Menu

هزيمة يونيو حزيران 67 وتغير في الموقف السياسي العربي الرسمي لصالح الكيان

محمّد جبر الريفي

شكلت هزيمة يونيو حزيران عام 67 والتي عرفت بمصطلح النكسة بداية مرحلة جديدة في الصراع العربي الصهيوني، لأنها أسست لفكرة تيار الواقعية السياسية في الفكر السياسي العربي، فقبل الهزيمة التي أسفرت عن احتلال أراض عربية، إضافة إلى احتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية (الضفة الغربية وقطاع غزة) كانت القضية الفلسطينية هي محور الصراع بين الأمة العربية والمشروع الصهيوني وكان الرفض لهذا المشروع الذي نتج عنة اقامة دولة إسرائيل في عام 48 من القرن الماضي كحالة استيطانية احلالية بتخطيط من الغرب الاستعماري  هو محل موقف  الشعوب العربية والأنظمة العربية قاطبة، بدون استثناء. ولكن بهزيمة دول عربية من دول الجوار  احتلت أراضيها  تغير الموقف السياسي تغييرًا جذريًا لصالح الكيان الصهيوني، بشكل لم يكن يحلم به منذ قيامه، وهو ما يعد إنجازًا سياسيًا كبيرًا للحركة الصهيونية العالمية في صراعها مع الحركة الوطنية الفلسطينية وحركة التحرير العربية بشكل عام، فتم بعد هذه الهزيمة استبدال شعار تحرير فلسطين العميق في مخزون  الضمير والوجدان العربي  إلى شعار إزالة آثار العدوان وهو ما فتح المجال بعد ذلك واسعًا للسياسة العربية، بفكرة القبول بالدولة الصهيونية والاعتراف بها رسميًا على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني، وهذا ما تم بالفعل بعد حرب أكتوبر عام 73 بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل،  وبذلك حققت دولة الكيان الصهيوني بالنكسة عام 67 ما عجزت عن تحقيقه بالنكبة عام 1948، لأن بعد النكبة ظل شعار تحرير فلسطين وتدمير دولة إسرائيل باقيًا في الوعي السياسي القومي العربي،  باعتباره  هدف الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج  شعوبًا وأنظمة سياسية ونخب ثقافية وأحزاب سياسية وحركات تحرر. أما بعد النكسة فقد أصبح الاعتراف بهذا الكيان مقابل الانسحاب من سيناء والجولان والضفة وغزة، وهي الأراضي التي احتلت في مثل هذه الأيام هو ما يسعى إليه بكل الوسائل السلمية النظام العربي الرسمي غير ملتزم بقرارات مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في العاصمة السودانية الخرطوم.

بعد النكسة لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورًا أساسيًا لصالح الكيان الصهيوني، وكانت اتفاقية السلام تلك بين مصر والكيان الصهيوني، هي بداية لتعاظم هذا الدور السياسي الذي أسفر بعد ذلك عن تعميق نهج التسوية، وذلك لأنه لم يقف هذا التراجع الخطير في الموقف العربي من القضية الفلسطينية، على السياسة العربية الرسمية، بل تعداه إلى السياسة الفلسطينية الرسمية ذاتها،  فقد تساوق الموقف الفلسطيني الرسمي مع الموقف العربي الرسمي، وذلك باعتماد ما يسمى بالحل المرحلي بدلًا من الحل الاستراتيجي الذي يتضمن الاستمرار برفع شعار تحرير فلسطين وإقامة الدولة الديمقراطية، وهو الشعار السياسي الذي رفعته الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقها عام 1965، وقد أثبتت اتفاقية أوسلو بعد ذلك على عدم تحقيق أي تقدم في مشروع الحل المرحلي، في وقت تواصل فيه السياسة العربية الرسمية مراهنتها على مشاريع التسوية السياسية  التصفوية.