Menu

عندما يُغيّب الموتُ الكاتب المناضل "العمّ صلاح عيسى" نخسر مجددًا

صلاح-عيسى

خاص بوابة الهدف

 

"جئتُ يا مصر.. وجاء معي تعب الهوى.. وسهادٌ موجع.. خلته هاربًا منى.. ولا هرب.. صرت نجم الحب.. أحصى إذا أحصيت.. في الظلمة الشهبَ.. قسمًا بالمبدع سببًا يا حبيبي.. إنك السبب". بهذه الكلمات للأخوين رحبانى، اختار أن يبدأ الكاتب الكبير الراحل صلاح عيسى، مقدمة كتابه "حكايات من دفتر".

هكذا يُعرّف صلاح عيسي حكايته ويلخصها، فهو المولود في 14 أكتوبر 1939، أيّ إبان أو نهايات الثورة الفلسطينية الكبرى التي بدأت عام 1936 ضد الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية، حيث رأى نور الحياة في قريته "بشلا" بمحافظة الدقهلية المصرية، وتعلّم في مدارسها إلى أن حصل على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية عام 1961.

"عمي صلاح" باللغة المصرية العامية، هل لمصادفة تزامن المولد مع الثورة، عنوانًا لأن يكون صاحبها في أتون معركة الحياة وصراع البقاء، لتبدأ مرحلة الشقاء الوطني، بالنسبة للبعض، والتي هي لك نضال وطني وطبقي وقومي من الطراز الأول؟! سيبقى سؤال مفتوح باستمرار.

ترأّس لمدة خمس سنوات عدداً من الوحدات الاجتماعية بالريف المصري، التي شكلت مقدمات رئيسية في وعيه للواقع الاجتماعي-الاقتصادي وانعكاسهما السياسي، فانتمى مبكرًا للحركة اليسارية المصرية، كما بدأ يكتب القصة القصيرة، ثم اتجه عام 1962 للكتابة في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي، وتفرغ للعمل بالصحافة منذ عام 1972 في جريدة الجمهورية. كما أسّس وشارك في تأسيس وإدارة تحرير عدد من الصحف والمجلات منها الكتاب والثقافة الوطنية والأهالي واليسار والصحفيون وترأس تحرير جريدة القاهرة .

اعتُقل العم صلاح لأول مرة بسبب آرائه السياسية عام 1966 وتكرر اعتقاله أو التحقيق معه ومحاكمته في عدة سنوات ما بين 1968 و1981 وفُصل من عمله الصحفي المصري والعربي، فإلى جانب نضاله الاجتماعي والسياسي والثقافي في الداخل المصري، عُرف بمواقفه الواضحة والمناصرة للنضال والكفاح الوطني الفلسطيني.

أرّخ الكاتب والمناضل العم صلاح عيسى في كتاباته حكايات وقصص مهمة من تاريخ مصر، وكان بمثابة مقريزى العصر الحديث، ولما لا، فقد صاحبه ذلك اللقب نفسه في مقالاته التي نشرت فيما بعد في كتاب بعنوان "هوامش المقريزى"، ولتبقى علاقته بكتاباته عن مصر وحكاياتها بمثابة حالة العشق والغرام من حبيب إلى محبوبته، حيث صدر له عشرون كتابًا في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي والأدب، أولها "الثورة العرابية" عام 1979، لتتوالى بعده "حكايات من دفتر الوطن" و"شخصيات لها العجب" و"رجال ريا وسكينة" و"دستور في صندوق القمامة" و"تباريح جريح" و"مثقفون وعسكر"، وغيرها.

يقول الكاتب الكبير في مقدمة كتابه "حكايات من دفتر الوطن" تحت عنوان: "هذا الكتاب كما حلمت أقرب ما يكون إلى صورة للوطن، تغري المحبين، بالقراءة في تاريخه، وبالتطرف في عشقه، كما أغرتني، وأكذب لو قلت أنني أضعت كل تلك السنوات دون أن أسعى إلى حلمي.. لكن الدروب تفرعت أما أقدامي المتعبة، فاندفعت إليها دون تروٍ، شأن المؤيدين الذين تقودهم قلوبهم، وبلاد من أركز على إنهاء مشروع تلك الحكايات، أغرتني طقوس أخرى للصلاة في معبد المحبوب، فظللت بين يونيو 1972 ومارس 1975 أكتب يوميًا على صفحات جريدة الجمهورية، بعنوان هوامش، كانت تنويعة أخرى من مشروع هذه الحكايات".

ويتابع الراحل "لكن هذه الحكايات، ظلت كالحب الأول، لا يستطيع المرء أن ينسى ذكرياته، أو يمنع نفسه من العودة إليه، إذ لم تغنيني الصلاة الخاطفة أو صلاة النسك، عن العودة إلى تلك الحكايات، بين حين وآخر".

وأتم العم صلاح عيسى كلامه ليؤكد "وليس لدى ما أضيفه سوى أن أؤكد فقط، أن هذه الحكايات ليس فيها سطر واحد من الخيال، أو عبارة واحدة لا تستند إلى مرجع أو مصدر سواء كان وثيقة، أو صحيفة أو مذكرات أو دراسات وأبحاث".

رحل الكاتب المناضل العم صلاح، يوم الاثنين 25/12/2017، عن عمر يناهز 78 عامًا، بعد صراع مع المرض، لم يكن أقل قسوة من صراعه مع الحياة من أجل أن تكون أفضل، حيث نعاه الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة في مصر حاتم ربيع في بيان قائلًا "إن الكاتب الراحل قيمة صحفية وفكرية كبيرة وله باع كبير في إدارة الصحف بالإضافة إلى كتاباته السياسية والاجتماعية والتوثيقية للوقائع المهمة". كما نعته لجنة "الدفاع عن استقلال الصحافة" وقالت إنه برحيل عيسى "تكون الجماعة الصحفية، قد فقدت واحدًا من أهم وأبرز المدافعين عن المهنة خلال عقود مضت".  ووصفه اتحاد "كتاب مصر" في بيان نعيه له بأنه "واحد من أهم مثقفي مصر في النصف الثاني من القرن العشرين". وكذلك "الهيئة الوطنية للصحافة" إضافة إلى عدد من الكتاب والمثقفين المصريين والعرب.

ونحن نعاهده، بأن نستمر على درب نضاله الوطني والاجتماعي والفكري والثقافي والصحفي.. وأن نبقى نقدم الحقيقة كل الحقيقة للجماهير.. فسلامًا لك وعليك عم صلاح من فلسطين، التي ستنعم بالحرية التي ناضلت ورحلت على قيدها.