يستيقظون مفزوعين، كأن الصاروخ الأخير ما زال يهوي،
كأن الركام لم يهدأ بعد، يتساقط فوق رؤوسهم مرةً بعد مرة،
كأنهم ما زالوا عالقين تحت الأنقاض،
بين جثث لم تُنتشل، وأسماء لم يُنطق بها للمرة الأخيرة.
الخروج من المجزرة لا يعني أنك نجوت،
فالناجون مجرد شهداء مؤجلين،
يجرّون أقدامهم فوق أرضٍ لم تعد أرضًا،
يمشون على الحطام كأنهم يبحثون عن شيءٍ فقدوه هناك،
ربما صورةٌ لم تُحترق بالكامل،
ربما ظلّ جدارٍ يشبه بيوتهم،
ربما صوتٌ يعرفونه وسط هذا الخراب.
كل شيءٍ مفتوح على الفقد،
الأبواب مشرعةٌ على غرفٍ بلا سقوف،
الجدران تحمل آثار الأجساد التي التصقت بها للحظةٍ قبل أن تتلاشى،
والهواء مشبعٌ برائحة الموت،
برائحة النداء الأخير الذي لم يصله ردّ،
"أمي..." لكن الصوت انقطع،
"انتظروني..." لكن لا أحد انتظر.
في النهار، يبحثون عن بقايا وجوهٍ بين الحجارة،
عن يدٍ صغيرة لم تكمل لعبتها،
عن رائحة الخبز العالقة في ذاكرة شارعٍ لم يعُد موجودًا.
لكن المدينة فقدت رائحتها،
فقدت أسماءها، فقدت أهلها،
لم يبقَ منها سوى رمادٌ يشبههم،
يشبه أرواحهم التي احترقت ولم تنطفئ.
وفي الليل، حين يسكن القصف قليلًا،
حين تتوقف الطائرات عن نزع الأرواح،
تخرج الأشباح، تجلس على حافة الأسرة الفارغة،
تسأل الباقين: "لماذا لم تلحقوا بنا؟"
لكن لا أحد يجيب،
لأن من بقي، بقي بالصدفة،
والحياة هنا ليست حياة،
بل مجرد انتظارٍ لجولة أخرى من الفناء.
المجزرة لم تنتهِ،
المجزرة لا تنتهي أبدًا.