ربما لسنوات طويلة لن يتذكر أحداً أن لمخيم اليرموك ومكاتب المقاومة الفلسطينية دوراً في المسرح الفلسطيني والسوري، لن أعود للتاريخ البعيد حول علاقة مخيم اليرموك وفصائل المقاومة بالثقافة سواء الفلسطينية أو السورية أو العربية، فمخيم اليرموك لعب دوراً سياسياً وثقافياً ومسرحياً وسينمائياً. ففي العام1996، قام الفنان سامر المصري والمخرجة رولا الفتال في إجراء البروفات لمنو دراما" إسماعيل هاملت" في قاعة منتدى غسان كنفاني خلف المدارس في مخيم اليرموك وقدم العرض على مسرح نقابة العمال في دمشق.
وفي العام ذاته جرى تكريم الفنان المسرحي السوري سعد الله ونوس في ذات المنتدى بمناسبة مرور أربع وعشرين عاماً على استشهاد الأديب غسان كنفاني تليت فيه كلمة للدكتور الراحل جورج حبش قال فيها" حين نكرم سعد الله ونوس، فإننا نكرم أولاً تاريخ الثقافة الوطنية كلها ذلك أن سعد الله ونوس امتداد منير لهذه الثقافة في أجمل صورها (...) وفي تكريم سعد الله ونوس تكريم للعقل الفاعل والمستنير".
وبمناسبة هذا التكريم كتب الراحل سعد الله ونوس كلمة ألقاها الكاتب الدرامي والقاص حسن. م. يوسف، قال فيها:" منذ أصابتني محنة المرض، وأنا أحاول بكل ما أملك من طاقة ألا أجعل المرارة تغيم على روحي، وتسد منافذ التجلد والمقاومة في داخلي. وأستطيع أن أقول إن هذه المحاولة قد نجحت جزئياً. وإني أواصل العمل والحياة بأقل قدر من المرارة. والرثاء للنفس، ولكن كيف يمكن أن أنجي شعور المرارة حين يحول المرض دون ألبي دعوتكم الجميلة، ودون أن يتاح لي أن ألتقي بكم، وأن أستمد من حماسكم وعزماً على مواصلة الحياة والعمل".
وبعد ذلك قدم المسرحي بسام سفر مادة أدبية على شكل حوار متخيل بين سعد الله ونوس وغسان كنفاني.
وفي العام2006، جرت بروفات مسرحية رسائل سريعة لفرقة نداء الأرض من تأليف الروائي والكاتب الراحل وليد عبد الرحيم ومن إخراج بسام سفر في النادي العربي ومسرح سينما النجوم، وفي مدينة أبناء الشهداء في عدرا بريف دمشق ومن إنتاج نادي فتيات فلسطين، وقدمت على مسرح معرض دمشق الدولي في مدينة المعرض القديم, وشارك فيها الراقصين "أحمد الأبطح، جمال زعيتر، حنين الماضي، راشد البدوي، رشا الوزير، رشا عبد العزيز، روان عبد الحليم، سعيد البدوي، ضياء شحرور، عبد الله أبو زهرة، فرح حلاق، ماهر الأبطح، ماهر البدوي، محمود بدرة، نسرين السيدة، هديل أبو زهرة، وفاء الأبطح، وفاء المدني و وسام سليمان".
والأطفال "أحمد السيدة، إسماعيل السيدة، صفاء الأبطح، عهد الماضي، عمر دياب، رند سفر، رهف المدني و يوسف أبو زهرة".
وضيوف المسرحية "بسام ناصر، شذا و مهند ورد", وشارك في التمثيل" خالد السهلي و صابر سيدة".
والرسائل بدأت بمشهد بناء أول بيت في تاريخ البشرية في أريحا، وانتهى باغتيال الرئيس عرفات الذي مثل للفلسطينيين مسيحاً آخر جسد صورة الصمود حتى الصلب، فقد أريد بقتله صلب الروح الفلسطينية العميقة والمستديمة".
أما مسرحية "سوكة" التي قدمت على مسرح حلوة زيدان في مخيم اليرموك من قبل المخرج المسرحي والممثل الراحل حسان حسان تتناول مجموعة من الإشكالات التربوية الإنسانية من عدة زوايا أهمها علاقة الأسرة بالابن المراهق سواء كان شاباً أو فتاة، وعلاقة الشباب بعضهم ببعض إذ كانت علاقة صداقة أو زمالة بين فتاة وفتاة بين شاب وشاب، وعلاقة الشباب بالفتيات.
ركز العرض على علاقة الشباب بالفتيات والسير وراء الطالبات وهن في طريقهن إلى المدرسة أو منها واختيار موقع السوكة أمام المدرسة الثانوية التي تجري فيها أحداث المسرحية فهو دليل على جوهرية ومركزية علاقة المراهق الشاب بالمراهقة الشابة.
في المسرحية تفشل جميع محاولات الشباب لإقامة علاقة مع أي من الفتيات ويتفرق شباب السوكة في دفعة من الأجيال المدرسية، ويحل مكانهم شباب جيل دفعة مدرسية ثانية.
أضاء العرض على المكان كبطل لنسج العلاقات الفاشلة والعابرة من الزوايا الأسرية الاجتماعية حيث تعيش هذه الأسر على عدم التواصل والحوار بين الأجيال. فالآباء والأمهات في هذه الأسر لا تقوم علاقاتهم مع أبنائهم وبناتهم على الحوار والتواصل، وإنما تقوم على الأوامرية الأسرية بينما سرد العرض التفكك الأسري.
وكان حضور جمهور مخيم اليرموك لأيام العرض يوضح مدى توق وشوق هذا الجمهور للمسرحيات التي تتحدث عن الموضوعات الاجتماعية التي تمس المجتمع المحلي في المخيم.
وشارك في العرض من فناني المخيم( خالد الطنجي، وسام جوهر، حلا دورية، ليالي عردات، سهاد برديني، أحمد نوفل و وسلا دودية)، وعمل على ديكور العرض رامي عباس وفادي خطاب.
ومن العروض التي زارت مخيم اليرموك بمناسبة القدس عاصمة الثقافة العربية ضمن احتفاء دمشق بالقدس مسرحية مأساة "أبو حليمة" التي قدمها الفنان المقدسي إسماعيل الدباغ، وقدمت على مسرح المركز الثقافي العربي في مخيم اليرموك الذي قال:" أنا أطول أن أعرض لأولاد بلدي, هذا حلم قديم يا أستاذ".
يبدأ العرض المنودرامي من خبر إذاعته محلية في الضفة الغربية يقول :"أطلقت عصابات الإرهاب الصهيونية صواريخها( شاس1، وشاس2، وشاس3) على البلدات الفلسطينية فيما قامت الدبابات الفلسطينية بالرد عليها وتدخل في هذه المعركة الأباتشي المصرية واستخدام في الهجوم صواريخ( لاو) السودان ية. ومازالت المعارك مستمرة، وسنوافيكم بكل جديد. فيرد على المذيعة بالقول:( سيبتي ركبي الله لا يوفقك. كنت راح صدقك قال أباتشي مصرية، ولاو سودانية،إحنا وين عايشين؟!. يتفاعل الجمهور مع هذه الكلمات ويطلق الضحكات.
يسرد أبو حليمة يوميات الفقر التي عاشها في المخيم وحكايته مع الحذاء الذي لم ينتعله يوماً حتى الوصول إلى الخدمة الإجبارية في جيش التحرير الفلسطيني. لكن مدرس الرياضيات في مدرسته بالمخيم يوبخه بلهجة آمرة ويطلب منه:( خل ينعلك من النعل)، ويطلب السمان أبو عباس من أبي حليمة (خل أبوك يستر أجريك)، وينتقل الدباغ من حالة الشكوى إلى سرد علاقته بالأحذية في واجهات المحلات عبر حالة العشق والهيام تجاه (الكندرة) الكمونية التي رآها في أحدى الواجهات.
وكان يلقي التحية عليها وهو مسرع في ذهابه إلى المدرسة، وكم كان شعوره محبطاً عندما شاهدها في قدم أبن المختار، وأطلق اسم عملية الاغتصاب على شراء ابن المختار لهذه الكندرة الكمونية، ويسرد ما قاله قائده وهو يلمع له حذاءه بعد حرب حزيران1967:" هل تعرف ليش انهزمتوا بالحرب؟.
- ليش سيدي.
-لأنكم ما كنتوا متوضيين؟.
- يعني سيدي اليهود كانوا متوضيين؟."
بهذا الرد يطرد الضابط أبو حليمة من المكتب. وينفجر جمهور المركز بالضحك. أن عرض أبو حليمة من فرقة (مسرح الرواة/القدس)، مأخوذة عن قصة للكاتب طه علي، وأعد النص الشاعر نجوان درويش، سينوغرافيا نيرمين الدباغ وإخراج الإسباني الفلسطيني جاكوب إيمو.
وقدم المخرج زهير البقاعي والكاتب الفلسطيني عدنان كنفاني، والممثل تاج الدين ضيف الله عن الهم المقدسي حيث عمل المتطرفون الصهاينة على تهويد الأماكن المقدسة التي يدعون حسب التلمود أنها أماكن عبادة لهم.
وأظهر العرض غلاة المتطرفين من أقصى أركان اليمين الصهيوني في حكومة (نتنياهو في العام2009)، لاستكمال تهويد المدينة المقدسة عبر طرد المزيد من العائلات الفلسطينية المقيمة في القدس الشرقية عبر سيرة عائلة أبو هيكل" التي يسردها الأب لحظة انتظار" عودة الابن يوسف" الذي ذهب إلى القدس لكي يأتيه بفاكهة الجوافة التي يحبها وتحب فاطمة " أم هيكل" رائحتها.
ويعرض" تاج الدين ضيف الله، أبو هيكل" كيف يستطيع الشباب الصغار الوصول إلى القدس وضرب جنود الاحتلال بالحجارة.
وينبش ذاكرته حكايا للأطفال عن دور الحجر التاريخي في انتفاضة العام1988، وكيف صنع منه الإنسان الفلسطيني سلاحاً في وجه الاحتلال الصهيوني واستخدامه في صناعة البيوت في القدس الشرقية التي كان منه بيته القديم في حارة الشرف، ويرد على دعوة الابن هيكل لهجرة مدينة القدس والأراضي الفلسطينية بالقول:" كيف بدي هاجر وأنا دمي وروحي بها الأرض، لمين بدي اترك الوطن، وسور عكا أنا بيدي بنيته، وبحر عكا بدمي سقيته، وجاني مكتوب ما قرأته".
لكن ردت فعل المتطرفين الصهاينة كانت بتجريف بيت أبو هيكل والاستيلاء عليه، إذ حاول مقاومة الجرافة وجنود الاحتلال حيث هبطت أعقاب البنادق على ظهره ورأسه تكفلت بإخراجه محمولاً خارج منزله لتقوم الجرافة بفعلها، وتفارق الحياة فاطمة بعد خمسة شهور من مفارقتها منزلها في القدس.
إن لمخيم اليرموك ذاكرة مسرحية أكبر بكثير مما سردناه تعود لعروض المنودراما التي قدمها الفنان الفلسطيني زيناتي قدسية في أكثر من عرض، ومسرحيته الشقيقة التي قدمها الراحلان "عبد الرحمن أبو القاسم والراحل المبدع غسان جباعي. وكذلك للفرق المسرحية الراقصة مثل "إنانا"، التي قدمت الكثير من العروض وكانت تدريباتها وغيرها من الفرق في صالات ومكاتب المقاومة الفلسطينية في المخيم.
كل التحية والذكرى الطيبة لفناني المخيم اليرموك في كافة صنوفهم المسرحية بما فيها الفرق الفنية الراقصة.