عاد الطلاب إلى مقاعد الدراسة في قطاع غزة بعد انقطاعٍ دام قرابة عامٍ ونصف، نتيجة العدوان "الإسرائيلي" الذي ألحق دمارًا واسعًا بالمنظومة التعليمية، مستهدفًا المدارس وإخراج العديد منها عن الخدمة، فضلًا عن تحويل معظمها إلى مراكز إيواء للنازحين، ومع ذلك شكّلت عودة الطلاب إلى الدراسة، سواء في خيامٍ بسيطة أو في مدارس أُعيد ترميمها جزئيًا، بارقة أملٍ وارتياحًا كبيرًا لهم، بعد حرمانٍ دام لعامين.
افتُتح العام الدراسي في المحافظة الوسطى، كونها الأقل تضررًا من العدوان، حيث أُجريت إصلاحات وتجهيزات في بعض مدارسها لاستقبال الطلبة وبدء عام دراسي جديد، بهدف تعويضهم عمّا فاتهم خلال عامين دراسيين متتاليين بسبب الحرب. ومن المقرر أن تُعقد الاختبارات النهائية في يونيو المقبل، بما يتماشى مع الخطة التعليمية التي وضعتها وزارة التربية والتعليم في غزة.
وتأتي عودة الدراسة ضمن المبادرة التعليمية التي انطلقت مرحلتها الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واختُتمت في نهاية يناير/كانون الثاني، مستهدفةً طلبة الثانوية العامة الذين كان من المفترض أن يتقدموا للاختبارات النهائية في يونيو/حزيران 2024.
في مدرسة الأجيال الفلسطينية بحي الشجاعية، شرق مدينة غزة، تكتظ الفصول الدراسية بالطالبات اللواتي يأتين من مختلف أنحاء المنطقة، رغم معاناتهن من أوضاعٍ مأساوية وظروفٍ غير إنسانية تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة، نتيجة آثار العدوان. ويشارك المعلمون في تدريس المنهاج المقرر خلال الأيام المقبلة، في محاولة لتعويض ما فُقد من العملية التعليمية.
الطالبة نسرين العف، التي كانت تخشى خسارة أعوام دراسية إضافية بسبب قلة الإمكانات، تقول لـ "بوابة الهدف": "كان الخوف يلازمني كلما فكرت في العام الدراسي القادم، خاصةً أنني كدت أنسى ما تعلمته على مدار الأعوام السابقة، لكن مع إعلان الوزارة عن العودة إلى مقاعد الدراسة، شعرت بفرحة كبيرة وراحة نفسية، لأن عامًا دراسيًا آخر لن يضيع، وعاد لي الأمل بمستقبل أفضل رغم كل ما عشته بسبب الحرب."
وتضيف العف بحزن": "الجانب الأكثر ألمًا في عودتي إلى الدراسة هو فقداني لزميلاتي وأساتذتي، في كل عام دراسي، كنت أستقبلهم بفرح ونتعاون معًا، لكن هذا العام مختلف، كما أن المدرسة لم تعد مجرد مكانٍ للتعليم، بل أصبحت بيتي الأول والثاني، بعدما لجأنا إليها إثر قصف الاحتلال لمنزلنا، حيث فقدتُ معه كل ذكرياتي."
أما الطفلة ليان جندية، تشير إلى أنّ استئناف التعليم رغم الدمار والمعاناة شكل بارقة أمل في طريق حلمها لتكون في المستقبل طبيبة، مبينةً أنّ العدوان كان أليماً وصعباً وقاسياً علينا كأطفال حيث كانوا يستهدفوننا في مراكز الإيواء وفي الطرقات وفي كل مكان نكون فيه.
أما الطفلة ليان جندية، فتؤكد لـ "الهدف"، أنّ "استئناف التعليم، رغم الدمار والمعاناة، شكّل بارقة أمل في طريق تحقيق حلمها بأن تصبح طبيبة في المستقبل"، موضحةً أنّ "العدوان كان أليماً وصعباً وقاسياً على الأطفال، حيث استُهدفوا في مراكز الإيواء، وفي الطرقات، وفي كل مكان وجدوا فيه".
وتشير جندية، إلى أن الاحتلال لم يكتفِ بتدمير المؤسسات التعليمية، بل استهدف المدارس وقتل المعلمين والطلاب، إلى جانب تدمير مقومات الحياة، في محاولة لمنعهم من العودة إلى الحياة مجدداً، ومع ذلك فإنّ إصرارهم على استكمال دراستهم هو بمثابة تحدٍّ واضح، يؤكد أن ما يسعى إليه الاحتلال ليس سوى وهم، مبينةً أنّها عازمة على التغلب على كل الصعوبات والمعوقات التي تواجهها، مثل انقطاع الإنترنت والاتصالات والتيار الكهربائي، كي تواصل دراستها وتحقق طموحها.
وفي غضون ذلك، الطالب محمد مهنا، يبين في حديثه لـ "الهدف"، أنّ عودته إلى الدراسة انتشلته من حالة الغرق التي عاشها طوال فترة الحرب، خاصة في ظل انعدام الآفاق لمستقبله، قائلاً: "سنواصل التعليم رغم الدمار الهائل والخراب الذي لحق بالبنية التحتية التعليمية، فالاحتلال يسعى إلى تجهيلنا وطمس الحقائق، لكننا لن نستسلم لهذا الواقع".
ويلفت مهنا، إلى أنه بدأ بجمع الكتب والملاحق الدراسية فور إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير الماضي، عازماً على استكمال تعليمه، مطالباً بالاستمرار في العملية التعليمية، وإعادة تأهيل المدارس التي دُمّرت، وإنشاء مخيمات تعليمية تستوعب جميع الطلاب، لضمان إكمالهم لمراحل التعليم المختلفة.
أما المواطن أكرم عبيد، الذي يقطن في شمال القطاع، فيرى أنّ عودة أبنائه إلى مقاعد الدراسة أمر في غاية الصعوبة، نظراً لتدمير المدارس المحيطة به بشكل كامل، داعياً إلى توفير خيام تعليمية كبديل يجعل العملية التعليمية أكثر جدوى من التعليم الإلكتروني، الذي يعاني منه معظم الطلاب بسبب افتقار شريحة واسعة من المواطنين للهواتف الذكية، إلى جانب الانقطاع المستمر لخدمات الإنترنت والكهرباء.
وزارة التعليم بغزة تعلن انطلاق العام الدراسي الجديد رغم التحديات
بدورها، أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في قطاع غزة، يوم أمس الأحد، انطلاق العام الدراسي الجديد 2024-2025، مؤكدةً أنّه يبدأ في ظل ظروف استثنائية فرضتها حرب الإبادة على غزة، وما خلفته من دمار هائل ونقص كبير في الموارد والإمكانات.
وجددت الوزارة في بيانٍ لها، التزامها التام بضمان حق التعليم لجميع أبناء الشعب الفلسطيني، موضحةً أنّ العملية التعليمية ستستمر عبر المدارس التي لا تزال قائمة أو التي تم ترميمها وتجهيزها، بالإضافة إلى المدارس والنقاط التعليمية البديلة التي تم إنشاؤها في عدة مناطق، مبينةً أنّها تعمل على توفير خيار التعليم عن بُعد للطلاب الذين يتعذر عليهم الحضور إلى المدارس، حرصًا على استمرار مسيرتهم التعليمية في ظل هذه الأوضاع الصعبة.
وناشدت الوزارة العائلات الفلسطينية النازحة إلى المدارس بتمكينها من جميع الغرف الصفية، لضمان استغلالها لخدمة الطلاب، داعيةً كافة المؤسسات الدولية والأممية المعنية بحقوق الإنسان، وخاصة الحق في التعليم، إلى القيام بواجبها تجاه قطاع التعليم، والضغط على الاحتلال للسماح بدخول مواد إعادة الإعمار، والقرطاسية، والأثاث المدرسي والمكتبي، وكافة المستلزمات الضرورية لضمان استمرار العملية التعليمية.
مدير التربية والتعليم بالوسطى: العام الدراسي ينطلق وفق خطة تعويضية
من جانبه، أكد مدير مديرية التربية والتعليم في المحافظة الوسطى، محمد حمدان، أنّ العام الدراسي الجديد انطلق بعد استكمال التجهيزات اللازمة بالتعاون مع البلديات، موضحاً أنّ "العملية التعليمية في محافظتي غزة والشمال ستتم داخل خيام، نظراً لتدمير غالبية المدارس والمراكز التعليمية، أو استخدامها كملاجئ للنازحين الذين فقدوا منازلهم خلال العدوان".
وأشار حمدان، في مقابلة له، إلى أنّ عودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة تأتي ضمن خطة وضعتها وزارة التربية والتعليم لمعالجة آثار العدوان، وتشمل تعويضهم عن العام الدراسي 2023-2024"، مؤكداً أنّ تجهيز المدارس يجري وفق الإمكانيات المتاحة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع، ولافتًا إلى أنّ الدوام المدرسي سيكون جزئياً، بواقع ثلاثة أيام أسبوعياً، لضمان التحاق أكبر عدد ممكن من الطلاب.
كما أوضح حمدان، أنّ الخطة التي أعدتها الوزارة تهدف إلى جعل العملية التعليمية أكثر مرونة، بحيث لا يكون الطلبة بحاجة إلى مبانٍ مدرسية كاملة، مما يسهم في استمرار التعليم رغم التحديات الجسيمة.
الأمم المتحدة: تدمير شبه كامل للمدارس في غزة وتعافي التعليم مرهون بإنهاء الحرب
من جهتها، أكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في التعليم، فريدة شهيد، أنّ "أكثر من 90% من مدارس غزة تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، ولم تعد صالحة للعمل"، موضحةً أنّ "هذه المدارس تعرضت لهجمات متكررة، حتى بعد أن أصبحت ملاجئ للمدنيين".
وشددت شهيد، في تصريحها، على أنّ تعافي النظام التعليمي في غزة يعتمد بالدرجة الأولى على إنهاء الحرب والاحتلال، واصفةً ما شهده قطاع التعليم في ظل الحرب "الإسرائيلية" بأنه "إبادة".
وأشارت المقررة الأمميةـ إلى أنّ" كافة جامعات القطاع تعرضت للتدمير، بالإضافة إلى قصف 13 مكتبة، وتدمير الأرشيف المركزي بالكامل، الذي كان يحتوي على 150 عاماً من تاريخ غزة"، مبينةً أنّ "التعليم لا يقتصر فقط على اكتساب المهارات، بل يشمل أيضاً تطوير فهم الذات، وتعزيز الهوية الجماعية، والتواصل المجتمعي، والمضي قُدماً في تحقيق الوحدة الاجتماعية".
وأوضحت شهيد، أنّ الحل يكمن في إنشاء برامج منح دراسية واسعة النطاق للطلبة الفلسطينيين، مع الاستفادة من المعرفة والخبرة التي يمتلكها الفلسطينيون المتعلمون في الشتات.
وتسبب العدوان الصهيوني على غزة في حرمان أكثر من 785 ألف طالب وطالبة من مواصلة تعليمهم في مختلف المراحل الدراسية، كما دُمرت 137 مدرسة وجامعة تدميراً كاملاً، فيما تضررت 357 مدرسة وجامعة جزئياً، وبلغ عدد الشهداء من الطلاب 12,800 طالب وطالبة، فيما استشهد نحو 760 معلماً وموظفاً تربوياً في سلك التعليم، بالإضافة إلى ذلك، أعدم الاحتلال 150 عالماً وأكاديمياً وأستاذاً جامعياً وباحثاً، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.
وبين المكتب، أنّ مئات المدارس تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين الذين كانوا يفرون من القصف الصهيوني، ظناً منهم أن تلك المدارس ستكون ملاذاً آمناً لهم، كما وصلت قيمة الأضرار والخسائر في قطاع التعليم بفعل العدوان إلى أكثر من 2 مليار دولار.
في ظل هذه الظروف الصعبة، تستمر الجهود لتحسين العملية التعليمية في قطاع غزة، ومحاولة توفير الإمكانات اللازمة لدعم الطلاب وتشجيعهم على متابعة دراستهم، رغم التحديات الجسيمة التي يواجهونها جراء العدوان الأخير.