الجدل الذي دار بين المختصين حول وجه أهمية قرار اليونسكو الأخير بخصوص مدينة القدس والأماكن المقدسة يقودنا لضرورة فهم هذا القرار والنظر في أبعاده المختلفة والأهم في كيفية التعامل معه .
ينضم القرار لسلسة القرارات التي تتعلق بضمان وضع الأماكن المقدسة كجزء من الإرث الإنساني في ظل الاحتلال، وهو بالأساس يدين وينزع الشرعية عن محاولات قوة الاحتلال لتغيير وضع هذه الأماكن في ظل الاحتلال، وبالتالي إن الوظيفة الأساسية لهذا القرار بالمقام الأول قانونية وبالمقام الثاني سياسية، أما إدخاله في الجدل العقائدي الديني حول الهوية الدينية لهذا المكان المقدس أو ذاك فهو محض رغبة من الاعلام العربي الذي سحب القرار لغير محله، واستحدث جدل قد يخل بفرصة ادراك وجه الاستفادة من هذا القرار.
هذا لا ينفي ان هناك اضافة يشكلها القرار لسجالنا مع الحركة الصهيونية في مكونها الايديولوجي، فالحسم الواضح بتبعية المقدسات ب فلسطين لدائرة الاوقاف الاسلامية وللجهات العربية ذات الشأن يحمل معنى واضح بعدم وجود ما يبرر أي استحداث لنوع من السيطرة اليهودية او المطالبات بفرض الوصاية او السيادة او تشارك أي منهما من قبل الصهاينة مع المسلمين والمسيحيين من عرب فلسطين.
هذا بدوره يصيب الايديولوجيا الصهيونية في احد مقولاتها الاساسية وهي فكرة ضرورة قيام الدولة اليهودية" اسرائيل"، كضمانة لوجود اليهود ولارتباطهم بالاماكن المقدسة في فلسطين، فهذا اقرار من هيئة اممية بالوصاية العربية " التي تمثلها هيئة الاوقاف الاسلامية التابعة للاردن" على هذه الاماكن، وان قيام "اسرائيل" لم يغير من الواقع الحقوقي لهذه الاماكن في شيء، ولم يعطي أي اعتراف ذو قيمة قانونية لارتباط اليهود بهذه الاماكن، بل ان حالة التآخي الديني بين اتباع الديانات الثلاث في فلسطين والمنطقة العربية – قبل ظهور الحركة الصهيونية ومخططها الاستعماري- كانت ضمانة افضل بكثير لحرية التعبد اليهودي في فلسطين، كجزء من القيم الانسانية لهذه المنطقة.
تصويت هذا العديد من الدول على القرار المذكور لا يعكس التزام هذه الدول بالمنطوق الحرفي للقرار فحسب، بل هو تعبير مستمر عن موقف السواد الاعظم من شعوب ودول العالم بالتضامن مع فلسطين، والايمان بمشروعية النضال الفلسطيني كاحد اهم القضايا الانسانية في هذا العصر، رغم كل ما الحقه الاداء السياسي الفلسطيني بالسنوات الاخيرة منذ اوسلو من اذى بالنضال الفلسطيني وصورته.
كمعظم القرارات الدولية ضد الكيان الصهيوني فانه لا مسار حقيقي لتنفيذ هذا القرار ضمن التوازن الدولي الحالي، الذي يضمن سيطرة حلفاء الكيان الصهيوني من دول الهيمنة الامبريالية على الهيئات الدولية، ولكن هناك الكثير مما يمكن فعله لاخذ هذا القرار وغيره لحيز التنفيذ، وذلك عبر احياء النضال الفلسطيني الجمعي والموحد ضد الاحتلال على ارض الوطن، وشحذ كل ادوات التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية، هذا بجانب العمل على تفعيل الملاحقة القانونية للاحتلال وقادته وضباط جيشه القتلة في كل مكان في هذا العالم.
المهمات الممكنة والمفيدة للفلسطينيين في نضالهم كثيرة، وتظهر واضحة عند كل منعطف او حدث، ولكن ما يبقى غائب باستمرار هو القرار الفلسطيني الجمعي باطلاق كل اشكال المواجهة مع الكيان الصهيوني، وتوظيف كل الجهود والطاقات الفلسطينية في هذه المواجهة باتجاه الحرية والاستقلال.