ما زالت السياسة الصهيونية تجاه غزة تعيش تخبطا غير مسبوق، يبرز أول ما يبرز في الفشل الكامل الذي حصده الكيان في التصعيد الأخير مع القطاع خصوصا منذ بدء مسيرة العودة الكبرى وتبين غياب أي استراتيجية صالحة للتعامل مع الوضع الجديد، وثبات عجز الجيش عن الرد على الأساليب الجديدة المقاومة وخصوصا ذات الطابع الشعبي منها، ناهيك عن الفشل في إسكات المقاومة، وحديث الكثير من المعلقين السياسيين والعسكريين عن استحالة إخضاع غزة والمقاومة،.
يتبين هذا بشكل مباشر في الانشقاق داخل الكابينت الصهيوني حول استراتيجيات الرد، وتخبط القيادة الصهيونية، ما بين الشروع في عدوان جديد شامل ضد غزة، مشكوك بنجاعته حسب أفضل التحليلات بمعزل عن اللغة المتعالية والعنجهية التي يتحدث بها البعض، وما بين التوصل إلى هدنة نافعة ومفيدة مع غزة تضمن ماء وجه الكيان ونتنياهو ومؤسسته العسكرية الأمنية، تضمن وقف الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة، وتضمن أيضا عودة الجنود الأسرى لدى المقاومة وجثث من يقال أنهم قتلى، ولكن يبقى هذا أيضا بعيد المنال.
كل هذا يجعل الحكومة الصهيونية تتخبط وتخرج حلولا قديمة من أدراجها مثل استعادة سياسة الاغتيالات ضد قيادات المقاومة في محاولة لقلب معادلات المواجهة وفرض سيناريو جديد.
في هذا السياق تأتي تصريحات وزير الطاقة يوفال شتاينتس الذي اختار على الأرجح أن يغرد خارج السرب بزعمه أن الفرصة مواتية لإسقاط حركة حماس وهو يعني طبعا إخضاع غزة، وجاءت تصريحاته على خلفية التقرير بإعادة سياسة الاغتيالات، وزعم شتاينتس أنه لا ينبغي على "إسرائيل" خوض الحرب"كل مرة يضربوننا بها”.
تصريحات شتاينتس تأتي على خلفية تقرير صحيفة هآرتس يوم الأحد الذي يؤكد أن الكيان أنجز فعليا بناء خطة الاغتيالات وتحديد بنمك الأهداف غير أن الكيان ينتظر نتيجة المفاوضات ليقرر فيما إذا كان سيمضي قدما في العملية ونقلت الصحيفة في هذا السياق عن مسؤولين أمنيين صهاينة اعتقادهم أن الاغتيالات أفضل من الحرب الشاملة في غزة، بينما كان هناك رأي آخر بارز بأن الاغتيالات قد تؤدي إلى انطلاق حملة عسكرية.
المؤسسة العسكرية الصهيونية تماطل على ما يبدو لأسباب لوجستية تتعلق بالانتقادات التي تقول أن الجيش ليس جاهزا لعملية عسكرية وأنه لم يرمم أوضاعه منذ عدوان 2014، وتسعى المؤسسة الصهيونية لتأجيل الحملة الجديدة في حال إقرارها إلى نهاية 2019 على الأقل بعد اكتمال الحاجز الذي يجري بناءه حول القطاع، ولكن هذه الفترة الزمنية بحد ذاتها تحمل الكثير من التطورات خصوصا الانتخابات "الإسرائيلية" القادمة واحتمالات تغييرات حكومية، أو أن يسفر الضغط الدولي عن حلول تذهب في اتجاهات أخرى.
لذلك من الواضح أن تعليقات وزير الحرب أفيغدور ليبرمان حول أن الجولة القادمة تقترب هي للصرف في السوق السياسي المحلي فقط، ولايمكن عزل تصريحات المسؤولين الصهاينة عن الحملات الانتخابية والتمهيد لها لحشد الأصوات، وبالتالي يبدو أن قاعدة الهدوء مقابل الهدوء وبعض التحسينات على وضع غزة الاقتصادي لتخفيف الضغط هي الرؤية الوحيدة المتوافرة لدى الكيان وهو أمر يشير إلى انعدام النية بالسعي إلى حملة جديدة مع المحافظة على الادعاء الصهيوني بعدم الالتزام علنا بإنهاء القتال، ومحاولة إقناع النفس والداخل الصهيوني أن حماس قد هزمت وتعيد ترتيب أوراقها كما قال عسكري كبير لصحيفة هآرتس.