انعقد في قصر المؤتمرات خلال الفترة من 28 إلى 31 كانون الثاني/يناير في هافانا المؤتمر الدولي السادس لتوازن العالم، في ذكرى ميلاد البطل القومي الكوبي خوسى مارتي الـ 172، بمشاركة ما يزيد عن 1300 مندوب من 98 دولة، بما في ذلك المشاركة الفلسطينية لممثلي الجبهة الشعبية والسفارة الفلسطينية والطلبة الفلسطينيين، وأكثر من 400 مشارك من كوبا.
وكانت المحاضرة الرئيسية: "عناوين حول أصالة أيديولوجية الثورة الكوبية"، ألقاها الدكتور إدواردو توريس كويفاس، مدير مكتب البرنامج المارتياني ورئيس جمعية خوسيه مارتي الثقافية.
وتناول كويفاس خلال كلمته تاريخ وحاضر الأيديولوجية الاشتراكية، مسلطاً الضوء على أصالة الفكر الثوري الكوبي. وشدد على أن هذا التفرد كان مفتاحًا لفهم تجاوز حدود الثورة الكوبية، واصفًا إياها بالاستثناء في السياق التاريخي والسياسي العالمي.
كما سلّط الضوء على إرث القائد التاريخي فيدل كاسترو الذي لم يكتفِ بتوليف الماركسية وتفسيرها فحسب، بل قدّم إسهامات أساسية في هذه المدرسة الفكرية.
كما شارك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العديد من ممثلين الاحزاب الشيوعية في العالم ومنهم بيتير ميرتينس وهو الرئيس السابق لحزب العمال البلجيكي واللذي أكد على أن قضية فلسطين قضية خالدة وأن الدعم المتواصل للقضية والشعب الفلسطيني واجب علينا في هذا العالم الغير متوازن.
وعقد منتدى الشباب ”مع الجميع ومن أجل خير الجميع“: دور الشباب في التحول الاجتماعي، حيث أعربت ميفيز استيفيز إيتشافاريا، السكرتيرة الأولى للجنة الوطنية لاتحاد الشبيبة الكوبية خلال مداخلتها بأنه: ”عندما نتحدث عن إنسانية مارتي أو قضية الثورة، فإننا نتحد هنا من مختلف الاجناس والألوان والثقافات والبلدان للدفاع عن العدالة“، كما أكدت على ضرورة أن يشارك الشباب بفعالية في بناء مجتمعات أكثر عدالة وإنصافاً، وأن يكونوا عوامل تغيير ومقاومة في مواجهة الظلم: ”يجب أن نكون عوامل تغيير ومقاومة في مواجهة الظلم“.
واختتمت إستيفيز إيتشافاريا بالاشارة إلى شريط فيديو ورد من غزة، حيث أرسل متطوع من بورتوريكو تحياته إلى منتدى الشباب، مسلطاً الضوء على أن قضية الثورة الكوبية توحد ما وراء الحدود الجغرافية واللغات والأديان.
وعقد منتدى لجنة التضامن والسلام بحضور فيرناندو جونزاليز احد ابطال جمهورية كوبا الخمسة الذين تم تحريرهم من السجون الامريكية ورئيس المعهد الكوبي للصداقة مع الشعوب وكانت الندوة تحت عنوان "دفاعا عن السلام والقضايا العادلة"، وكانت مخصصة بشكل اساسي عن فلسطين والقضية الفلسطينية، حيث حضر الندوة ما يزيد عن ٥٠٠ شخص من مختلف الدول، وتضمنت العديد من المداخلات وكانت من اهمها مداخلة مارييلا كاسترو ، عضوة البرلمان الكوبي وابنة القائد راؤول كاسترو حيث قالت أنه لا يجب السكوت عن هذه القضية الانسانية وأن الدفاع عن فلسطين هو ايضا الدفاع عن كوبا .
والقى الكلمة الختامية للمنبر فيرناندو جونزاليز حيث قال : يجب علينا أن ندين هذا التطهير العرقي ضد الفلسطينيين اللذي لم يبدا في السابع من اكتوبر بل منذ ما يزيد عن ٧٥ عام ، ومحاولة تهجير ما يزيد عن مليون ونصف فلسطيني من اراضيهم ، كما وانه لم يكتفو في محاولتهم المستمرة من سنتين محو الفلسطينين من ارضهم في غزة وخارجها. وأنه من المهم جدا دعم القضية الفلسطينية في كل انحاء العالم ويجب أن تكون فلسطين حاضرة في كل النشاطات العالمية ، ونحن بالطبع كنا نتوقع وبالفعل ان تكون كل المداخلات متعلقة بالقضية الفلسطينية.
كما شارك في المؤتمر السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي ورئيس الجمهورية ميغيل دياز كانيل بيرموديز اليوم الأخير للمؤتمر الدولي السادس لتوازن العالم، وأشار الرئيس دياز كانيل إلى القضايا الرئيسية في السياق الحالي، مثل الحصار المفروض على كوبا وضرورة أن تكون قناة بنما ملكًا للشعب البنمي والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وأكد بيرموديز على أنّ كوبا ستظل دائما تدعم فلسطين في نضالها الذي كلّفها خسائر في الأرواح ودمار البلد“، مضيفًا: لقد كانت الإدارات الأمريكية هي من أكبر الداعمين لإسرائيل والعكس بالعكس، وهذا واضح أيضا في حالة كوبا، عندما يصوت البلدان كل عام ضد إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي.
أما فيما يتعلق بالمؤتمر الدولي السادس للتوازن العالمي فقد أشار إلى أنه يفتح الباب أمام العمل على أساس نقاش نقدي يستند إلى تجارب مختلفة تُظهر وجاهة وواقعية فكر مارتي في الوقت الحالي، كما أكد رئيس الجمهورية أن: ”المعركة من أجل توازن العالم لا ينبغي أن تنتهي اليوم مع اختتام هذا الحدث، بل إنها بدأت للتو. من أجل عالم أفضل ممكن.
كما شارك الرئيس الكوبي في ندوة: ”الحرب والهيمنة مقابل المقاومة والتضامن“، حيث نوقشت، من بين مواضيع أخرى، إستراتيجيات مواجهة حرب الاتصالات في عصر المنصات الرقمية والأبعاد النفسية للحرب في غزة، وقال الرئيس الكوبي: "لقد تحدثنا في هذه الفعالية عن الأمل، وإذا كانت لدينا قناعة بأننا سندافع عن عالم أفضل، فعلينا أن نقاوم. والدليل على هذه المقاومة هو شعب فلسطين.
وأقرّ الرئيس الكوبي بأن إلتزام كوبا تجاه فلسطين هو إلتزام تاريخي ولكن له اليوم بُعدًا أساسيًّا، وفيما يتعلق بطلاب هذا الشعب في أكبر جزر الأنتيل قال إنه يجب الحفاظ عليهم ورعايتهم لأنها محور مقاومة للحاضر والمستقبل.
أما بالنسبة للشبكات الاجتماعية، فقد تساءل عن مدى إجتماعيتها، عندما يسود العدوان والانحراف والتلاعب الإعلامي والحروب الفاشية الجديدة، مضيفًا: تُستخدم الشبكات كسلاح، وعلينا أن ندرك أننا جميعًا نتعرض للإستغلال عندما ندخلها. نحن نشارك في هذه المساحات بينما يستخدم الآخرون بياناتنا كسلعة لإثراء أنفسهم. إنهم يتلاعبون بمشاعرنا ويبيعونها“.
وحذر الرئيس الكوبي من أن الحل لا ينبغي أن يكون بالتخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي. بل : ”إنها خندق يجب أن نقف فيه للدفاع عن فلسطين وكوبا وكل القضايا العادلة. علينا أن نستخدمها بمحتوى تحرري يعبر عن قدراتنا وجهودنا، ولكن علينا أيضًا أن نخلق منصاتنا الخاصة بنا“.
وأشار إلى أنه يجب استخدام الشبكات لتعزيز التعليم والثقافة، وهما جانبان أساسيان إعتبرهما مارتي عنوانين رئيسين لتحقيق التوازن في العالم، قائلاً: التعليم يسمح لنا بتدريب الناس على التفكير النقدي، بدلا من الناقدين. إن أسوأ ما في شبكات التواصل الاجتماعي هو أن الناس يذهبون إليها بتوجه نقدي، لأنها أهداف أسهل للتسمم“.
ووفقًا لما قاله الرئيس، فإن أحد عناصر خطة الهيمنة والتلاعب هو الاستعمار الثقافي: ”إنهم يريدون أن يمحوا جوهرنا ويجعلوا ثقافاتنا تبدو بالية، حتى نتبنى نماذج ما يسمى بالحلم الأمريكي الشمالي"، ولهذا السبب أصر مارتي على أن هوية شعوبنا يجب ألا تأخذ بالنموذج الأوروبي أو الأمريكي. ويجب على كل شعب أن يحافظ على هويته الخاصة، ولكن في أمريكا اللاتينية تتلاقى هذه الهويات في العديد من الحالات وتجعلنا فريدين. بالنسبة لنا، كما يقول البطل القومي/ الراعي: "الوطن هو الإنسانية“.
وعن التضامن أشار إلى فيدل كاسترو الذي علّمنا أن الأمر لا يتعلّق بتقاسم ما لدينا من فائض وإنما تقاسم ما لدينا حتى عندما تكون الموارد قليلة.
بدورها في الفعالية، شكرت مديرة منصة الميادين باللغة الإسبانية وفيقة إبراهيم الرئيس دياز كانيل على دعمه للقضية الفلسطينية، وثمّنت موقفه في قيادة المسيرات في شوارع كوبا ضد الإبادة الجماعية في غزة، حيث كان هالدف من مداخلتها في ندوة ”الحرب والهيمنة مقابل المقاومة والتضامن“: أهمية الدفاع عن قضايا شعوبنا في عصر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر الأخبار الكاذبة. وأشارت إلى أنه في مواجهة استخدام وسائط التواصل الاجتماعي وإساءة استخدامها، تقع على عاتق الصحافة والقائمين على التواصل مسؤولية كبيرة.
وأضافت: ففي حين تنامي هذه المنصات كان مصدر تفاؤل للعديد من الأفراد والمؤسسات، بسبب التوسع في حرية التعبير، إلا أن هذا التحول جلب أيضًا مخاطر جسيمة. وقالت وفيقة إبراهيم: ”غالبًا ما أدت الأخبار الكاذبة إلى تهديد الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي في بعض البلدان“.
وذكرت إبراهيم من بين التهديدات الاستخدام المتعمد لمقاطع فيديو قديمة وكأنها تنتمي إلى يومنا هذا؛ والاستخدام المتعمد لمقاطع فيديو لأحداث في مواقع محددة وتقديمها كما لو أنها حدثت في مكان آخر؛ واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنتاج مقاطع فيديو ”من فراغ“، لا علاقة لها بالواقع.
وعلّقت الصحفية العربية اللبنانية "بأنه في عصر التضليل الإعلامي هذا، الذي أنتجه احتكار الولايات المتحدة لوسائل الإعلام، يتأثر تدفق الأخبار، ويصعب على دول الجنوب تقديم بدائل".
وقالت: ”يجب وضع استراتيجيات لتحرير بلدان الجنوب العالمي من التبعية المعلوماتية، وتوليد قدر أكبر من التواصل وتوازن البيانات“، وشددت على ضرورة وجود بدائل تكنولوجية ومنصات تسمح بالوصول إلى المحتوى دون وسطاء. وأكدت على أ:" يجب أن نتوقف عند تجربة الميادين وكيف تستفيد من دمج النشطاء والصحفيين الرقميين الذين يساعدون في تحسين التغطية رغم تعرضنا للمقاطعة وقتل زملائنا"، في فلسطين، على سبيل المثال، تطوع الناس في فلسطين ليكونوا مراسلين لشبكاتنا.
ومن هذا المنطلق والسياق، اعتبرت وفيقة إبراهيم أن من أولوياتها التحقق والتدقيق من صحة الأخبار، وهو ما يتطلب معرفة معمقة بالشبكات، حيث لا يقتصر الأمر على الأخبار الكاذبة فقط، بل على إحتكار المعلومات، وأكدت وفيقة أنه: ”علينا أن نكون حاضرين في الشبكات لنحارب ونوازن العالم وننتصر“.
واختتم السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي ورئيس الجمهورية ميغيل دياز كانيل بيرموديز المؤتمر الدولي بالدعوة إلى مواصلة الدفاع عن القضايا العادلة للشعوب وضرورة إقامة نظام عالمي جديد.
وقال الرئيس الكوبي في الحفل الختامي للمؤتمر: "نحن نقدر المشاركة في فعالية دعا إليها رجل في ذكرى ميلاده ال 172 عاماً، وهو بالفعل رجل أبدي: خوسيه مارتي “. ”فشكراً لكم لتأكيد دعمكم لكوبا بحضوركم الشخصي".
وأعرب الرئيس الكوبي عن امتنانه للتضامن مع شعب أكبر جزر الأنتيل / كوبا، الذي ”يدفع منذ 66 عاماً ثمناً باهظاً جداً لإنه لا يقدر بثمن ".
وقال إن مارتي، الذي عرّفه الاديب والمفكر ليزاما ليما بأنه السر الذي يرافقنا، هو مع المواطنين الذين يؤمنون إيمانًا راسخًا بتحقيق التوازن في العالم. بالنسبة للكوبيين، فإن الراعي/ الرسول يقودنا باستمرار، وحضوره دائم في كل مكان من تمثال نصفي في مدرسة أو مكان عمل إلى الإبهار الذي تسببه أبيات قصائده في من يقرأه منا.
وأشار دياز كانيل إلى المحرقة الفلسطينية على يد إسرائيل، وإضطهاد آلاف المهاجرين في الولايات المتحدة، وأدان إرسال المبعدين إلى قاعدة غوانتانامو البحرية غير الشرعية على الأراضي الكوبية: ”لن نبقى صامتين أمام العار، ولن نفقد الأمل في التحسن الإنساني.
وذكّر بمارتي، عندما قال: "إن معركتنا ستكون من أجل العدالة وليس الانتقام، وعندما حذّر من خطر إمبراطورية حديثة مستعدة لاكتساح ميزان الحضارة"، مضيفًا أن السلوك العدواني للولايات المتحدة يهدد السلام الدولي، لا يمكن تجاهل هذا الواقع. فالقوى السياسية المهيمنة تتبنى الأفكار الفاشية التي ركزت البشرية على القضاء عليها منذ القرن الماضي. هذه التيارات هي ثمرة الرأسمالية".
وأضاف الرئيس "بأن النظام الدولي الذي تأسس بعد نهاية الحرب العالمية الثانية هو وريث الاستعمار الذي يسعى إلى إثراء نفسه على حساب تخلف المستعمَرين". وأنه ”لم يعد الأمر يتعلق فقط بالاحتلال الإقليمي المباشر، بل بالسيطرة على الأسواق والموارد الطبيعية والتكنولوجيا والمعلومات" .
- ووفقًا لما قاله الرئيس الكوبي : "لا تسعى النخب إلى تحقيق أقصى قدر من الأرباح فحسب، بل تسعى أيضًا إلى تعزيز هيمنتها. وهذا هو جوهر النظام الدولي الذي تتسع فيه الفجوة بين الأغنى والأفقر بدلاً من أن تتقلص"
كما أعرب رئيس كوبا عن قناعته بأن عالما أفضل هو ممكن، حيث تساهم جميع الدول وتمثل على قدم المساواة. نظام يسود فيه احترام حق كل دولة في اختيار نظامها دون تدخل. ”وهذا يتطلب الوحدة وزرع الأفكار وزرع الوعي“.
وفي الحفل الختامي، تلا ممثلو المنابر ومجموعات العمل المختصة التي شاركت في هذا المؤتمر، بيان إتفاق مشترك عام يتضمن بيانات إتفاق كل منبر.
وبرزت أهمية ألاخوة بين الشعوب في النضال من أجل عالم متعدد الأقطاب، وضرورة الدفاع عن حقيقة وواقع كوبا في مواجهة السياسة الأمريكية المعادية وإدانة الإبادة الجماعية في فلسطين والدفاع عن حرية بورتوريكو ومعارضة توسيع القواعد العسكرية وأهمية بقاء أمريكا اللاتينية و الكاريبي منطقة سلام.
ونظرا لنجاح هذا المؤتمر وإهتمام المشاركين في مختلف المواضيع التي تشكل المؤتمر، فقد تقرر بدء العمل على تنظيم المؤتمر السابع للتوازن العالم الذي سيعقد مرة أخرى في هافانا في الفترة من 26 إلى 30 يناير/كانون الثاني 2027.