلوب، فإن الواجب الوطني يدعونا إلى نصرته بعد أن ارتقى شهيدا بالرد الجاد الموجع على العدو، وعدم الاكتفاء ببيانات الإدانة ورشقات من الصواريخ حتى لا تتكرر جريمة اليوم غداً باغتيال المناضل وليد دقة وسواه، كما حصل من قبل مع المناضل أبو حميد وغيره من المناضلين.