صوت الكنيست الصهيوني هذه الليلة على مشروع ما يسمى القانون الأساسي: دولة إسرائيل - الدولة القومية للشعب اليهودي" القومي" ، بالقراءتين الثانية والثالثة لصبح قانون أساس، وقد صوت مع المشروع 62 عضوا وعارضه 55 فيما امتنع عضوا كنيست عن التصويت. وشهد التصويت مشادات حادة أدت إلى إخراج أعضاء كنيست عرب من الجلسة، وكذلك تمرد بيني بيغن على حزبه وإعلانه الامتناع عن التصويت. هنا مراجعة شاملة.
في خطابه في المؤتمر الصهيوني السادس عشر عام 1929قال الزعيم الصهيوني الفاشي زئيف جابوتنسكي:«ترى ما هو الوطن القومي؟ إن لهذه الكلمة كما أفهمها معنى واحداً ليس إلا.. تتقبله روح الشعب اليهودي، وهو إقامة الدولة القومية التي يكون فيها اليهود أغلبية طاغية وتكون الإرادة اليهودية هي التي تقرر شكل الحياة في المجتمع الذي سيقوم وتوجهه».
وعلى خطى منطق جابوتنسكي الذي طالما ادعت الصهيونية الرسمية معارضتها له، هاهم ورثته الذين حازوا على الدولة بكل مافيها يتابعون خطاه ويحولون ترهاته العنصرية إلى حقائق قانونية.
يمكن تفسير هذا القانون العنصري بسهولة في حالة الفهم الجذري لطبيعة الصهيونية وتفكيرها وجوهر ما تأسست عليه، وإذا كانت العنصرية هي دين المستعمر الذي لا خلاص له منه، لم يكن بمقدور الصهيونية أن تكون خارج هذا الإطار و لن تجد حلا لمأزقها الاستعماري، سوى بالعنصرية وافتراض تأخر الشعب الآخر، وتأصل هذا التأخر في دمه وعنصره، وهذه هي بالتأكيد الفلسفة التي بني عليها هذا القانون الإجرامي.
لم يعد هناك لحظة أخيرة تعود فيها الكنيست الصهيوني إلى رشدها وتتراجع عن تمرير قانون "الدولة القومية اليهودية" المغرق في العنصرية والذي يشكل "درة تاج" سلسلة طويلة من القوانين التي تضع دولة الاحتلال في مصاف دولة فاشية بامتياز، فالكنيست الصهيونية لم تكن أبدا فاقدة الرشد وهي تسن قوانينها العنصرية الواحد تلو الآخر بل كانت منصاعة وموجهة دائما بمنهجية أيدلوجية جوهرها الاستيلاء على أرض الفلسطينيين وطردهم وفي أحسن الأحوال تحويلهم إلى "حطابين وسقاة ماء" البعض منهم "زنوج منازل" والبقية "زنوج حقل" والسوط لم يوفر أحدا من الجانبين، سوط العنصرية البغيضة الذي يحمله "شعب الله المختار" المدعوم بسطوة "يهوى" غريب الأطوار، الذي نقل جنونه إلى أتباعه المسمومين بكذبة التفوق والحصرية، وهاهي الكنيست تكمل عملها الطبيعي تقونن الأبارتهايد، وتعزز تفوق عرق معين، ويبقى السؤال ما الفرق بينها وبين الرايخ الثالث.
فبعد نقاشات حادة، جزء منها كان اعتراضا أساسيا على القانون ومعظمها كان يدور حول تشديده أو تخفيف بعض فقراته، يمر القانون، الذي يعطي الأولوية لليهود ويفضلهم على غيرهم في "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
العبارة الأخيرة لم تعد مدعاة للسخرية، بل هي مدعاة لغضب كا دعاة حقوق الإنسان والمساواة في العالم أجمع، فعن أي ديمقراطية يتم الحديث في دولة قامت على الاحتلال، وترسيخ التفوق اليهودي على حساب أصحاب الأرض الشرعيين والتي تمضي قدما في استثنائهم من التواجد من الحيز العام للحقوق المدنية الشرعية إلى حيز العدم وعدم الاعتراف.
ويسعى القانون إلى إعادة تعريف إسرائيل في قالب يهودي عرقي على حساب جميع مواطنيها، وبالتالي إعلان نهاية مبادئ الحرية والعدل والسلام والمساواة التي بشرت بها وثيقتها التأسيسية الزائفة.
تقنيا، يميز القانون ضد عشرين في المائة من سكان الدولة، وصلا إلى الفصل العنصري، عبر منح اليهود وحدهم "الحق في تقرير المصير" باعتبارهم "مميزين" وباعتبارات "الحق الإلهي المزعوم"، تقود هذا التشريع مليشيات أحزاب اليمين المتطرف والمستوطنين، وينصاع لها الغالبية العظمى من مستوطني "إسرائيل" الصهاينة.
وبالتالي: هل هذا القانون هو "جرح مميت للمواطنين العرب في "إسرئايل" على ما يقول أيمن عودة، أم أنه رصاصة الإجهاز الأخيرة على الادعاءات الزائفة التي زعمها الكيان الصهيوني منذ نشأته.
آفي ديختر، الذي يقف بالأساس وراء هذا المشروع عبر ببساطة عن الهدف منه، "القانون يلغي لغة الكذب العربية المصممة جوهريا للتحريض" هذا القانون يأتي لمنع حتى أن يخطر على الذهن “محاولة تحويل إسرائيل إلى دولة من جميع مواطنيها، بل أن تتركها في وعي "واضح" وفي كتاب القوانين الأساسية كدولة قومية للشعب اليهودي".
و بهذا القانون إذا، كما هو واضح تصبح "إسرائيل" الدولة الوحيدة في العالم التي تعرف "الهوية الدستورية" وتحددها على أساس انتماء عرقي محدد، وفوق هذا تزعم بوقاحة غير مسبوقة أنها "ديمقراطية" وتجد الكثير من الحمقى والمأجورين حول العالم ليهللوا لها.
بلغة القانون، "إن حق ممارسة تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل هو أمر فريد بالنسبة للشعب اليهودي.، ويمنح القانون اللغة العبرية مكانة مركزية ويطرد اللغة العربية من مكانتها كلغة رسمية ثانية، لمجرد أن "لها وضع خاص"، و يمنح القانون اليهود " حصرية الحقوق و الحق في أن يقرروا الأولويات الوطنية لإسرائيل"، أينما كانوا، في "إسرائيل" أو في الخارج، وحتى لو لم يحملوا جنسية الدولة.
ولا ينص القانون، على وجه الخصوص، على أن الفلسطينيين وغيرهم من مواطني "إسرائيل" غير اليهود يحق لهم التمتع بالمساواة في المعاملة بموجب القانون، في الحقيقة أن القانون يثبت أمرا واقعا على مدار سبعين عاما من التمييز المتعدد الوجوه ضد الأقلية الفلسطينية صاحبة الحق بالأرض، سواء من نواحي حيوزات الأراضي أو القضاء أو الصحة أو العمل أو غيرها ومن المعروف أن أن أكثر من 900 مجتمعا محليا في الكيان هي يهودية خالصة ولا تعدم الحكومة جهدا في تقليص حقوق الملكية للأقلية الفلسطينية، بدعم شعبي واسع النطاق، وقد أظهر استطلاع "للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية" نشرت نتائجه في تسرين ثاني/ نوفمبر الماضي أن ثلثي اليهود "الإسرائيليين" يعتقدون أن حق المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل" لشراء الأراضي في البلاد ينبغي الحد منه، في حين قال ربع اليهود "الإسرائيليين" أنه يجب منع أي من هذه المشتريات تماما. وبالتالي فإن هذا القانون جائ ليقونن رسميا وضعية هؤلاء السكان الفلسطينيين كمواطنين من الدرجة الثانية مقارنة باليهود إن لم يكن من الدرجة الخامسة عمليا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التمييز الداخلي بين اليهود أنفسهم.
المفارقة الغريبة أن الكتلة الدينية اليمينية المتطرفة أصرت أيضا على تغيير بند يلزم الحكومة "تعزيز التقارب بين الدولة والشعب اليهودي"، وضمان أنه لا ينطبق إلا على اليهود الأجانب، حيث تخشى الأحزاب الدينية تطبيق مشروع القانون على اليهود "الإسرائيليين" أيضا، وبالتالي إضعاف احتكارها لليهود في قضايا الكنيس والدولة.
من هذا المنطلق أيضا وخشية من تمكين الإصلاحيين من السيطرة على "إسرائيل" كون القانون يساوي في الحقوق الدستورية بين اليهود "الإسرائيليين" والأجانب عل حد سواء، اعترض عليه أيضا العديد من قادة حزب "البيت اليهودي" ورؤساء فروعه ووصفوه بأنه قانون " خطير" و دعوا نفتالي بينت زعيم الحزب لمعارضته، وقالوا " أن القانون الوطني في شكله الحالي يضر بشعب إسرائيل ويضر باليهودية والتقاليد اليهودية"، ولكن هذه الاعتراضات تم تجاوزها عندما قدم ديفيد أمزاليم رئيس الائتلاف تعهدا خطيا للأحزاب الحريدية بأن المحكمة العليا لن يكون لها نفوذ في مسائل التهويد وعلاقة الدين بالدولة.
وليس فقط المتدينين وبعض شرائح الاستيطان الأيدلوجي الديني، بل في إن نظرة فاحصة على كل جملة من صيغة التشريع تثير انزعاجا – إن لم يكن خلافا تاما – لدى هذه الشريحة أو تلك في المجتمع الصهيوني، فخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط أعرب عرب ويهود، علمانيون ومتدينون، قادمون جدد ومستوطنون قدامى، نساء ومستضعفون، يهود في "إسرائيل" والشتات، أشكناز وشرقيون، عن استيائهم من بعض بنوده.
وقد أعربت شخصيات عامة بارزة عن اعتراضها على مشروع القانون: من بيني بيغين وتسيبي ليفني ودان ميريدور (جميعهم أبناء لمؤسسي الليكود) وصولا إلى نتان شارانسكي ورئيس الدولة رؤوفين ريفلين اللذين يشاركان التوجه القومي نفسه (ولكن ليس الانحرافات المتطرفة فيه).
وشكك حقوقيون في دستوريته وفي تداعياته أيضا. زعماء اليهود في العالم مارسوا ضغوطا ضد بعض بنوده، أعرب الآلاف من منظمات المجتمع المدني والمواطنين عن استيائهم الشديد منه – حتى أنهم خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم. وعلى الرغم من الغضب الذي أثاروه في الدوائر الحكومية، حذر قادة ديمقراطيون في أوروبا وأمريكا الشمالية بشدة ضد الخطوة، مشيرين إلى الضرر الذي لا يوصف لمكانة "إسرائيل" في العالم الديمقراطي.
أخيرا فإن هذا القانون، ليس دليل قوة للدولة الصهيونية، بل هو دليل فشلها المتواصل أخلاقيا وسياسيا وأمنيا ودبلوماسيا، ومثله مثل القوانين التافهة التي سعى هذا الائتلاف المتطرف لتمريرها، يسعى إلى بيع فخر وطني، وهوية مزيفة للجمهور، الصهيوني، وهو قانون كما إنه يشكل "درة تاج" الصهيونية، فإنه ربما يكون أحد عوامل دفنها ودفعها إلى الهاوية المستحقة.