Menu

عن لقاء المنقوش و(الإنكار) المفضوح

وسام رفيدي

لم تأتِ المنقوش وزيرة خارجية ليبيا بأي جديد عندما قالت أن اللقاء مع وزير خارجية العدو (عرضي وغير رسمي ولم تجر نقاشات ومباحثات بيننا)، فهذه أضحت سياسة رسمية لدى بعض العرب، وبعض الفلسطينيين إن شئتم، لَمنْ يريد الهرولة للتطبيع، ولكنه يخجل من فعل ذلك أمام شعبه، لأنه يعرف أنه يقترف عملاً أقل ما يوصف أنه غير أخلاقي، وفعلياً خياني. هؤلاء قوم لا يمتلكون الحد الأدنى لا من الجرأة ولا من الإرادة حتى ليدافعوا عن موقفهم، وليس للتضامن مع نضال شعبنا، فيما يُبرز سلوكهم تدني المستوى الأخلاقي لهم: يفعلونها ويستحون من إعلانها كشيء مخجل لا يشرف صاحبه.

ما يهمنا هنا أكثر من الطريقة المفضوحة ل (إنكار) التطبيع، هو الموقف الشعبي و(الرسمي) الرافض، والذي أجبر الجهة الرسمية على فتح تحقيق، وربما تقديم المنقوش للمحاكمة. هنا التعويل، لا على تلك النخب التي ارتهنت كراسيها للدعم الأمريكي والصهيوني، فدفعت الثمن تطبيعاً وهرولة للكيان بطرق عديدة. نعم هنا التعويل، وهذا يبدو في المواقف العديدة للشعوب العربية التي تعلن يومياً، وفي فعاليات ميدانية، رفضها للتطبيع ورموزه. لا يقللن أحد من أهمية هذا الموقف الشعبي. قد تتأخر حركة الجماهير القطعية والحاسمة عن حسابات المحللين والمثقفين الذين يفقد بعضهم ثقته بالجماهير بسرعة غريبة ومتوترة، لكنها حركة ستأتي في يوم يعتقد العديد أنه لا يأتي، ذلك حال التاريخ.

أما عن ليبيا موقع الحدث فحدث ولا حرج. أعلاه وضعت كلمة (الرسمي) بين هلالين كتعبير عن التشكيك في وجود ما هو رسمي مؤسساتي فعلاً ليتخذ موقف أو إجراءات. ما بعد نظام ليبيا في عهد القذافي الراحل، وهذا ينطبق على العراق بحدود معينة، فوضى سياسية لا مكان فيها لعمل مؤسساتي دولاني ولو بالحدود الدنيا، بل صراعات قبلية وجهوية وشخصانية أعادت ليبيا للقرون الوسطى، فالجهات المتصارعة عبارة عن مجاميع محسوبة على هذا النظام أو ذاك، عربيا وخليجياً ودولياً، تأتمر به وتنفذ ما يريد. إيطاليا وروسيا و مصر وتركيا والإمارات وفرنسا وأمريكا كل هؤلاء وغيرهم لاعبون في ليبيا ويلعبون بنخبها التي تشكلت عقب سقوط النظام، إما ممن جرى تربيتهم في دوائر الاستخبارات المختلفة، ولنتذكر أحمد الجلبي في العراق أو ممن أقساهم النظام.

لا أقول هذا دفاعاً عن النظام السابق، فلست من المتحمسين له، علماً أنه قدّم دعمه للثورة ولشعبنا دون تردد وبسخاء، ولكن الملاحظ أن إسقاط تلك الأنظمة القمعية، شأن نظام صدام، تحت يافطة (الديمقراطية) الأمريكية وحقوق الإنسان لم تأتِ إلا بالخراب وتدمير المجتمع وانفلات تيارات مشبوهة سياسياً، فعلى الأقل، وفي عهد تلك الأنظمة، القمعية بامتياز، لم تتفتت بنية المجتمع لجهات ومناطق متصارعة، ولم يتفتت الشعب لقبائل وطوائف وإثنيات وعرقيات متناحرة على امتياز هنا وحصة ومنصب هناك.

في ظل هكذا وضع يبدو من الطبيعي أن تخرج المنقوش لا بخطوة تطبيعية، بل (بإنكار) أقل ما يوصف بالوقح والمفضوح، وكأن لقاءات وزراء الخارجية تتم عرضياً أو بالصدفة أو في غفلة عن المجتمعين.