شارك عرب وفلسطينيين، في منافشة ضرورات الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني في ظل اضطرابات المنطقة، فتحت هذا العنوان نظمت دولة الاحتلال مؤتمر هرتسيليا السنوي أحد ابرز المؤتمرات المختصة بالأمن الصهيوني، والذي ينعقد بمشاركة نخبة هذا الكيان وقياداته الأمنية والسياسية، ويختص بمناقشة درجة مناعة الكيان الصهيوني في وجه التهديدات.
المشاركة العربية والفلسطينية لم تكن منفصلة عن سياق من تعجيل نسج العلاقات وفتح الخطوط مع الكيان الصهيوني، وكسر كل خطوط المقاطعة لهذا الكيان، فمنذ أيام فقط ، كان الكيان قد حصل على تصويت 4 من الدول العربية في الامم المتحدة لمصلحة رئاسته للجنة القانونة فيها، وظهور الاديب العربي أمين معلوف على التلفزيون الصهيوني.
قد يكون الزمان الذي كان بالامكان فيه حصر حوادث التطبيع وملاحقتها قد ولى، فاليوم من اليسير تعداد الاف الشواهد عن مضي عدد من الدول العربية بين السر والعلن في اجراءات للشراكة الامنية والسياسية مع هذا الكيان، وتورط اكبر من اطراف فلسطينية عدة في علاقات واسعة مع الكيان.
فعلياً لا تبرير لهذه المشاركة وما يشبهها، إلاّ استمرار الرهان على خيار المفاوضات المدمّر وحسن العلاقات مع "إسرائيل"، والتخيل أن هناك رسالة يجب أن يحملها الفلسطيني أو العربي لصانع القرار الصهيوني هو تصور ثبت فشله وكارثيته منذ كامب ديفيد الأولى، بل وازداد اتضاح هذا الفشل مع كل انتكاسة مرت بها "مسيرة التسوية"، وجولات التفاوض المارثونية، وكذلك فكرة مخاطبة الصهيوني المدجج بالسلاح بهدف اقناعه او احراجه بشيء ما حول حقوقنا، في تجاهل فج من أصحاب مثل هذه الممارسات لابسط قواعد السياسة، وللتحول الجاري في "المجتمع الإسرائيلي" بغالبيته صوب التطرّف والفاشية ونكران أي حقٍ من حقوق الشعب الفلسطيني، وذلك بالتوازي مع كل رهان وتنازل أقدم عليه العرب والفلسطينيين في سياساتهم ومبادراتهم المطلوب تكييفها بالكامل مع المنظور "الإسرائيلي" لحل الصراع.
فكل هذا يأتي في الوقت الذي يُصعّد فيه العدو من سياساته القمعية تجاه الكل الفلسطيني في الضفة و غزة وال48 والشتات، وتتسع حكومة العدو لجلاّد جديد في منصب وزير الحرب يهدد الفلسطينيين بمزيد من المجازر، وهنا لا بأس من التذكير بأنه عندما يهددك عدو ما بقتلك وينفذ هذا التهديد عشرات المرات فآخر ما يمكن أن يساعدك هو الشرح له، وما عليك فعلاّ إلاّ الاستعداد لقتاله والدفاع عن ذاتك.
واللافت ان هذا الهجوم الكاسر لمعايير المقاطعة العربية والفلسطينية الضرورية ، يأتي في ظل تصاعد ملموس في نجاح فكرة المقاطعة على مستوى العالم، وتزايد في تأثيرها على الكيان الصهيوني وإضرارها بمصالحه، فحينما باتت إمكانية محاصرة هذا الكيان تتمتع بدرجة أعلى من الواقعية يسارع عرب كثر لتفكيكها وطعن حملة المقاطعة في الظهر.
يتقاطع هذا السعي المحموم للتطبيع أيضاً مع تطورات أخرى هامة، أولها هو الانتفاضة الفلسطينية الجارية على الارض منذ عدة شهور، والتي تستحق بالتأكيد كل الدعم والاسناد لا الطعن بالظهر من خلال اللقاء مع العدو والمشاركة في مؤتمراته، ثانيها هو الجهد المحموم لتصفية القضية الفلسطينية وفرض حل دولي مجحف على الفلسطينيين سواء عبر مؤتمر دولي او غيره.
الضربة التي تم توجيهها لسلم أولويات الانسان العربي في السنوات الأخيرة كانت كبيرة ومؤثرة بالفعل، وباتت مفاعيلها تطال كل شيء، ولا تبقي عند بعض الحكّام العرب على مقدسات أو محرمات، فالقضية الفلسطينية كقضية مركزية للعرب فقدت بالنسبة إليهم أولويتها لمصلحة الحشد الطائفي المسعور، والعدو بموجب هذا التصنيف الطائفي لم يعد الكيان الصهيوني، بل الاخر العربي ان ساء حظه واختلف بطائفة او معتقد.
وبينما يفحص الصهاينة مناعتهم الأمنية، يبدو أن علينا كعرب أن نبصر إلى أي مدى تردت درجة مناعة الأمن القومي العربي، في ظل استباحة بلدانهم وعقولهم، فهذا الاقبال العربي على الكيان الصهيوني يشير إلى أن المعركة لن تكون حول فلسطين فحسب، بل حول كل قُطر عربي.