الرابع عشر من فبراير في كل عام، يحتفل العالم بـ"عيد الحب"، وهو مُناسبة يتم فيها تبادل الهدايا تعبيرًا عن الحب، وارتبطت هذه المناسبة بأنواع خاصة من الهدايا مثل الورود والدمى –الدبدوب-، والشوكولاتة، وغيرها.
"يا ورد غزة.. مين يشتريك!"، جملة ترددت على لسان الكثير من أصحاب المحال التجارية في قطاع غزة، الذي تنكأ هذه المُناسبة –عيد الحب- جراحهم، كيف لا وكانت هذه ال غزة الجميلة تُصدّر الورود للأسواق الأوروبية، وعلى رأسها زهرة القرنفل. رفيقة الشعراء، وهدية المحبين.
اللون الأحمر الذي لطالما ارتبط بلون الدماء والحروب في قطاع غزة، إلّا أن المواطنين يأبون ذلك، ويحتفلون بكافة المناسبات هُنا، فإذا مررت اليوم في شوارع المدينة، ستجد اللون الأحمر يسرق نظراتك، بغض النظر عن حركة البيع والشراء، فهي عادة غزة في التعامل مع الحياة.. ولكن ما حال وردكِ يا غزة، هل وجد المُشتري؟.
عرفت فلسطين زراعة الزهور منذ القدم، إلا أنها اقتصرت على الزراعة المنزلية، وفي الحدائق العامة؛ أما زراعة الزهور لأغراضٍ تجارية، فقد عرفت في قطاع غزة على وجه الخصوص عام 1991.
ولكن مع ازدياد التشديد والخناق على قطاع غزة، انحصرت زراعة الورود وضُرب هذه القطاع الهام في مقتل، لنتابع معًا هذا القطاع منذ ولادته حتى يومنا هذا.
"بوابة الهدف"، تواصلت مع مدير مديرية زراعة محافظة رفح المهندس أكرم أبو دقة، والذي بدوره أكّد أن قطاع الزهور في غزة بدأ بمساحة "45-50" دونم وتركزت الزراعة بشكلٍ أساسي في محافظة رفح جنوبًا، وفي بيت لاهيا شمالاً.
يتابع: "بدأت مساحة الزراعة بالازدياد شيئًا فشيئًا، حيث وصلت ذروتها عام 1995 إلى 1200 دونم ورود، ودونم الورد كان ينتج من 80 إلى 100 ألف وردة، بمعدل انتاج 80 مليون وردة، وفي بداية العام 1996 ونتيجةً للأوضاع الأمنية بدأ الاحتلال بالتضييق، مما انعكس على عجلة التصدير".
ولكن تراجعت زراعة الزهور بعد عام 2000؛ بسبب الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة، وإغلاق المعابر أمام عمليات التصدير أو تعقيدها، بالإضافة إلى عمليات تجريف وقصف الأراضي الزراعية؛ ما أدى إلى خسائر فادحة مُني بها المزارع الفلسطيني، بحسب مركز المعلومات الوطني – وفا.
"وطوال هذه الأعوام استمر الاحتلال في التضييق على المزارعين والتجار إلى وصلنا إلى عام 2012 – 2013، فكانت آخر شحنة تصدير ورود إلى الخارج، فتقلصت مساحة الزراعة من 1200 دونم إلى 100 دونم!"، والحديث هنا للمهندس أبو دقة.
قطاع الزهور انتهى!
وحول انتاج قطاع غزة للورود اليوم، يُكمل: "اليوم وبكل أسف فإن مساحة زراعة الورود تصل إلى حوالي 30 دونم فقط، مع الإشارة إلى أن الكميات المُنتجة هي للسوق المحلي فقط، وفي ظل الانهيار الاقتصادي في قطاع غزة، نرى المواطن يشترى حسب أولوياته من الاحتياجات اليومية. قطاع الزهور انتهى".
المُختص في الشأن الاقتصادي د. أسامة نوفل، قال إن في فترة التسعينات حدثت اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي تسمح للمُزارعين في قطاع غزة بزرع الورود والتوت الأرضي "الفراولة"، حتى أن بعض المزارعين خلعوا أشجار الحمضيات من أجل إنتاج الورود، بعد أن أجمع المُختصون أن منطقة غزة تمتاز بإنتاج أنواع معينة من الورود للتصدير إلى الخارج.
وأكّد نوفل خلال حديثه مع "الهدف"، أن "قطاع غزة في تلك الفترة اشتهر بإنتاج وتصدير الورود خاصة عبر مطار غزة الدولي، وحقق المزارعين أرباح كبيرة جدًا، كل هذا الحال توقف بفعل تشديد الاحتلال ومنع التصدير للخارج".
وشدّد نوفل على أن هذا القطاع انهار بفعل منع التصدير، يتابع: "الورود تحتاج لعناية فائقة، وسرعة في التصدير، ولكن بفعل إغلاق المعابر ذهب المزارعون للاستثمار في انتاج سلع أخرى"، مُشيرًا إلى أنه ورغم تدخلات الاتحاد الأوروبي، إلا أن الاحتلال الصهيوني ماطل في السماح بتصدير الورود، في ظل أن قدرة بيعه في قطاع غزة محدودة جدًا وتقتصر على مواسم معينة، ما دفع المزارع للعزوف عن انتاجها.
مع مرور الأيام، وجد ورد غزة نفسه على قارعة الطريق. في السابق كان الستيني صاحب محل الورد يُخاطب زهراته: "يا وَرد غزة.. مين يشتريك"، أمّا اليوم وبفعل الانهيار الاقتصادي، فيقول مُحبٌ لزهرة القرنفل: "يا ورد غزة.. مين يزرعك!".