Menu

خطوة نحو العدالة أم مناورة سياسية

تحليل بريطانيا تعلق تصدير الأسلحة لدولة الاحتلال

بيسان عدوان

ديفيد لامي، وزير خارجية بريطانيا، وكالات

الهدف الإخبارية

 يبدو أن بريطانيا تمر بمرحلة حاسمة في مراجعة سياساتها بشأن مبيعات الأسلحة لإسرائيل. بينما تستمر الضغوط الدولية والمحلية على الحكومة البريطانية، فإن التوجه الجديد قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في العلاقات الثنائية بين بريطانيا وإسرائيل، ويشكل خطوة نحو التزام أكبر بالقانون الدولي. من المرجح أن يكون لهذه المراجعة تداعيات واسعة على السياسات الدولية والإقليمية، مما يتطلب متابعة دقيقة للتطورات المقبلة.

أعلنت بريطانيا تعليق 30 رخصة لتصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال من أصل 350، تشمل معدات تستخدم في الحرب الحالية على قطاع غزة والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. جاء هذا الإعلان على لسان وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الذي أشار إلى أن التراخيص المعلقة تشمل مكونات لطائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر ومسيّرات، مضيفًا أن هذا القرار يأتي بناءً على تقييم بأن بعض صادرات الأسلحة لدولة الاحتلال قد تشكل خطرًا حقيقيًا على إمكانية استخدامها في انتهاكات للقانون الإنساني. ورغم ذلك، أكد لامي أن هذا التعليق لا يشمل مكونات طائرات إف-35 ولن يؤثر على أمن دولة الاحتلال، مشددًا في الوقت نفسه على دعم بريطانيا لحقها في الدفاع عن نفسها وفقًا للقانون الدولي. هذه التطورات تطرح تساؤلات حول ما إذا كان قرار بريطانيا يمثل تحولًا جوهريًا في سياستها تجاه دولة الاحتلال، أم أنه مجرد مناورة سياسية تهدف إلى تهدئة الانتقادات المحلية والدولية.

هل يُعدّ التعليق تحولاً استراتيجياً أم إجراءً مؤقتاً؟

تصريحات وزير الخارجية البريطاني جاءت في وقت يشهد فيه الحرب على غزة والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين تصعيداً غير مسبوق، مما يثير الشكوك حول الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار. من جهة، يبدو أن بريطانيا تسعى لتهدئة الانتقادات المحلية والدولية المتعلقة بتورطها غير المباشر في الحرب من خلال مبيعات الأسلحة. إلا أن استثناء مكونات طائرات إف-35 من التعليق يعكس تناقضًا واضحًا في موقف لندن، إذ يشير إلى استمرارها في دعم القدرات العسكرية لدولة الاحتلال في الصراع الجاري.

هذا التناقض يدفع للتساؤل حول مدى جدية الحكومة البريطانية في اتخاذ موقف صارم ضد الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. فهل يعكس تعليق الرخصة تحولا حقيقيا نحو احترام القوانين الدولية، أم أنه مجرد إجراء مؤقت لاحتواء الغضب المتزايد داخل بريطانيا؟ إذا كان هذا التعليق جزءًا من استراتيجية أوسع لمراجعة العلاقة بين لندن ودولة الاحتلال، فإن ذلك قد يمثل نقطة تحول في السياسة البريطانية. لكن، إذا ما تم رفع التعليق بعد فترة وجيزة، فهذا يعني أن القرار ليس سوى مناورة سياسية هدفها حماية الحكومة من الانتقادات دون إحداث تغيير حقيقي في سياساتها.

التداعيات على العلاقات البريطانية-الإسرائيلية 

رغم أن لامي حاول تقليل أهمية قرار تعليق تراخيص تصدير الأسلحة على أمن دولة الاحتلال، إلا أن هذا القرار قد يترك تأثيرًا كبيرًا على العلاقات بين البلدين. دولة الاحتلال تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والتكنولوجي من حلفائها الغربيين، وبريطانيا تُعتبر واحدة من هذه القوى التي لطالما وقفت إلى جانبها في المحافل الدولية. لذلك، يمكن أن يُنظر إلى التعليق على أنه خطوة غير مرحب بها من قبل تل أبيب، والتي قد تؤدي إلى توتر في العلاقات الثنائية، خاصة إذا اعتُبرت أنها تمثل استجابة للضغوط الدولية أو تعكس تغيرًا في الموقف البريطاني.

لكن من ناحية أخرى، قد يكون لهذا القرار تأثير إيجابي على صورة بريطانيا في العالم العربي والإسلامي، حيث يُنظر إلى أي تقليص في دعم دولة الاحتلال العسكري على أنه خطوة نحو العدالة. وربما تستغل الحكومة البريطانية هذا القرار لتعزيز نفوذها الدبلوماسي في المنطقة، خاصة في ظل تزايد الانتقادات ضد السياسات الاحتلالية.

بريطانيا بين الالتزامات الدولية والضغوط الداخلية

إن موقف بريطانيا الحالي يعكس التحدي الذي تواجهه الحكومات الغربية في موازنة علاقاتها مع دولة الاحتلال مع التزاماتها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان. قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي أشار إلى أن تقديم "المساعدة أو الدعم" لدولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة يُعد غير قانوني، يضع لندن في موقف صعب. فبينما ترغب بريطانيا في الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع دولة الاحتلال، تجد نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات تعكس احترامها للقرارات الدولية.

ومع تصاعد الأصوات داخل بريطانيا التي تطالب بوقف كامل لمبيعات الأسلحة إلى دولة الاحتلال، خاصة من قبل أعضاء البرلمان والنشطاء الحقوقيين، فإن الحكومة تجد نفسها تحت ضغط داخلي متزايد. هذه الضغوط قد تدفعها لمراجعة سياستها بشكل أوسع، لكن هل يمكن لبريطانيا فعلاً أن تتحمل تكلفة سياسية واقتصادية لمثل هذا التغيير؟

يمكن القول إن قرار تعليق بعض تراخيص تصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال هو خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه لا يزال غير كافٍ للإشارة إلى تغيير جذري في السياسة البريطانية. سيبقى السؤال مطروحًا حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستُتبع بإجراءات أكثر جرأة، أم أنها ستظل مجرد خطوة رمزية تهدف إلى تهدئة الضغوط الداخلية والدولية. على بريطانيا أن تتخذ قرارًا حاسمًا: إما الالتزام الكامل بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، أو الاستمرار في لعبة التوازن التي قد تؤدي في النهاية إلى فقدان مصداقيتها على الساحة الدولية.