Menu

صفقة الغاز المصرية مع الاحتلال: يوم العيد للعدو!

صفقة الغاز المصرية مع الاحتلال: يوم العيد للعدو!

القاهرة _ خاص بوابة الهدف

مصر وقعت مع حكومة العدو الصهيوني اتفاقية توريد الغاز مع خطوة تطبيعية جديدة تختلف عن سابقاتها على الصعيد الاقتصادي، بعدما كانت مصر تزوّد (دولة الاحتلال الاسرائيلي) بـ40% من احتياجاتها للغاز، وفق عقد وُقّع عام 2005، لمدة 20 عامًا. لكن وفي حينه هذا الاتفاق أثار غضب المصريين لأنه يبيع الغاز بأقل من سعره في السوق العالمية. وبعد عام 2011، أدانت محكمة مصرية مهندس الاتفاق حسين سالم، الهارب إلى ماربيلا في إسبانيا، لأنه تسبب بخسارة مصر ما قُدّر بـ700 مليون دولار، وهو رقم يقول بعض الاقتصاديين إنه أكبر من ذلك بكثير. رغم ذلك وتحت الضغط الشعبي المصري ألغت مصر الاتفاق عام 2012، ما تسبب بصدور حكم من محكمة سويسرية يقضي بدفع شركة "إيجاس" (الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية) غرامة قدرها 1.7 مليار دولار.

خلافًا للمعطيات السابقة وُقّعت مصر قبل عدة أيام اتفاقات لتصدير الغاز من كيان الاحتلال إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار على مدار عشر سنوات متتالية ويضخ فيها للجانب المصري 64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويبدو أن الجانبين لن يكتفيا بهذه الصفقة الضخمة، بل هناك تعزيز للتعاون في هذا المجال وصفقات أخرى مرتقبة خلال الفترة المقبلة.

فيما أعلنت مجموعة «ديليك» الصهيونية للطاقة، أن الشركاء في حقلي الغاز الطبيعي «تمار» و«لوثيان»، وقعوا اتفاقات مدتها 10 سنوات لتصدير ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الطبيعي إلى شركة «دولفينوس» المصرية، فيما أكدت مصادر أخرى أن الاتفاق «تجاري»، وأن الشركة لا تتبع الحكومة المصرية، مشيرة إلى تلاقي مصالح الطرفين في هذا الاتفاق.

صفقة الغاز مع مصر "يوم عيد"

قالت (حكومة العدو الإسرائيلي) إنها وقعت صفقة "تاريخية" في عقد وصفه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ«التاريخي»، بمليارات الدولارات لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر واعتبرته يوم عيد لها ليلة توقيع الاتفاقية.

وبنشوى قال "رئيس الوزراء الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، إن الاتفاق لن يعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، لكنه سيعزز أيضًا علاقاتها الإقليمية.

وأضاف: "أرحب بهذه الاتفاقية التاريخية التي تم الإعلان عنها للتو، والتي تقضي بتصدير غاز طبيعي إسرائيلي إلى مصر. هذه الاتفاقية ستُدخل المليارات إلى خزينة الدولة، التي بكل الأحوال ستصرف في مجالات الطب والتعليم والبحث العلمي وتحسين الدخول لدى المواطنين ومجالات الاقتصاد المختلفة".

في المقابل تجري (حكومة العدو الإسرائيلي) دراسة عدة خيارات لنقل الغاز إلى مصر، من بينها استخدام «خط أنابيب غاز شرق المتوسط». وقالت «ديليك» في بيان إن «ديليك للحفر» وشريكتها «نوبل إنيرجي» التي مقرها تكساس، تنويان البدء في مفاوضات مع «شركة غاز شرق المتوسط» لاستخدام خط الأنابيب.

ومن بين الخيارات الأخرى قيد الدراسة لتصدير كمية الغاز البالغة 64 مليار متر مكعب، استخدام خط الأنابيب "الأردني –الإسرائيلي" الجاري بناؤه في إطار اتفاق لتزويد شركة الكهرباء الوطنية الأردنية بالغاز من حقل «لوثيان».

(ويقوم العدو الإسرائيلي) بتطوير إنتاج الغاز من الحقلين بعد أن اكتشفتهما عامي 2009 و2010. وبدأ استغلال حقل «تمار» عام 2013، ويبلغ حجم احتياطه 238 مليار متر مكعب. وهو أحد أكبر حقول الغاز الواعدة التي اكتشفت في السنوات الأخيرة قبالة ساحل ( فلسطين المحتلة).

ومن المقرر أن يبدأ استغلال حقل «لوثيان» عام 2019 عندما يبدأ احتياطي حقل «تمار» بالانحسار. ويبعد حقل «تمار» مسافة 130 كيلومترا عن شاطئ حيفا. (وكان العدو الإسرائيلي وقع) في سبتمبر (أيلول) 2016 عقدًا قيمته 10 مليارات دولار لتوريد الغاز من حقل «لوثيان» إلى الأردن.

جهات حكومية لن نستورد الغاز من الخارج؟

في مصر، قال مصدر حكومي لـ«للعديد من الوكالات الاخبارية والتلفزيونية وعبر العديد من المؤتمرات والتصريحات والمناسبات المختلفة»، إن الحكومة المصرية لن تستورد الغاز الطبيعي من الخارج،

وأضاف معلقا على الصفقة: «شركات خاصة دولية ستستورد الغاز من الخارج في إطار توفير احتياجاتها، بالإضافة إلى إسالة الغاز وإعادة تصديره مرة أخرى».

وقالت مصادر مصرية مطلعة على الأمر لـ«بوابة الهدف» إن «الصفقة جرت بين شركات خاصة من الطرفين، ولا تعد اتفاقية حكومية.. كما أنها ستكون لها فائدة للطرفين»، في إشارة إلى مصر والعدو الصهيوني.

وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم تعريفها، أن «إسرائيل كانت مُستوردًا صافيًا للغاز الطبيعي حتى أعوام قليلة مضت، وكانت تعتمد على مصر بوصفها إحدى الدول التي تستورد منها الغاز بشكلٍ كبير، وذلك عبر خط الأنابيب الذي يمر بقلب سيناء، قبل أن ينقسم ليمد كلا من الأردن والعدو الإسرائيلي».

وكان خط الغاز المصري قد تعرض لعدد كبير من عمليات التفجير عقب ثورة «25 يناير (كانون الثاني)» عام 2011، وهي العمليات التي تخطى عددها نحو 15 عملية، وتسببت في وقف الإمدادات المصرية إلى والعدو الصهيوني، وإثر ذلك أقامت شركة «كهرباء إسرائيل» دعوى تعويض ضد الطرف المصري، وحكم فيها لصالح الشركة... وتشترط حكومة مصر تنازل "إسرائيل" عن التعويضات من أجل إعادة التفاوض الرسمي على استيراد الغاز.

وتضيف المصادر المصرية: «لكن مع اكتشافات الغاز قبالة سواحل إسرائيل في الأعوام الأخيرة، أصبح لديها فائض... وتريد الشركات الإسرائيلية والحكومة الاستفادة من هذا الفائض عبر تصديره، وهو أمر لا يمكن الوصول إليه إلا عبر تصديره في خطوط أنابيب أو إنشاء مصانع إسالة؛ وهي منشآت وبنى تحتية عالية التكلفة». وكانت معلومات تدور حول مساع صهيونية للتعاون مع أنقرة في إنشاء خط للغاز الطبيعي يمر إلى أوروبا عبر تركيا ، مرورًا بقاع المتوسط؛ لكن تواترت أنباء عن خلافات جيوسياسية تسببت في إرجاء المشروع.

ويشير الخبراء إلى أن مصر لديها بالفعل البنية التحتية التي تتيح لها إسالة الغاز، كما أن خط الأنابيب الموجود بالفعل يمكن استخدامه بسلاسة بشكلٍ عكسي، ومع رغبة مصر في التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، فقد تلاقت المصالح في سرعة إبرام الاتفاقات الخاصة بين الشركات لدى الطرفين.

فيما جاء أول تعليق رسمي مصري على الصفقة على لسان المتحدث الرسمي لوزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز الذي شدد على أن وزارته ليس لديها تعليق على أي مفاوضات أو اتفاقيات تخص شركات القطاع الخاص بشأن استيراد أو بيع الغاز الطبيعي.

وقال في بيان إنه "سيتم التعامل مع أي طلبات تصاريح أو تراخيص ستقدم من قبل القطاع الخاص وفقاً للوائح المطبقة".

وأوضح مصدر حكومي في وزارة البترول إنه في حال توقيع أية شركة اتفاقية لتصدير أو استيراد الغاز، عليها أن تأخذ موافقة من جهاز تنظيم سوق الغاز، وهو ما لم يحدث حتى الآن، مشيرًا إلى أنه يمكن لأي ‏شركة أن تستورد الغاز، وتصدره لأي دولة أخرى، وفق‏ القانون المنظم لذلك.

ومن جانب آخر نفت المصادر المصرية، التي طلبت عدم تعريفها، أن يكون هناك أي تدخل حكومي مصري في الأمر، مؤكدة أن المباحثات «الحكومية» المصرية مع الاحتلال حول استيراد الغاز متوقفة حاليًا، نظرًا للقضية المعلقة بين الطرفين، والتي حكم فيها دوليًا بتعويض للطرف الصهيوني نتيجة توقف ضخ الغاز المصري إلى العدو في عام 2011.

ردود الفعل المصري حول الاتفاق

في اتصال هاتفي مع "بوابة الهدف"، رأى الأمين العام لتيار الكرامة الدكتور محمد بسيوني أن "حكومة السيسي التي بلغت أقصى درجات التطبيع مع "العدو الإسرائيلي" منذ توقيع معاهدة السلام قبل 40 عامًا، تخفي الكثير من تفاصيل المفاوضات السرية مع العدو، والتي امتدت على مدار ثلاث سنوات، قبل أن تحقق للعدو مبتغاه بتصدير الغاز الفائض عن حاجته وغير الممكن التصرف فيه بالتصدير إلى دول أخرى كتركيا أو قبرص، بسبب عراقيل تقنية تجعل التصدير لمصر هو الحل الملائم اقتصاديا.

وقال "على الرغم من ابتعاد الحكومة المصرية عن الظهور بأي شكل من الأشكال في مراسم التوقيع على اتفاق تصدير الغاز من العدو الإسرائيلي إلى مصر، بقيمة 15 مليار دولار، على مدى عشر سنوات، فإن المفاوضات التي سبقت توقيع الاتفاق، والتي امتدت قرابة العامين، والظروف الإقليمية في المنطقة، خصوصًا الأوضاع الأمنية في سيناء، تصنع كلها مشهدًا سياسيًا بامتياز، يتعدى بمراحل مجرد التوقيع على اتفاق تجاري وهنالك ما هو أخطر".

في المقابل، أشاد الصحفي المصري في اليوم السابع أحمد أبو حجر بهذه الصفقة، مُشيرًا إلى أنها "تفسد مخططات تركيا في السيطرة على غاز شرق المتوسط وتحل قضايا التحكيم الدولي ضد القاهرة وتدر عائدات اقتصادية على الحكومة وتعجل بتحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة".

في الجانب الآخر انتقد فراج اسماعيل، من صحيفة المصريون، الحكومة المصرية وتساءل: "هل فوجئت الحكومة المصرية مثل الرأي العام بصفقة تصدير الغاز الإسرائيلي، الذي احتفل به رئيس الحكومة هناك بنيامين نتنياهو في ظهور علني، واعتبره يوم عيد سيجلب الرفاهية للمواطنين؟!"

وأضاف اسماعيل: "من العيب القول إنها فوجئت بالاتفاقية رغم أن التصريحات الأولى الصادرة من محسوبين عليها أكدت أنها لا تعرف شيئًا، ولا زالت تنتظر الاطلاع عليها. كأن القطاع الخاص دولة مستقلة ذات سيادة، أو بمثابة 'مصر الأخرى' التي لا تديرها الحكومة".

بينما يرى الباحث الاقتصادي المصري، محمد نجم، أن "إسرائيل لن تكسب 15 مليار دولار عبر تصدير الغاز إلى مصر"، مُشيرًا إلى أن "تل أبيب" ستكسب هذا المبلغ من تصدير الغاز بعد تسييله في مصر.

وقال الباحث: إن "مصر ليست في حاجة للغاز الإسرائيلي، لأننا سنحقق الاكتفاء الذاتي، وسنصدر أيضًا، ومن حقنا الاستيراد من أي دولة بالعالم وفقًا لمصالحنا".

كما وأوضح لمراسل "بوابة الهدف" في القاهرة، أن دولة الاحتلال ستكسب هذا الرقم من تصدير الغاز بعد تسييله في مصر، سواء تم بيعه لقطاع خاص مصري أو غير مصري.

أين ذهب أكبر حقل غاز مصري؟

في مقابل استفادة العدو ماليًا من صفقة الغاز التاريخية، يثور تساؤل مهم في أوساط المحللين في مصر وهو: "لماذا تلجأ مصر لاستيراد الغاز بكل هذه الكميات وتدفع كل هذه المبالغ التي سترهق ميزانيتها على رغم اكتشافها أكبر حقل غاز في المنطقة كان من المفترض أن يحقق الاكتفاء الذاتي خلال نحو 3 سنوات"، بحسب مسؤولين مصريين.

وكانت شركة "إيني" الإيطالية أعلنت اكتشاف حقل "ظُهر" في البحر المتوسط عام 2015 وتقدر احتياطياته بثلاثين تريليون قدم مكعبة من الغاز.

وقال في حينه وزير البترول المصري طارق الملا، في تصريحات صحافية، أخيرًا، إن بدء التشغيل التجريبي لحقل الغاز العملاق "ظُهر"، يرفع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى 5.5 مليارات قدم مكعبة يوميًا.

وتأتي تصريحات الملا بعد الإعلان عن بدء التشغيل التجريبي لحقل ظُهر في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وأضاف الملا: "بدأنا الإنتاج بطاقة 200 مليون قدم مكعبة يوميًا، على أن ترتفع في وقت لاحق إلى 350 مليون قدم مكعبة".

وتستهدف مصر رفع إنتاج "ظُهر" بحلول يونيو/ حزيران المقبل لأكثر من مليار قدم مكعبة، كذلك تسعى إلى تسريع الإنتاج من حقولها المكتشفة حديثًا وتستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، إذ قال وزير البترول المصري في يوليو/ تموز الماضي، إن مشروعات الغاز الطبيعي الجديدة في مصر ستزيد الإنتاج بنسبة 50% في 2018 و100% في 2020.

وبحسب تصريحات سابقة لمسؤول حكومي، فإن الوفورات الناتجة عن إنتاج مصر للغاز الطبيعي ودخول مرحلة الاكتفاء الذاتي ستوفر نحو 40 مليار جنيه (2.2 مليار دولار) في الموازنة المقبلة، بخلاف وقف استنزاف احتياطي النقد الأجنبي لمواجهة الاحتياجات الاستيرادية، لكن يبدو أن كل هذه الآمال تبخرت مع توقيع الصفقة الجديدة لاستيراد الغاز من الاحتلال الصهيوني بقيمة 15 مليار دولار.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد افتتح في مطلع فبراير الجاري حقل "ظُهر" للغاز الطبيعي، الذي اكتشفته شركة "إني" الإيطالية عام 2015، ويعد أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في مصر والبحر المتوسط.

ويذكر أنه يوجد في مصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي، الأول "إدكو" المملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعي المُسال، ويضم وحدتين للإسالة، والآخر في دمياط ويتبع شركة "يونيون فينوسا"، الإسبانية الإيطالية، ويضم وحدة واحدة فقط، وبوسع المحطتين تسييل الغاز المستورد من أي دولة من دول الجوار، وتعبئته في ناقلات النفط العملاقة، ومن ثم شحنه إلى دول أوروبا.

ويرى محللون إن هذا الاتفاق بدا مُتناقضًا مع وعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مُؤخرًا بأن بلاده ستكتفي ذاتيًا من إنتاج الغاز الطبيعي قريبًا.