يتندر اهالي قطاع غزة حول توقيت العمليات التي تستهدف الجيش المصري في سيناء، فكلما وردت انباء عن فتح معبر رفح بين مصر وفلسطين، تبعتها اخبار اخرى بعمليات تطال المواقع والدوريات المصرية في سيناء وتودي بحياة الجنود.
هذا الانتباه من الجمهور والمتابعين في فلسطين ومصر للتزامن، لا ينتمي لنظريات المؤامرة او السيناريوهات المتخيلة بل هو شاهد واضح قد يشي بأهداف اصحابه، فمعبر رفح يبقى مغلق طيلة ايام السنة منذ سنوات عدة ليختنق 2 مليون انسان داخل قطاع غزة بالحصار، وتزداد المعاناة والضغط عليهم.
في هذا السياق، يمكننا اعادة قراءة الاتهام لأهالي غزة او الفلسطينيين بالوقوف وراء هذه الهجمات بالذات بأنه منافي للمنطق، فلا يعقل ان يسهم الغزيين او الفلسطينيين في زيادة حصارهم، ويساندوا من يدعوا لإغلاق المعبر الذي يكاد يعتبر البوابة الوحيدة لهم تجاه العالم.
وفيما تبدو ملامح الطرف الاكثر استفادة من هذه الاعمال واضحة، فالمستفيد الاول من استمرار اغلاق المعبر او الاساءة للعلاقة المصرية الفلسطينية هو دولة الاحتلال، وبجانبها بعض الاطراف الاقليمية التي تسعى لتبقى غزة تحت رحمة صدقاتها او مبادراتها.
ومع ذلك، لا يمكننا ان نطلب ان تبني الدول استنتاجاتها وعلاقاتها على اساس هذا التحليل، او التسليم الشعبي بما يبدو واضحا للوهلة الاولى، بل ان المنطقي حاليا هو بحث كل ما يمكن القيام به بشكل مشترك بين المتضررين، أي المصريين والفلسطينيين لايجاد مخرج من هذا الواقع.
في مواجهة مثل هذه الاحداث التي تقع في مناطق حدودية، اعتادت الدول بذل كل الجهود المشتركة بما يشمل تشكيل لجان تحقيق وبناء اليات للتنسيق والبحث في العوامل الكامنة وراء ما يحدث، ولكن هذا السياق يبدو متعثراً في ظل الحالة الفلسطينية الغرائبية التي تتناهشها اطراف شتى، وفي ظل حالة الشد المصري التي يغذيها اعلاميين ونخب تبدو ذات مصلحة في استمرار التشوه في علاقات مصر بجوارها الحيوي الفلسطيني.
واذا كانت العوامل الفلسطينية الداخلية غير كافية لدفع المنقسمين الفلسطينيين لإيجاد صيغة وطنية جامعة لبناء نظام سياسي يقود كفاحهم ضد الاحتلال، فإن ملف المعبر كان ولا زال يستحق المعالجة الوطنية الجادة.
قد يكون هذا المقال دعوة لتلك الفصائل التي اطلقت جهوداً وطنية ومبادرات تحمل صيغة معقولة لإدارة المعبر وطنياً أن تستأنف جهدها في هذا الجانب، وألاّ تتركه خاضعاً لرغبات المنقسمين، وبكل الاحوال فإن الفلسطينيين في ظل ازمات الاقليم والتهديدات المتنوعة التي تحدق بهم من كل جانب ملزمين بإعادة بناء نظامهم السياسي بشكل وحدوي، ووضع استراتيجية وطنية أولاً لمواجهة الاحتلال ونظم النضال التحرري، وثانياً لصوغ علاقاتهم وسياستهم تجاه كل مُركّبات هذا الاقليم بشكل يضمن توفير افضل حاضنة ممكنة لقضيتهم ، ويساهم في تعزيز معسكر الاصدقاء لهذه القضية واضعاف معسكر الاعداء، مسؤولية الفلسطينيين اليوم بحكم حساسية قضيتهم لم تعد تجاه ذاتهم فحسب، بل تجاه جوارهم من محيط عربي منكوب.