في أجواء حرب السرديات، التي تسود المشهد السياسي والثقافي، وايمانا منها بأهمية معركة الوعي لمواجهة الإبادة الثقافية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في كل مكان، اختارت أكاديمية دار الثقافة أن تناقش الإصدار الجديد للباحث منذر خلف والذي أصدرته الدار بالتعاون مع دار الفارابي، وذلك في مكتبة الأكاديمية بحضور أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني، وأيضاً الباحث في الشؤون الاسرائيلية الأسير المحرر نبيه عواضة. وقد حضر الجلسة باقة من المثقفين والاعلاميين والصحفيين والشباب القارئين.
وقد قدمت الجلسة الزميلة تغريد عبد العال، متحدثة عن أهمية نقاش هذه الأبحاث الفكرية في الأكاديمية، قائلة في كلمتها: لهذا نستعيد الوعي في زمن صهر الوعي، لأن شهيد الحرية والوعي وليد دقة، علمنا أن الزمن الموازي، عليه أن يبحث عن سر الزيت، في أشجار المعرفة وسر السيف في المعركة وسر الطيف في أوج الليل.
وأضافت :"هكذا أصبحت المعركة مع المستعمر هو دراسة معنى التحرر ثقافياً وفكرياً في خضم محاولات العدو للسيطرة على الذهن، والجغرافيا والتاريخ والمكان، وتحويل فلسطين إلى سجن كبير يشبه السجن الصغير، وكأنه مجاز للعزل والقتل والسيطرة وقتل الزمان قبل المكان".
مشيرة : " أن الباحث قام بتفكيك نظرية الاستعمار، الذي هو نظام احتلالي احلالي استعماري، وهو يختلف عن نظام الفصل العنصري، أو دولة الآبارتايد."
واستمع الحضور لتسجيل صوتي يخص شقيق الأسير منذر خلف ( نضال خلف) الذي تحدث فيه عن نضالات الأسير ووضعه في السجن، وشكر الحضور على الاهتمام بكتابه.
مداخلة د. حسن جوني:
أما أستاذ القانون د.حسن جوني فقد أشاد بهذا البحث العميق الموسوعي والشامل، واعترف أنه لم يستطع اكماله. وأنه أيضا احتار في تصنيفه بين الفكر والانثروبولوجيا والسياسة والتاريخ والروايات. وأنه يشعر بالضعف عندما يتحدث عن أسير، وأنه حين طلب منه الحديث عن هذا الكتاب وفي المخيم اعتبرها مهمة نبيلة لأنه اذا زار المخيم فكأنه زار فلسطين.
تحدث د. حسن عن المعاناة والألم الانساني الذي جعل هذا الباحث يهتم بتفاصيل انسانية بحتة آتية من تجربة انسانية عميقة تحت الاحتلال.
وهو أيضا عرف كيف يوظف كل المراجع الفكرية الغربية ويعرف كيف يستشهد فيها. وأنه يمتلك أدوات البحث العلمي الحقيقية التي تخوله كي يعتبر بحثه أطروحة دكتوراه.
وأضاف أن لا وجود في البحث لأي شرح لقضايا التعذيب والقهر واجواء السجن، فالباحث لا يتناول المسائل بطريقة شخصية، بل بطرق بحثية موضوعية رغم أنه يمتلك روح السرد الشيق، فهو أيضاً روائي.
وأيضاً أشار الدكتور حسن جوني، ألى ميثاق الشعوب الافريقي الذي يركز على حقوق الشعوب وليس فقط على حقوق الانسان. فهناك جملة أعجبته جدا في البحث، وهي أن "لا معنى لحقوق الانسان دون حرية الشعوب".
الباحث نبيه عواضة:
أما الباحث الأستاذ نبيه عواضة فأشار أن تجربة النضال داخل المعتقل مختلفة تماما، وأصبحت في هذه الأيام أصعب أيضا، وأن ما يسمى حقيقة بأدب سجون كان يتمحور في السابق حول تجربة الاعتقال والأسر.. أما حاليا فهو يتمحور حول فكرة الحرية.
لكن لماذا يختلف النضال يختلف داخل السجن؟ لأننا كنا دائما نرى أن تجربة الاعتقال هي مرحلة متقدمة من النضال.
وكنا دائما نتساءل: هل الاعتقال هو المرحلة المتقدمة من النضال؟ وكانت هناك أسئلة مهمة ومختلفة جدا عن الأسئلة خارج السجن، فمثلاً كنا دائما نتساءل، هل الاضراب عن الطعام والاحتجاجات يستمر دون التعاطي مع الكيان؟ وكان وليد دقة هو الذي يقدم هذه الاعتراضات للسجان، كونه هو المتمكن من اللغة العبرية. واليوم تجاوز أدب الأسرى هذا النقاش، وأصبح جزءا من الصراع العام ضد المحتل.
ففي فكر وأدب الأسرى ما يردنا حقيقة إلى أصل الصراع مع المحتل، وكتاب صهر الوعي لوليد دقة وهذا الكتاب الذي بين أيديكم شاهد على ذلك.
الأستاذ أنيس محسن
وقد لفت الأستاذ أنيس محسن( سكرتير تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية) إلى أهمية فكر وأدب الأسرى حاليا وإن الاكتشاف الأهم في فكر السجون هو ما أشار إليه وليد دقة في الجغرافيا السادسة، وكل الجغرافيات في فلسطين هي مفترضة وملموسة. وما أنتجه السجن من فكر يكاد يضاهي ما أنتج خارج السجن أو يوازيه في الأهمية. وإن نضال الشعب الفلسطيني ليس بشكل واحد إنما على كل الأصعدة والاحتمالات.
مروان عبد العال
أما الروائي والفنان التشكيلي مروان عبد العال فقد أشار إلى أهمية الاهتمام بأدب الأسرى، ملفتا أن كتاب منذر ليس سهلا في التحرير والطباعة والنشر نظرا إلى أنه خرج من السجن. وهذا الكتاب هو بحث علمي في هندسة المكان والزمان في الوعي الفلسطيني وأيضا بحث استشرافي لنوايا العدو، وستجدون أن المعركة مع العدو هي معركة تحرر ثقافي سياسي معرفي، تماما كما تحدث الأسير المحرر وائل الجاكوب في حواره.
أحمد الصباهي:
وأشار الاعلامي الزميل أحمد الصباهي الى كتاب ايلان بابيه: أكبر سجن على هذه الأرض، الذي يتحدث فيه بابيه عن فلسطين كسجن بناه واعاد هندسته المحتل.
وأن اسرائيل هي أكثر دولة في العالم تخالف القانون الدولي. وكان له سؤال للأسير المحرر نبيه عواضة: كيف يشعر سجين تحت التعذيب بكل ما يحدث من الخارج وبكل هذا الاهتمام؟
وكانت هناك أسئلة أيضا من الأستاذ عارف أبو خليل، ومداخلة مهمة للشاب الفنان محمد المحمد حول التفكير المعاصر بالتحرر من الاحتلال الفكري الجديد والذكاء الاصطناعي، وأما الزميلة سارة ياسين فاختتمت اللقاء بسؤال آخر : لماذا لا يشعر من هو في الخارج بألم الانسان في السجون وفي أماكن كثيرة في العالم؟