Menu

تقريرمظلة النار: نظرة أعمق على ماكينة القتل في الجيش الصهيوني

أحد مقرات خلية الهجوم "مظلة النار" الصهيونية

بوابة الهدف - إعلام العدو/ترجمة خاصة

لا يعدم العدو وسيلة، لمدح ضباطه وجنوده، والإشادة بأفعالهم، التي تكون عادة في سياق إجرامي متعلق بأعمال الاحتلال القذرة، والإعلاميون الصهاينة لا يترددون في "لحس" قذارة الـ"البقرة المقدسة" المسماة "جيش الدفاع الإسرائيلي"، هذا هو حال الكثير إن لم يكن معظم التقارير الإعلامية الصهيونية التي كتبها المراسلون العسكريون، ليس فقط بسبب الرقابة، بل بسبب أن هؤلاء المراسلين هم جزء من آلة الجيش أصلاً، وهم الذخيرة الإضافية لديه لتلميع وحشيته على النطاق الداخلي وإبقاء مسافة بين "الصهيوني المدني اللطيف" في تل أبيب، ومتاريس القناصة وأفعالهم في غزة، والإبلاغ الدائم عن أن هؤلاء القناصة "المساكين" يعانون نفسيًا لأنهم مضطرون لقتل الفلسطيني "المزعج" الذي يريد تعكير صفو الحياة في ملاهي سديروت المستوطنة التي تطبق على غزة وتخنقها.

هذا التقرير يأتي في هذا السياق، وطبعًا لا مصلحة للقارئ الفلسطيني بقراءة الترهات حول الإشادة بجيش العدو، ومن "مسح الجوخ" الإعلامي لضباطه، ولكن تقرير المراسل "أمير بوحبوط" في "واللا نيوز" مهم من ناحية أخرى، كونه يلقي الضوء على تأسيس وطريقة عمل ماكينة القتل الصهيونية في قطاع غزة، المسماة "مظلة النار" والتي يجدر التذكير أن عملها لا يقتصر على غزة بل تعمل أيضًا على الجبهة الشمالية، ومهمتها هي تحويل معلومات الرصد والمتابعة والتصنت إلى أمر بإطلاق النار، كنوع من عمليات قتل وتصفية العدو "استباقيًا".

يستعيد "بو حبوط" ذكرى اقتحام كيبوتس نيرعام، الذي وصفه العدو في السابق بأنه واحد من خمس لحظات مرعبة عاشها الجيش أثناء عدوان 2014 ( اقتحام قاعدة زيكيم، نحال عوز، صوفا، نير عام وأيريز).

كان اقتحام نير عام يوم 21 تموز/يوليو 2014، وتحديدا صادف اليوم الرابع عشر من عدوان "الجرف الصامد" عندما اقتحمت مجموعتان من كتائب القسام ترتديان زي جنود العدو الموقع، وقتلت أربع جنود، ويسرد بو حبوط، الرواية الداخلية لجيش العدو لطريقة التعاطي مع تلك العملية وغيرها، وخصوصا الارتباك الكبير في البداية في تحديد إذا كان هؤلاء من "جنود جيش الدفاع" أم "مقاتلين من العدو".

يشير بوحبوط بأن هذه العملية هي جزء من المادة التعليمية في كلية الضباط والسيطرة وقيادة العمليات، التي يديرها الجنرال يوسي بيخار [كان رئيسا للجنة التي عينها الجيش لدراسة وقائع الحرب واعترفت بالتقصير وعدم القدرة على رؤية خطر الأنفاق وهو تقرير لم ينشر] باعتبارها نقطة تحول في وعي إدارة الحدث المعقد والخطير في الميدان، عبر وعي وإدراك فحوى الأمر العسكري ومنظومات الرصد وتحمل المسؤولية في الميدان، كدروس مستفادة يتم دمجها في عمل الجيش عام 2018.

يزعم بو حبوط، أن النقلة النوعية في محاربة "خلايا الإرهابيين الفلسطينيين" جاءت على يد الرائد احتياط عماد فارس قائد لواء جفعاتي بداية الانتفاضة الثانية، وكان هذا اللواء رأس حربة العدو في تصفية خلايا المقاومة الفلسطينية، ولايمكن التأكد من مزاعمه حول عدد الإنجازات فعليا، ولكن لابد أن فارس هذا قد حقق تقدما، لكي يوافق جنراله حينها دورون ألموغ على اقتراحه تشكيل قيادة خاصة تضم ضابط استخبارات وضابط عمليات لتمكين قتل المقاوم الفلسطيني لحظة تشخيصه، بواسطة استهدافه بالمروحيات، وكان فارس يفكر بطريقة أوسع لدرجة أنه أراد طائرة صغيرة مزودة برشاش ليتمكن من قتل "عدد أكبر من المخربين".

الشكل الأكثر تطورا لفكرة الكولونيل فارس جاء عام 2006، وبعد أن ردت المقاومة على العدوان بوابل من الصواريخ ضد عمق العدو، قام "لواء غزة" في الجبهة الجنوبية، بتأسيس غرفة "خلية" مجهزة بحواسيب وشاشات وأجهزة اتصال حديثة، أطلق عليها اسم (مظلة النار)، الغاية منها تشخيص ومهاجمة وتصفية "الخلايا الإرهابية".

يزعم التقرير الذي كتبه المراسل الصهيوني أن عمل "مظلة النار" يستند إلى معلومات استخبارية فائقة الجودة ينتجها كل من جهازي الشاباك والاستخبارات العسكرية، ما يعني أن الخلايا المقاومة لن تتمكن من العمل علنيا إلا على نطاق محدود، أي عمليات إطلاق النار خارج المخابئ المموهة، وبالتالي التحول إلى الذوبان في المدنيين، ليزعم العدو أن هذا يعني تحويلهم إلى دروع بشرية، بينما يجلس الضباط الصهاينة أمام شاشات البلازما ويديرون المعركة من هناك، متحدين الضباط القدامى الذين يطالبونهم بالعودة إلى الميدان وأن يكونوا "مقاتلين حقيقيين"، ويزعم بو حبوط أن هذا الصراع بين مدرستين مرده عدم إدراك جماعة المدرسة القديمة في القتال أن الواقع يتغير، وبالتالي أصبحت الثورة الرقمية جزءا ليس فقط مساعدا بل جوهريا في عملية القتال، وهو أمر يبدو أن هيئة الأركان أدركت أهميته، ما قاد إلى السماح لقادة الجبهة الجنوبية (بقيادة يؤاف غالانت، الوزير الليكودي الحالي) بدخول مقر "خلايا السيطرة" في "القريات" حيث هيكل الجيش االمقدس، وكان هذا عن طريق قرار من قائد سلاح الجو في حينه الجنرال احتياط الآن إليعيزر شاكيدي، بأنه من الضروري المشاركة في المعرفة بسبب تغير طبيعة التهديدات، لأن الغاية النهائية هي تصفية العدو والإطباق عليه، وهذه الخطوة يصفها التقرير بأنها تاريخية في جيش العدو كونها كانت الخطوة الأخيرة في إنشاء "مظلة النار".

خلال عدوان 2008، أعاد غالانت رسم حدود المسؤوليات لضباط الكتائب النظامية، لكي لا تقتصر فقط على احتلال مناطق معينة في غزة بل أيضا "إنتاج" أهداف ومهاجمتها، ما وصفناه سابقا بعمليات "القتل الاستباقي".

هذه النظرية اندفعت قدما على يد القائد الحالي للجبهة الجنوبية، الجنرال هرتسي هاليفي وحينها كان قائد كتيبة المظليين عندما فرض واجبات المبادرة والمسؤولية على الضابطية الكتائبية. وبعد إنجاز الحملة، وجه هليفي سؤالا إلى يوسي بيخار، الذي كان وقتها ضابط سلاح المشاة والمظليين، عمّن كان في رأي الأخير هو الجهاز الأكثر فتكا في المظليين. فاجأت الإجابة الحاضرين. إن 30% من مجمل "المخربين" الذين تم قتلهم في الحملة، كانوا قد أبيدوا على يد الكتيبة التي يقودها، والباقين قتلتهم قوات وكتائب إضافية، وكان واضحا إن قيادة الكتيبة ليست مسؤولة فحسب عن المناورة وإنجاز الأهداف، بل إنها أيضا مسؤولة عن "خلق" أهداف ومهاجمتها.

بعدها بسنوات جاءت خطوة أخرى على يد بيني غانتس رئيس هيئة الأركان في حينه الذي قام بخلق تسلسل نشاطات في مجال عمل الرصد، وهو ما تسبب في دفع جميع الأقسام والأذرع إلى التواصل مع بعضها البعض وبالتالي تسهيل وتسريع نقل المعلومات من وحدة إلى أخرى، من هيئة الأركان إلى الكتيبة واللواء، من الدبابة إلى الطائرة وتلك هي كما يزعم تقرير العدو الثورة التي حلم الجيش بها على مدار سنوات.

في تلخيصه لفترة قيادته لجبهة غزة، يستعرض بيخار قائمة الضحايا الفلسطينيين التي وصلت إلى مائة وعشرين قتلهم الجيش ما بين 2010 و2012، ويزعم أن 80 منهم قتلوا بنيران "مظلة النار" وهذا أوضح لغانتس نجاح هذه الآلية وترسيخ تمثلها داخل وجعل "المظلة" أساسا لتدريب وتأهيل الجنود.

أثناء عدوان "الجرف الصامد" عام 2014 خصص العدو أربع خلايا "مظلة النار" لغزة فقط، تحت قيادة الكولونيل عدي بوماش من سلاح المدفعية، إضافة إلى خلايا فرعية أخرى داخل الكتائب نفسها.

وعندما تسلم أيزنكوت مهماته كرئيس جديد للأركان عين لجنة لتختار المواضيع التي عليه معالجتها أثناء مهمته في المنصب، وكانت التوصية واضحة: نقل الفكرة من حيز الميدان إلى حيز النظرية العسكرية ، حيث رأت توصية اللجنة : بناء كلية لتعليم مبادئ القيادة والسيطرة، بالافتراض بأن قدرات النار والقدرات على جلب معلومات استخبارية دقيقة لن تكون كافية من دون صياغة نظرية حربية خاصة، وفرض لغة واضحة وموحدة بين الجهات المختلفة في الجيش، والتأهيل والتدريب للجميع، من الجنود الميدانيين ووصولا إلى هيئة قيادة الأركان.

وهكذا تم إطلاق المهمة بقيادة أحد ضباط "جيل شاشات البلازما" تامير يدعي " الذي شغل لاحقا منصب قائد الجبهة الداخلية"، وتم تكليف يوسي بيخار (وله تاريخ عسكري حافل) بإنشاء الكلية المطلوبة والهدف " تحويل القوات البرية إلى ماكينة حرب".

بدأت أعما الكلية منذ أيلول 2016، وفي بداية عهدها، قال بيخار للضباط بأن "علينا أن نوائم أنفسنا للتحديات التي ستعترضنا، وعلينا أن نتغير وأن نسبق عدونا" لاحقا تحولت الكلية إلى معسكر "عمانوئيل" قرب قرية جولس الفلسطينية في الجليل المحتل.

كان جوهر توجيهات بيخار لضباطه ينصب على تعزيز عملية تأهيل وتدريب خلايا الهجوم، بهدف مواجهة الخلايا المضادة للطائرات، القناصة، خلايا إطلاق الصواريخ، خلايا الأنفاق، وإلى جانبها تهديدات خطف الجنود. وبالموازاة مع هذا التوجيه أكد على مسؤولية قيادات الألوية بالاهتمام بألا تكتفي الكتيبة بتحقيق أهدافها المهاجمة بل أيضا التركيز على اللوجستيات في أن تتمكن من تزويد نفسها بالمعدات، الغذاء، الذخائر، والأدوية، إلى جانب قدرتها على إخلاء المصابين ومواصلة القتال.

في العام 2017، وبعد ثمانية أشهر بعد تمركزها في "عمانوئيل" نفذت الكلية مناورتها الأولى التي هي واحدة من تسع مناورات "فيلق" تنتهي في 2018 تحت مسؤولية الكولونيل يائير فولينسكي وضابطة استخبارات برتبة بريغادير جنرال، وهما يخططان لسيناريوهات حربية واقعية.

قام يوسي بيخار شخصيا بوضع وترسيخ المصطلحات الواضحة، اللغة المشتركة، ورسّم مجالات المسؤولية: المنظومة النارية، الاستخبارية، العملياتية، اللوجستية، الإدارية، الطبية، والتقنية، والتسليحية. بحيث أن خلايا الهجوم تعد الأكثر أهمية في التدريب والتأهيل، وطلب من ضباطه أن يرتدوا الدروع وهم يجلسون أمام الحواسيب ليدركوا أهمية أن الأمر يتجاوز الضغط على زر للسماح بإيصال الذخيرة لأن الوضع في الميدان مختلف وهو يريدهم أن يكونوا على صلة به، وهكذا تأتي مختلف الوحدات العسكرية للتدرب في الكلية ضمن ظروف قسرية تستند إلى واقع الميدان. ويستمر تدريب الضباط المعنيين لمدة أسبوع ويشمل التدريب على قسم نظري وتدريبات عملية.

نموذج العمل:

يركز التقرير على إظهار مما يدعوه " أهمية الرصد الرقمي خلف الحدود الجنوبية" حيث يتعلم الجيش الصهيوني من مصاعب الجيش المصري في الحرب على داعش والتي تتركز على المصاعب التي يلاقيها الجيش المصري في جسر الهوة بين المعلومة الاستخبارية وحلقة النار، وفي جعل إصابة الأهداف أكثر دقة، وفي إدارة المحاور اللوجستية بنجاعة.

وبعيدا عن الجبهة المصرية، في الكلية، يقوم أحد مشغلي جهاز المحاكاة بإدخال اسم قرية لبنانية في الجنوب، ويستعرض صور ثلاثية الأبعاد للمنطقة، بمساعدة مدرب من شركة رافائيل العسكرية المصنعة للنظام، الذي عمل على محاكاة مخصصة لخلايا الهجوم "هل هنالك مدنيين حول السيارة التي نرغب بمهاجمتها؟ أين ستكون السيارة بعد نصف دقيقة، في وسط السوق؟ الهدف هنا لا يتلخص في مهاجمة العدد الأكبر من الأهداف، بل في خلق أهداف يمكن مهاجمتها بشكل يخدم تنفيذ المهمة، وفي طرح العدد الأكبر من الأسئلة طيلة الوقت. هل هنالك شخص في المنزل المستهدف؟ هل هذا الشخص هو ذات الشخص الذي نبحث عنه؟" يقول ضابط استخبارات معني.

يضاف أن عملية التأهيل هذه لا تستند على قطاع معين بل تتركز في السؤال حول "كيف يمكن الإيقاع بهدف؟" و إن على قائد الهجوم أن يسأل إن كان قد تم تحديد مهمة له، خصوصا إن كان تم تحديد معايير للمهمة ترتبط بالقانون الدولي، وأن يعرف ما هو المتاح لخلية الهجوم من مصادر النيران الجوية، البرية، والبحرية ويشمل التأهيل أيضا تدريبا على حالات وردود فعل في ظل سؤال رئيسي : ما الذي يتوجب على الضابط فعله وصولا إلى اللحظة التي يطلق فيها أمره بإطلاق النار؟، بعد ذلك، يكون مطلوبا من الخلية التحقيق في نتائج الهجوم، وخلال العام الماضي، تم إصدار كتاب نظرية قتالية شامل في هذا الموضوع.

تم استنساخ خلايا الهجوم التابعة للجبهة الجنوبية في جميع قطاعات الجيش الصهيوني، ويزعم التقرير أن الجيش سيكون مطالبا في المعركة القادمة بعكس هذه الخبرات التي حصّلها في هذا المجال في الميدان، "العثور على العدو وإغلاق حلقة النار عليه، سواء أكان العدو قريبا أم بعيدا، ويجب القيام بذلك بسرعة ونجاعة". حيث سيكون الضباط مطالبين باتخاذ قرارات خطيرة ومعقدة خلال ثوان، وعليهم أن يقودوا، وأن يديروا، وأن يسيطروا على جهات عديدة، وكل هذا ينبغي أن يحصل في ظل التوتر الهائل الكامن في ميادين القتال، وبهذه الطريقة تريد دولة الاحتلال "تحييد" خلية المقاومة القادمة استباقيا وقبل تنفيذ مهمتها.