بعد الدعوة الموجهة من أبو مازن إلى الأمناء العامين من أجل الحوار، ظهرت آراء متعددة حول هذه الدعوة والنتائج الممكن أن تتمخض عنها، هناك من عارض وهناك من أيد الدعوة، وهناك من اعتبر أن هذه الدعوة لا تعنيه بعد التجارب السابقة.
في البداية لا بد من التدقيق في المصطلحات، أن دعوة أبو مازن تأتي في إطار عقد لقاء يتم فيه إلقاء الخطب والكلمات، ولا يعدو كونه مهرجاناً خطابياً، وكفى الله المجتمعين العمل الجاد للحوار من أجل الخروج من الأزمة الفلسطينية التي أصبحت مستعصية وتطال الجميع، وهذا ما كان يحصل في كل الجولات السابقة.
أما الحوار الحقيقي فله شروطه ومقاييسه، ويستند إلى أسس واضحة يجري فيه تبادل الآراء والوصول إلى القواسم المشتركة بين المتحاورين، وهذا لم يحصل سابقاً ولن يحصل الآن في ظل العقلية المتحكمة في القرار.
أنا شخصياً منذ البداية، ورغم إيماني المطلق بأهمية الوحدة الوطنية وفي ضوء تجربة السنوات السابقة وما أفرزته، أقول: أن الدعوة عنوانها نبيل ولكن أهدافها سيئة. ليس هذا توقعاً وإنما استنتاج يقوم استناداً إلى الوقائع والتجربة الطويلة.
أبو مازن يريد (الحوار) من أجل تجديد شرعيته ومؤسساته المتهالكة، ومن أجل إعادة الاعتبار لدوره، خاصة بعد أن أثبت الشعب الفلسطيني ومقاتلوه الأبطال قدرتهم على التصدي للعدو ومخططاته، وقاموا بسحب البساط من تحت أقدام سلطة أوسلو والتنسيق الأمني.
نعم.. أبو مازن يريد مهرجاناً خطابياً لتجديد شرعيته، وقوى المقاومة تريد حواراً جدياً من أجل تحقيق الوحدة الوطنية. السؤال المطروح هل يستوي هذا وذاك؟ وإلى متى تبقى قوى المقاومة رهينة لموقف أبو مازن وحساباته البعيدة عن مصلحة الشعب والوطن؟
قد أكون مخطئاً، لكن كما يقول المثل المية تكذب الغطاس، والتجربة منذ عام ٢٠٠٥ تؤكد هذه الحقيقة المرة، حيث اتخذت القرارات الجميلة في كل الجلسات، لكن لم يطبق منها شيئاً ولا أدري كم عام نحتاج حتى نطبق قراراً واحداً منها. أؤكد أن أية قرارات لن تطبق إلا إذا رضي عنها السلطان.
إن المشكلة الحقيقية ليست في قبول الدعوة أو رفضها، المشكلة الأساسية تكمن في مع من نتحاور: هل نتحاور مع من تنازل عن ٧٨ % من أرض الوطن واعتبرها ملكية خاصة له يفعل فيها ما يشاء؟ هل نتحاور مع من ينسق أمنياً مع العدو ويتعاون معه في ملاحقة وتصفية المناضلين؟ هل نتحاور مع من يكمم الأفواه ويزج بأصحاب الرأي في السجون؟ هل نتحاور مع من سرق أموال الشعب والثورة وجمع الملايين في حساباته الخاصة؟ هل نتحاور مع الفاسدين؟ هل نتحاور مع من يرفضون الشراكة والديمقراطية وقاموا بإلغاء دور المؤسسات لحساب دور الأفراد؟
الواجب الوطني وأبسط أبجديات الثورة تقول: أن التعامل مع هؤلاء يتم من خلال عزلهم ومحاسبتهم، علينا أن نقرأ تجارب الشعوب وثوراتها المختلفة من الجزائر إلى فيتنام وغيرها، كيف تعاملت مع أمثال هؤلاء؟
إن الواجب الوطني والدفاع عن القضية والتمسك بالأرض والمبادئ، واحترام دماء الشهداء وعذابات الأسرى والوفاء لتضحيات الشعب وبطولاته تفرض على كل الوطنيين عدم التعامل معهم، ونبذهم وإنزال أشد العقوبات بهم.
أدرك صعوبة ذلك، لكن هذا هو الطريق الى الانتصار. لم يعد مفهوما اليوم موقف القوى التي تلهث وراء (الحوار)، خاصة الجبهة الشعبية التي سارعت إلى الترحيب بهذه الدعوة، ولا أدري متى تتعلم الجبهة الدرس وأنا لست معلماً، المعلم هو الشعب الذي هتف بسقوط هذه السلطة ورفض استقبال قياداتها كما شاهدنا ذلك في جنين. كان على الجبهة الشعبية وقوى المقاومة أن تلتقط فرصة ما حصل في جنين وفي الضفة، من أجل تضييق الخناق على هذه السلطة وإسقاطها وليس انقاذها.
أقول ذلك من موقع المعرفة التامة، أن هذه القيادة وهذه السلطة باتت تسير نحو السقوط، ومن المعيب استمرار التعاون معها، بدلاً من ذلك يجب في كل يوم فضحها والعمل على المزيد من تعريتها على طريق إسقاطها.
أقول للرفاق في الجبهة لقد وقعتم في خطأ كبير لن يغفره لكم شعبكم: ماذا تقولون لعائلات الشهداء وأسر الجرحى والأسرى؟ كيف تقبلون الذهاب إلى (حوار) في ظل تمسك أبو مازن بسياسته المعروفة (الحفاظ على أوسلو واستمرار التنسيق الأمني والقبول بشروط الرباعية الدولية ورفض المقاومة في أبسط اشكالها) وإلى جانب ذلك رفضه إطلاق سراح المقاومين وأصحاب الرأي؟
المكتوب يقرأ من عنوانه، أنتم ذاهبون إلى كرنفال وحفل خطابي ليس إلا ومسرحية هزلية تتكرر ما بين فترة وأخرى بطلها ابو مازن وأنتم تقومون بدور الكومبارس لا أكثر.
إن التعامل مع ابو مازن وغيره يتم فقط من خلال إجبارهم على الرضوخ للإرادة الشعبية، وهذا لن يتم إلا من خلال تفعيل دوركم، وليس الركض خلف سراب وأوهام الوحدة.
سؤال لكل ذاهب إلى (الحوار)، أستحلفكم بدماء الشهداء عذابات الأسر وأنين الجرحى: هل أنتم مقتنعون بالوحدة مع هذه القيادة التي جربت عشرات المرات؟
عودوا إلى شعبكم، لا تخسروا كوادركم، وعليكم الخروج من هذه اللعبة التي مل شعبنا من تكرارها.
كفى خداعاً للشعب ولأنفسكم. إن ما كتبته يعبر عن رأي الكثيرين في صفوف التنظيمات وأغلبية كبيرة من أبناء شعبنا.
ختاماً أقول لكم: أخرجوا من هذه المصيدة ولا تساهموا في إعطاء الشرعية لمن فقدها. إن الخروج من الأزمة التي نمر بها، لا يكون من خلال وحدة مع هؤلاء، بل يكون من خلال عملية فرز حقيقية في الساحة الفلسطينية بين برنامج مقاوم وبرنامج يخدم العدو، وهذا يستدعي وضع استراتيجية سياسية كفاحية تتفق عليها كل قوى المقاومة، من أجل الخروج من المأزق، ومواصلة طريق التحرير.