يوافق اليوم ذكرى رحيل حنجرة اليسار العربي وإمام الحالمين والعاشقين، الشيخ إمام، الذي رحل في 7 حزيران/ يونيو عام 1995 م.
الشيخ إمام كفيف البصر، مستنير القلب والوجدان، عزف على أوتار الحرية وتغنى بها ولها، عاش مناضلًا يعبّر عن هموم جيله وقضايا بلاده والطبقات الكادحة التي ينتمي إليها، ونجح في تسجيل اسمه بحروف من نور بين أولئك الذين خلدهم حب الوطن.
ولد الشيخ إمام في 2 يوليو 1918، بقرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة، لأسرة فقيرة وكان أول من يعيش لها من الذكور حيث مات منهم قبله سبعة، ثم تلاه أخ وأخت، واسمه بالكامل إمام محمد أحمد عيسى.
وأصيب بالرمد الحبيبي في العام الأول من حياته، وفقد بصره نتيجة للجهل والإهمال واستعمال وصفات خاطئة في العلاج، وفي قريته الصغيرة قضى طفولته في حفظ القرآن.
ومن خلال اندساس الشيخ إمام وسط جلسات أمه مع نساء العائلة في المواسم والأفراح واستماعه لغنائهن أحب الموسيقى وأصبحت له أذن موسيقية.
وفي 1929 اصطحبه والده إلى القاهرة لتعلم القرآن والترتيل في الجمعية الشرعية السنية في الأزهر، حيث أراد له أن يصبح شيخًا كبيرًا له اسمه ومكانته، وبالفعل نجح إمام في حفظ القرآن وهو في الثانية عشرة من عمره.
وبعد أن أمضى الشيخ إمام في الجمعية 5 سنوات جاء قرار فصله منها، والسبب عشقه لصوت الشيخ محمد رفعت، الذي كان يستمع إليه في الإذاعة، وكان البعض يعتبر الاستماع للإذاعة بدعة في ذلك الوقت. وعلى إثر فصله من الجمعية الشرعية السنية في الأزهر، طرده والده ومنعه من العودة إلى قريته، التي لم يذهب إليها إلا بعد وفاة والده.
وفي منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، بدأ إمام رحلته في عالم الموسيقى عندما التقى الشيخ درويش الحريري، أحد كبار علماء الموسيقى آنذاك، وتعلّم على يده الموسيقى، وتعرّف في تلك الفترة على شيخ الملحنين زكريا أحمد.
واستعان زكريا بإمام لحفظ الألحان التي كان يقدمها لأم كلثوم قبل أن تغنيها، نظرًا لذاكرته القوية التي كان يتمتع بها، إلا أنه تخلى عنه بعد فترة قصيرة، مع تسريب ألحانه لأم كلثوم إلى الناس قبل أن تغنيها.
وفي عام 1945 تعمّق الشيخ إمام في مجال الموسيقى أكثر، فعمل على تعلم مبادئ الموسيقى والموشحات كما قرّر دراسة العزف على العود، فكان بمثابة موهبة متكاملة في عالم الموسيقى فأجاد التلحين والتأليف ومنهم إلى الغناء.
وحينها تم اعتماده كمغن في الإذاعة المصرية في الأربعينيات من القرن الماضي، وكان يغنى ضد فساد الحكم والاحتلال البريطاني واعتقال الشباب، وبعد فترة وجيزة تركه لأنه لم يجد نفسه فيه.
وارتبط اسمه بشاعر العامية الراحل الفاجومي أحمد فؤاد نجم، الذي كان يترجم كلماته وأشعاره إلى طرب عذب يمتع الأُذن وكونا سويًا ثنائي متألق، وكانت بدايتهم معًا في 1962 بقصيدة "أنا أتوب عن حبك".
وكانت قصائدهم وأغانيهم خلال فترة تعاونهم الأولى عاطفية، إلا أنهم تحولا من الأغاني العاطفية إلى الثورية مع نكسة مصر في 1967، وغلبت السخرية والانهزامية عليها في البداية مثل "يا محلى رجعة ضباطنا من خط النار يعيش أهل بلدي وبينهم مفيش"، ليستبدلوا تلك النغمة بأخرى تدعو للصحوة مثل أغنية "مصر يمه يا بهية يا أم طرحة وجلابية".
وتسببت مقطوعات الشيخ إمام الغنائية ومواقفه السياسية في شقائه، فتم القبض عليه عندما اعترض على الأحكام التي برأت المسئولين عن هزيمة 1967، بتهمة تعاطي الحشيش سنة 1969، وتم إطلاق سراحه فيما بعد.
ولم يكن إطلاق سراحه وقتها إيذانًا بحريته، إذا تم القبض عليه ثانية بسبب أغانيه وألحانه الثورية، وحكم عليه بالسجن المؤبد، ليكون الشيخ إمام أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية، وكان يغني حينها أغنيته المشهورة "شيد قصورك"، وتم الإفراج عنه بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
وذاع صيت الشيخ إمام إلي العالمية، ففي منتصف الثمانينيات تلقى دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، ولاقت حفلاته إقبالاً جماهيريًا كبيرًا هناك، ومنها بدأت جولاته بالدول العربية والأوروبية.
وانتشر جمهوره في بلدان العالم، ورحل في السابع من يونيو 1995، ومازال اسمه خالدًا ولامعًا كحالةٍ فريدةٍ من نوعها في التأليف والغناء والتلحين، فكانت قصائده حاضرة في ميادين الثورة في 25 يناير 2011 و30 يونيو2013.