Menu

عن فيلم (The Post) للمُخرج سبيلبيرغ.. وإعلاءِ الفنّ على حساب "الثوابت الوطنية"

بيسان الشرافي

ستيفن سبيلبيرغ

غزة_ بوابة الهدف

".. وصلنا إلى الـ(big exclusive- المقابلة الحصرية الأكبر) لهذا الأسبوع، مع أحد أكبر مُخرجي هوليوود بالطّبع، ستيفن سبيلبيرغ، وفيلمه الجديد (The Post)، وكان لي الشرف بأنّ أعود لمقابلته .." هذا جزءٌ من ما قالته مُقدّمة البرامج والمُحاوِرة الشهيرة اللّبنانيّة ريّا أبي راشد -بمُنتهى الحماس والشغف- تقديمًا للمقابلة التي أجرتها مع المُخرج والسيناريست والمُنتج الأمريكي، وعُرضت ضمن إحدى فقرات برنامجها (scoop) لهذا الأسبوع، والذي تُقدّمه عبر شاشة "MBC 2".

المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبيرغ، يهوديّ الأصل، "إسرائيليُّ" الهوى، الذي كشفت تسريبات ويكيليكس بالعام 2007 أنّ "الجمعيّة الخيرية" التي أسسها "لدعم المجتمع اليهودي"، تبرّعت بمليون دولار لـ"إغاثة إسرائيل" في أعقاب حربها ضدّ المقاومة في الجنوب اللبناني، بالعام 2006، ومُخرج العديد من الأفلام التي روّجت صراحةً للصهيونية، هو بالضبط من تقصده الإعلامية أبي راشد في حديثها الحماسيّ.

وعن الفيلم الجديد لسبيلبيرغ (The Post) الذي كان موضوع المقابلة، ومع بدء عرضه في صالات السينما بعدّة دول، بينها لبنان، فقد أثار -مُجدّدًا- الجدل حول مُقاطعة أعمال المخرجين الداعمين للاحتلال ومُروّجي الفكر الصهيوني. وأظهر انقسامًا ليس فقط على منصّات التواصل الاجتماعي، بين مُؤيّدٍ ومُعارضٍ للمقاطعة؛ إنّما انقسامًا كذلك في أجهزة الدولة اللبنانيّة بشأن قرار مُقاطعة الفيلم، الذي وعلى الرغم من إعلان الرقابة اللبنانية حظر عرضه، يوم الاثنين 15 يناير، كون مخرجه مُدرجٌ ضمن "اللائحة السوداء لمقاطعة إسرائيل التي يُعدّها مكتب المقاطعة التابع لجامعة الدول العربية"، إلّا أن وزير الداخلية نهاد المشنوق خرج بعد يوميْن بقرارٍ يسمح بعرضه، الذي بدأ بالفعل يوم الخميس 18 يناير، مُتذرّعًا بأنّ "مضمونه لا يتعلّق بلبنان أو بالنزاع مع العدو الإسرائيلي".

(The Post) وهو من بطولة ميريل ستريب وتوم هانكس، تقع أحداثه بالعام 1971، حين نشرت صحيفتا "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" أوراق البنتاغون، التي كشفت أكاذيب وتورّط الحكومة الأمريكية في حرب فييتنام. عُرض لأوّل مرّة بواشنطن مُنتصف ديسمبر الماضي، وانطلق للعرض الواسع مُنتصف يناير الجاري.

وعلى الرغم من أنّ وزير الداخلية اللبنانيّ لا يرى في مضمون الفيلم الجديد لـسبيلبيرغ ما يدعو لمنع عرضه -على اعتبار أن المضمون هو المعيار فقط!- فهل يغضّ بصره كذلك عن عديد الأعمال التي قدّمها المخرج ذاته وروّج من خلالها للصهيونيّة؟ منها أفلام: ميونخ 2005، ولينكولن 2012 و قائمة شندلر 1993، والتي تضمّنت جميعها حوارات ومشاهد وأفكار تدعم وتتبنّى صراحةً الرؤية الصهيونيّة، وفي فيلم "قائمة شندلر" صوّر سبيلبيرغ مشاهد في القدس باعتبارها "الأرض المقدسة لليهود" وحجز الزاوية في المشروع الصهيوني. ناهيك عن تبرّعه العلني بالأموال الطائلة للكيان المُحتلّ.

قرار المشنوق بعرض الفيلم أثار سخطًا في أوساط شباب لبناني ونُشطاء آخرين من عدّة دول، ما دفعهم لإطلاق هاشتاغ #لن_يُعرض_في_لبنان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مُطالبين بمنع عرضه.

معالي الوزير.. الامن العام رفض ويفترض انك قرات تقريرهم والاسباب.. انت ليه قبلت؟؟.. يعني عن سابق اصرار وتصميم ؟؟؟ #لن_يعرض_في_لبنان ولتتحمل مسؤولية موافقتك بما سيحصل.. pic.twitter.com/ec4c4O00A3

وزير الداخلية عليه واجب حماية شعبه وعليه ان يعلم ان توقيعه على عرض الفيلم سيؤدي الى فتنة داخلية وليكن جريئا وليمنع الفتنة.. او فليتحمل مسؤولية تاريخية في موافقته.. عدا ان موافقته تساهم في زيادة ايرادات من دعم اسرائيل ماليا لقتلنا..
#لن_يعرض_في_لبنان#ضد_التطبيع pic.twitter.com/VSpSGHBJfI

مشكلة فيلم The Post انو اكيد رح يروح جزء من مردودو المالي لدعم إسرائيل، لهيك الوقوف ضد عرضو واجب. ممكن حدا يقول انو في غير افلام او منتوجات بتدعم اسرائيل، و هالشي صح 100%، بس اذا في غلط بمطرح، ما بيبرر يصير الخطأ بمطرح تاني. #لن_يعرض_في_لبنان

"قضيّة سبيلبيرغ" والاختلاف على مُقاطعته هو وأعماله، أظهرت نقاطَ ضعفٍ عديدةً في الوسط اللبناني، نُخب وإعلاميين ودولة وحملة مُقاطعة ومُعارضة، كما أظهرت ضعفًا في جامعة الدول العربية. والحديث هُنا للكاتب اللبناني سماح إدريس.

رئيس تحرير مجلّة الآداب، تطرّق في افتتاحيّتها ليوم 18 يناير، إلى ضرورة تعميم "اللائحة السوداء" للمخرجين المُطبّعين مع "إسرائيل"، من أجل التأكيد على أنّ قرارات حظر أعمالهم "ليست عنصرية أو طائفية"، ولكي يُدرك الجمهور حيثيّات تلك القرارات بدون أن يكون مُجرّد أداة لتنفيذها.

إدريس وهو أحد مُؤسسي حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان، رأى كذلك أنّ الجامعة العربية التي تُصدر قرارات ولوائح ضدّ التطبيع، هي نفسها لا تستطيع مُعاقبة الأنظمة العربيّة المُطبّعة، بفِعل "تحوّلها منذ عقود إلى أداة من أدوات مشايخ النفط والغاز".

خالد جُمعة، الكاتب والشاعر الفلسطيني نشر عبر صفحته الشخصيّة على "فيسبوك"، ما أسماه "رسالة مفتوحة إلى المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبيرغ"، قال فيها مُخاطِبًا المُخرِج "هنيئاً لك ما تقدّمه من فنٍ يحصد الجوائز ويتمتّع بنسب مشاهدة عظيمة، فيما أنت تساند دولة قتَلة، دولة تمارس إرهاب الدولة، دولة تحاصر شعباً وتذبحه، وما زالت تتسول تاريخ المذابح النازية التي جعلت العالم يقيم دولة إسرائيل على أنقاض أجدادي وأجدادهم، فأين موقف الفن من العدل هنا؟ وأين إيمان الفن المطلق في تغيير العالم وإعادة الاتزان إليه؟. على ما يبدو أن الفن قد أصبح مشتركاً في الجريمة أيضاً". 

انطلاقًا من العبارة الأخيرة، حول "تورّط الفن" فهذا محلُّ جدالٍ مُستمرّ، ينشط عقب كلّ حملةٍ تدعو لمقاطعة عملٍ ما، يُروّج لـ"إسرائيل" وللصهيونيّة، يُصدره أو يشترك فيه إسرائيليّون أو داعمون لكيان الاحتلال من أيّ جنسيةٍ كانوا؛ جدالٌ بين طرفيْن يُؤمن أحدُهما بأهمّية ووُجوب المُقاطعة، التي تسند ظهر المقاومة وتحفظ الكرامة الوطنية وتحترم دماء الشهداء وآلام الجرحى وعذابات الأسرى وذويهم، فيما يُقلل الطرف الآخر من جدواها، بل ويُندّدون بها ويتّهمون الداعين إليها بالتخلّف "في عصر الانفتاح الثقافي والفنّي والحداثة والعالميّة"، وغيرها من التبريرات، التي لا تعكس إلّا فكرًا مُشوّهًا يُعلي من شأن الفن على حساب الثوابت الوطنيّة، فكرًا نجده اخترق عُقول فئات ليست قليلة من الشباب العربي، منهم نُخب مثقفة، وآخرين ربّما كانوا يُحسَبون على تيّار المقاومة، ليخرجوا علينا عقب كلّ حملةِ مُقاطعة بعبارات الاستهجان وكيل الاتهامات، مُردّدين مُصطلح "الإرهاب الفكري".

وعن الأصوات التي تُندّد بالمقاطعة، قال الكاتب إدريس إنّها تكشف "جهلًا فاضحًا بثقافة المقاطعة وآليّاتِها وأدبيّاتِها في لبنان والعالم، والاكتفاء بشعاراتٍ سطحيّةٍ عامّة توهّموا خُلوَّها من الإيديولوجيا، في حين أنّها في صميم الإيديولوجيا (لكن الرجعيّة الاستهلاكيّة اليمينيّة المنبهرة بالغرب)".

وردّ على هذه الأصوات نُشطاء كُثر عبر منشوراتٍ تناولت تبريراتهم وحججهم بالتفنيد تارةً، والتهكّم تارة أخرى.

خرجنا من حرب تموز بثقافتيْن، ثقافة المقاومة بكل أشكالها وثقافة ثكنة مرجعيون، ولا زال أزلام ثقافة الذل يُسخّفون أي نقاش حول ثقافة مواجهة ومقاطعة العدو ونتائجها وتراهم يترامون دفاعا عن كل ما يُدعى لمعارضته بحجة "حرية الرأي" #لن_يعرض_في_لبنان

— شُعيْب (@HSheaib) ٢٠ يناير، ٢٠١٨

لكل لبناني مستفز ولكل حدا عبالو يعمل نكايات
المخرج تبرع لاسرائيل بحربها ضد لبنان
ضد لبنان
لبنان مش مدغشقر
بس دعاة الانفتاح ما بيميزوا بين الانفتاح والانبطاح#لن_يعرض_في_لبنان

— Imane Ibrahim (@ImaneIbrahim1) ٢٠ يناير، ٢٠١٨

 

فيلم (The Post) هو العمل السينمائي السابع الذي يُمنع من العرض في لبنان خلال العام الأخير، أو تُقتطع بعض أجزائه، بفعل تأثير مجموعات الضغط، ومنها حملة المقاطعة في لبنان، التي تعمل على رصد الأفلام التطبيعيّة وغيرها من الأعمال والأنشطة مشبوهة الأهداف، وقد نجحت بالفعل في الضغط لمنع عدّة أفلام، آخرها فيلم (The Jungle)، الذي سُحب ترخيص عرضه الاثنين الماضي، بعد أسبوعيْن على خروجه لصالات السينما اللّبنانية، وهو يروي قصّة رحّالة إسرائيلي تاه في غابات الأمازون بالعام 1981.

وسبق الجدل الذي أثاره فيلم سبيلبيرغ الجديد، جدلٌ آخر مُماثل، أعقب منع عرض فيلم "القضيّة رقم 23" في الضفة المحتلة، في أكتوبر 2017، للمُخرج اللبناني زياد دويري، الذي أنتج فيلم "الصدمة" عام 2012، الذي صوّر مشاهدًا منه في الأراضي الفلسطينية المُحتلّة عام 48، وتعاون مع فريق عمل صهيوني في إنتاجه. وكان الفيلم مُنع من العرض في كلٍ من لبنان وتونس.

وقبل شهور، في مايو 2017، مُنع فيلم "Wonder Woman" من العرض في لبنان، وهو من بطولة المُجنّدة الإسرائيلية غال غادوت، والتي قاتلت في صفوف جيش الاحتلال خلال حرب تمّوز.