Menu

عندما يتحول الذكاء الاصطناعي إلى سلاح دمار شامل

تقريرتكنولوجيا الموت: الذكاء الاصطناعي في خدمة الإبادة الجماعية بغزة

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في جيش الاحتلال الإسرائيلي.jpg

خاص: بوابة الهدف الإخبارية - فلسطين المحتلة

في الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وظّف جيش الاحتلال الإسرائيلي تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) لتوجيه عملياته العسكرية بشكل غير مسبوق، مما جعل من القصف والتدمير والقتل عمليات أكثر دقة وأشدّ فتكًا، دون التفات لحقوق الإنسان أو القوانين الدولية. هذه التقنيات ساهمت بشكل كبير في تحويل كل غارة جوية إلى مجزرة محققة، وتعزيز وتيرة التدمير على مدى أطول فترة ممكنة.

توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد الأهداف وتوجيه الضربات

أحد أبرز مظاهر استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الحرب هو في توليد الأهداف الحربية، حيث يعتمد الجيش الإسرائيلي على تقنيات متطورة قادرة على تحليل البيانات الواردة من مصادر متعددة، بما في ذلك الأقمار الصناعية، والمجسات الأرضية، ومصادر استخبارية أخرى، لتحديد "الأهداف ذات القيمة العالية". من خلال هذه الآليات، يتم تقليص الزمن اللازم لتحديد الهدف إلى مجرد دقائق، مما يسمح بشن ضربات سريعة ودقيقة، ولكنها غالبًا ما تكون مميتة لعدد كبير من المدنيين.

وفقًا لتقرير نشر في صحيفة نيويورك تايمز، فإن الجيش الإسرائيلي يستخدم أنظمة متكاملة تجمع بين الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي لتحديد الأهداف العسكرية داخل قطاع غزة. هذه الأنظمة تعتمد على تحليل السلوك البشري والأنماط الحياتية للمواطنين الفلسطينيين، مما يسمح بتحديد ما يعتبره الجيش "نشاطات غير طبيعية"، وبالتالي يتم استهداف هذه المواقع بغارات جوية مباشرة. هذا الاستخدام للذكاء الاصطناعي لا يجعل الضربات عشوائية، بل إنها تستند إلى بيانات وإجراءات مخطط لها مسبقًا تهدف إلى تدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية وقتل أكبر عدد من السكان.

التقنيات المستخدمة في القصف والإخلاء القسري

إلى جانب تقنيات توليد الأهداف، يُستخدم الذكاء الاصطناعي أيضًا في إدارة عمليات القصف والإخلاء القسري. يعتمد الجيش الإسرائيلي على نماذج حسابية لتوقع ردود الفعل البشرية على الضربات الجوية، مما يتيح له تنفيذ ضربات مبدئية تهدف إلى إجبار المدنيين على الفرار من مناطق محددة، ثم تنفيذ ضربات لاحقة على هذه المناطق لضمان عدم عودة السكان إليها. هذا الأسلوب يُعزز من تأثير القصف ويُضاعف الخسائر البشرية، كما أنه يهدف إلى تهجير السكان قسرًا وتفريغ مناطق واسعة من المدنيين.

كما تشير التقارير إلى أن جيش الاحتلال يستخدم أنظمة ذكاء اصطناعي للتحكم في الطائرات بدون طيار (الدرونز)، والتي تُعتبر جزءًا أساسيًا من استراتيجيته الحربية. هذه الطائرات قادرة على تنفيذ مهام استطلاعية وقتالية في آن واحد، مما يسمح لها بتحديد الأهداف ومهاجمتها بدقة متناهية. تقنية الذكاء الاصطناعي تُستخدم هنا ليس فقط في توجيه الضربات، بل أيضًا في تحديد الأولويات بين الأهداف المختلفة بناءً على معايير محددة مسبقًا.

نتائج وتداعيات استخدام الذكاء الاصطناعي في حرب غزة

النتيجة الحتمية لاستخدام هذه التقنيات هي تعزيز الطبيعة الإبادية لهذه الحرب، إذ تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتعظيم الأثر التدميري للضربات الجوية، مما يؤدي إلى قتل المدنيين بشكل منهجي وتدمير البنية التحتية بشكل لا يمكن إصلاحه. هذا النوع من الاستهداف المتعمد والمدروس، والذي يبتعد عن العشوائية، يُعدّ انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية ويؤكد على نية الجيش الإسرائيلي لإبادة الحياة في غزة بشكل مخطط ومنهجي.

الأمر الذي يزيد من فداحة الوضع هو أن هذه الجرائم تمرّ دون محاسبة، حيث يتجاهل الإعلام الغربي المهيمن هذه الوقائع، على الرغم من التحقيقات التي تكشف عن مدى التعسف والإجرام في استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الحرب. ورغم الانتقادات الواسعة من قبل حقوقيين وناشطين حول العالم، فإن المنظومة الدولية تظل عاجزة عن اتخاذ خطوات فعلية لوقف هذه المجازر أو محاسبة المسؤولين عنها.

في هذا السياق، ينبغي النظر إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة ليس فقط كوسيلة لتعزيز القدرات العسكرية، بل أيضًا كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض حقوق الشعب الفلسطيني في الوجود والبقاء. استخدام هذه التقنيات يساهم في ترسيخ واقع الاحتلال والحصار، ويجعل من حياة المدنيين في غزة هدفًا مستباحًا، فيما يُعدّ انتهاكًا واضحًا لكل المعايير الأخلاقية والإنسانية.

يبرز هنا دور المجتمع الدولي في مواجهة هذه التحديات الأخلاقية التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة في النزاعات المسلحة. يجب على المجتمع الدولي العمل على تطوير أطر قانونية جديدة تحاسب استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب بطريقة تؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. فالتقنيات التي كان من الممكن استخدامها لتحسين حياة البشر، باتت اليوم أدوات لقتلهم وتدمير مجتمعاتهم، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة وشجاعة للدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في النزاعات الحديثة.