Menu

تقريركل شيء عن بيغاسوس: القاتل الصهيوني الإلكتروني المتنقل

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

يشمل هذا النص جزأين، في الجزء الأول نقدم نظرة على تجارة السلاح الصهيونية وقصة التجسس، وبداية "بيغاسوس" واكتشافه، وطريقة عمله، وفي القسم الثاني، ترجمة معالجة لأهم ما ورد في التحقيق الاستقصائي لجريدة هآرتس الصهيونية حول طريقة عمل هذا البرنامج الخطير استنادا إلى شهادات من عملوا مدربين له وكيف تعمل آلية الإشراف الصهيوني على هذه التجارة.

 منذ ما قبل تأسيسها، استخدمت الدولة الصهيونية ما يعرف بـ"دبلوماسية السلاح" لتعزيز وشراء التحالفات حول العالم، وقصص الدعم العسكري والاستخباري الذي قدمه الكيان الصهيوني لمختلف أنواع الأنظمة القاتلة والديكتاتورية حول العالم معروفة تماما وأصبحت جزءا من التاريخ، ولطالما استخدم السلاح الصهيوني في تغذية الصراعات االمحلية التي أدت إلى تدمير العديد من المجتمعات، وقد عملت دولة الكيان في هذا سواء لمصلحة الولايات المتحدة وبالوكالة عنها أو لمصلحتها الخاصة، للتخلص من النقاد والخصوم وإيصال عملائها والمتعاونين معها إلى السلطة، أو انتقاما من الدعم الذي تقدمه بعض الدول للقضية الفلسطينية.

هذه الممارسات وجدت في القارات االخمسة، ورائحة البارود والسلاح الصهيوني انتشرت من كوبا باتيستا إلى الأرجنتين والمكسيك وغواتيمالا والهندوراس وغيرها في أمريكا اللاتينية إلى الكونغو وكينيا وجنوب السودان وبوتسوانا ونظام بريتوريا العنصري وغيرها في القارة الأفريقية وصولا إلى شرق أوربا وآسيا.

هذا التحقيق لايتعلق بالبنادق والرصاص، بل بسلاح لايقل فتكا، عنهما، وهو توفير الأدوات التجسسية للأنظمة وأجهزة القمع لمراقبة المدنيين والنشطاء وصولا إلى التخلص منهم، مرورا بزرع الفتن في المجتمعات وتلفيق التهم وتشويه السمعة، كل هذا يجري بقفازات من حرير، ليس بأيدي جنود ملطخة بزيت السلاح، بل عبر موظفين متأنقين يجلسون خلف شاشات البلازما، يطورون أدوات التجسس القاتلة ويعممونها على العالم باعتبارها "عوزي الكتروني" لايعتمد على الزنبرك وإبرة التفجير والسبطانة، بل على الخوارزميات  التي يمكن نشرها كالطاعون.

في هذه التجارة التي لاتقل توحشا عن تجارة السلاح، يبرز الكيان الصهيوني كلاعب أساسي، في إنتاج وبيع هذا السلاح وتمويه مصدره عند الضرورة وطبعا تدريب مستخدميه من المشترين.

من مراقبة نشطاء في المكسيك والتسبب بقتلهم، إلى ملاحقة ناشط سعودي في كندا، إلى اختراق هاتف ناشط إماراتي في دبي والتسبب بسجنه، إلى زرع فتنة دينية في باكستان، تلك هي مهمة بيغاسوس، البرنامج الصهيوني الخبيث، الذي ينتشر كالطاعون في فضاء الشبكات الالكترونية والخلوية، ومقابل هذا تتدفق مئات ملايين الدولارات على خزينة وزارة الحرب الصهيونية، تعيد تدويرها لتصنع صواريخ وقنابل تدك غزة، وتشتري قناصات وطائرات لملاحقة المدنيين الفلسطينين العزل، ومئات الملايين على خزائن الشركات الصهيونية التي تتزيا بزي بلغاري أو قبرصي أو أوكراني، ولكن بمجرد سماع اسم صاحب هذه الشركة أو أحد العاملين فيها ستعرف تماما إنه من ذلك الكيان القاتل.

من المعروف أن قصة الكشف المذهل بدأت مع معارض سعودي، طلب من "سيتزن لاب" وهي منظمة كندية  للأمن الالكتروني للمستخكين التحقق من هاتفه بعد تلقيه رسالة تفيده بوجود مظاهرة أمام السفارة السعودية، وطلب منه الضغط على الرابط الذي جعل "بيغاسوس" يخترقه تماما فيما يقول تقرير آخر إنه يلم الهاتف للمنظمة قبل أن يضغط الرابط الكمين.

قبل هذا، كان هناك برنامج آخر قبل "بيغاسوس" حيث اكتشف خبراء غوغل ولوك آوت، تطبيق أندرويد متطور جدا يتجسس على المستخدمين من خلال اختراق الكاميرا والمايكروفون ويتتبع مكالماتهم ورسائلهم وسجلات بحثهم على الإنترنت وغيرها، وفي تحقيق لها قالت صحيفة يديعوت أحرونوت أن اسم التطبيق هو كريسور Chrysaor ووصف بأنه برنامج سيء السمعة يستهدف مستخدمي هواتف آيفون وتم اكتشافه عام 2016 ويشتبه أيضا أنه من إنتاج ذات الشركة التي أطلقت "بيغاسوس" وهي NSO Group Technologies ، ورغم أن التطبيق لم يكن متاحا على متجر غوغل إلا أنه تم رصده في 36 هاتف ذكي في إسرئايل وكذلك في جورجيا والمكسيك و تركيا وغيرها من الدول.

يتميز كريسور أيضا بخاصية التدمير الذاتي مما يساعد في عدم اكتشافه وقال مايكل سلومان، وهو باحث أمني في شركة لوك آوت "هذا البرنامج يستشعر إذا ما كان على وشك الاكتشاف فيحذف نفسه لهذا استغرقنا وقتا طويلا لايجاد عينات ندرسها". وقالت غوغل ولوك آوت أن هذا التطبيق يعود إلى وقت مبكر من 2014.

بالعودة إلى بيغاسوس، قالت منظمة "سيتزن لاب" في تقريرها الشهير أن الرصد بدأ عام 2016 حيث تم العثور لغاية الوقت الحالي على 1091 عنوان آي بي مرتبط ببيغاسوس، وهناك 1014 دومين، تشير إلى الهويات السابقة وأكثر من ذلك تبين أن هناك 45 دولة يشملها عمل التطبيق ويجري فيها مشغلو بيغاسوس عمليا مراقبة بل أن ما لايقل عن عشرة مشغلين يراقبون ضحايا خارج حدود بلادهم.

كيف يعمل بيغاسوس؟

لاشيء آمن، فبمجرد أن يصل البرنامج إلى الجهاز الضحية يصبح كل شيء مباحا، حيث يحاول البرنامج استغلال سلسلة من الثغرات الأمنية في الأجهزة المحمولة المستهدفة معروفة باسم “Zero-day”  حيث يتم اختراق مميزات الحماية وتحميل بيغاسوس دون إذن المالك، الذي يتحول إلى ضحية، ويبدأ البرنامج على الفور الاتصال بمركز التحكم داخل الهاتف لاستقبال وتنفيذ أوامر المشغل ثم يقوم بإرسال البيانات: كل شيء: اكتشاف موقع الهاتف، التنصت على ذلك، سجل المحادثات القريبة، تصوير المنطقة المجاورة للهاتف، وقراءة وكتابة الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني، وتنزيل التطبيقات وتطبيقات الاختراق الموجودة بالفعل في الهاتف، والوصول إلى الصور والمقاطع وتذكيرات التقويم وقائمة جهات الاتصال، وأكثر من ذلك: تطبيقات وحسابات G-mail وفيس بوك وواتس أب وسكايب وفايبر وغيرها حتى تلك المشفرة كليا وكل هذا في  سرية تامة أو كما قال أحد المشغلين الصهيانة "نحن لانترك أثرا.. أشباح".

اكتشفت المنظمة (سيتزن لاب-مختبر المواطن) أن روابط بيغاسوس ومخدمات التحكم مرتبطة ببروتوكول: HTTPS أي أن المشغلين يقومون بحجز أسماء نطاقات للروابط الخبيثة وأحيانا عبر انتحال شخصية مزودي الهاتف المحمول، أو مزودي خدمة الإنترنت أو بنك، أو موقع حكومي أو أي شيء آخر مما يجعل الروابط تظهر كروابط سليمة ويتم بمجرد الضغط على الرابط الذي يتم صياغته بشكل خاص لكل هدف حسب دراسته التفصيلية وعبر آلية الهندسة الاجتماعية، يقوم بتحويله إلى مخدم وهمي يدعى VPS أو مخدمات الواجهة، المستأجرة من قبل الشركة الإسرائيلية NSO أو من قبل المشغل مباشرة. واكتشفت سيتزن لاب أن NSO تقوم بعد كل كشف عن نشاطاتها بإغلاق المخدمات الوهمية، ثم تعيدا بهويات وبصمات جديدة.

الدول التي حددتها المنظمة تشمل: الدول العربية: الجزائر والبحرين، و مصر والعراق والأردن والكويت ولبنان، والمغرب وعمان وفلسطين وقطر والسعودية وتونس والإمارات واليمن، أما الدول الأخرى فشملت: بنغلاديش والبرازيل وكندا وكوت ديفوار وفرنسا واليونان وإسرائيل وكازاخستان وكينيا وقرغيزستان ولاتفيا والمكسيك وهولندا وباكستان وبولندا ورواندا وسنغافورة وجنوب أفريقيا وسيوسرا وطاجيكستان وتايلاند وتوجو وتركيا وأوغندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوزباكستان وزامبيا.

عربيا، لاحظت المنظمة توسعا كبيرا في الخليج العربي في استخدام بيغاسوس حيث تم رصد ستة مشغلين يقومون بعمليات ضخمة حيث هناك مشغلين اثنين في الإمارات وواحد في البحرين وآخر في السعودية وربما ثلاثة منهم على الأقل قاموا بعمليات تجسس خارج الحدود شملت كندا والولايات المتحدة واليونان والمملكة االمتحدة وفرنسا.

إضافة إلى شهرة دول الخليج في التجسس على المعارضين والنشطاء واستخدام أدوات المراقبة المستوردة من الخارج ومن إسرائيل حاليا على وجه الخصوص فقد سبق للبحرين أن استخدمت برنام فاين فيشر بين عامي 2010 و2012، وتعتقد سيتزين لاب أن مسعى السعودية لإدانة وإعدام خمسة ناشطين حاليا يستند إلى إنجازات بيغاسوس.

في إسرائيل اكتشفت المنظمة عدة مشغلين أربعة منهم يعملون داخليا وواحد يبدو أنه يعمل إضافة إلى الداخل في بلدان أخرى في هولندا وفلسطين وقطر وتركيا والولايات االمتحدة، فيما يبدو أن المشغل المغريب يمارس نشاطاته التجسسة في الخارج في الجزائر وفرنسا وتونس.. وذلك على سبيل المثال.

في الجزء التالي  نقدم لقرائنا أهم ما جاء في البحث الاستقصائي الذي أجراه فريق صحيفة هآرتس الصهيونية هاجر شاراف وجوناثان جاكوبسون، والذي يغطي 100 مصدر في 15 دولة، ويكشف كيف أصبحت إسرائيل مصدرا قياديا لأدوات التجسس التي تباع للطغاة حول العالم بما فيها الدول العربية التي لاتربطها علاقات مع إسرائيل و يكشف الطرق الخبيثة التي يسلكها بيغاسوس، والشركات التي تعمل في هذا المجال، والجرائم التي ترتكب، ودور الحكومة الصهيونية عبر وزارة الحرب ووزارة الخارجية في هذه التجارة المتوحشة

البداية من المكسيك

يقول التقرير أنه خلال صيف عام 2016، كان الناشط البرازيلي سانتياغو أغيري في خضم تحقيق مطول سيقوده إلى حل لغز اختفاء وقتل 43 طالبا في مدينة إغوالا قبل عامين، حيث اكتشف كذب التحقيق الحكومي.

وتلقى أغيري في ذلك الوقت سلسلة من الرسائل النصية تحتوي على روابط مفادها "أرجو مساعدتي مع أخي، أخذته الشرطة فقط لأنه معلم"، وكتب في رسالة أخرى "أستاذ، واجهت مشكلة وأريد نصائح حول الأطروحة"، كانت نصوص تلك الرسائل لاتختلف عن العديد من الرسائل المشروعة التي يتلقاها كل يوم كجزء من عمله، وهنا يكمن سر قوتهم. عندما ضغط أغيري على الروابط، حول عن غير قصد هاتفه الذكي إلى جهاز مراقبة في يد الحكومة.

يقول أغيري في شهادته لهآرتس بأن: "هذه الرسائل النصية كانت تحتوي على معلومات شخصية" و "نوع هذه المعلومات كانت تجعل الرسالة مثيرة للاهتمام بالنسبة لي، لذا فإنني أضغط. لم أكن أفكر، بغرابة أنني تلقيت ثلاث رسائل مع روابط ".

كان لهذا الاكتشاف تأثير مرير ووحشي على عمل منظمته، فللمرة الأولى كما يقول في حديثه مع صحيفة هآرتس من خلال اتصال هاتفي، قال إنه فعلا وحقا يخشى أن كل خطوة كان يخطوها كانت تحت المراقبة، وأنه ربما كانت أسرته أيضا تحت المراقبة.

ففي بلد يحوي حوالي 30.000 شخصا مختفيا وتخضع الكثير من مناطقه لسلطة منظمات الجريمة، الشرطة فاسدة عموما وتعمل مع هذه المنظمات  التي تستخدم  الشرطة لإخفاءالناس الذين يعتقدون أنهم العدو.

بالكشف العام عن حقيقة إن كان أغيري قد خضع للمراقبة أم لا، وبفضل التعاون بين المنظمات المكسيكية ومعهد "مختبر المواطن" الكندي للأبحاث، اتضح أن أغيري كان واحدًا من مجموعة تضم 22 صحفيًا ومحاميًا وسياسيًا وباحثًا ونشطاء تم تتبعهم من قبل السلطات المحلية. كشف فحص هاتف أغيري أن الروابط في الرسائل النصية، كانت مرتبطة ببرامج تجسس بيغاسوس، الذي كانت تستخدمه السلطات.

قصة نجاح اقتصادي

أدت متابعة  مسار البرمجيات الخبيثة إلى ضاحية هرتسليا، وهي ضاحية مزدهرة في تل أبيب، وهي واحدة من المحاور الرئيسية لصناعة التكنولوجيا العالية في إسرائيل حيث الشركة التي وضعت هذا البرنامج كحصان طروادة هي  NSO Groupالذي وصفته مجلة فوربس يأنه "عدة تجسس متنقلة"، في عام 2016، ويسمح بمراقبة غير محدودة تقريبا.

تحولت قدرة بيغاسوس الغازية بسرعة إلى نجاح اقتصادي مبهر، في عام 2014، وبعد أقل من خمس سنوات من إطلاقه في موشاف بني صهيون وسط إسرائيل، تم شراء 70 في المائة من استثمارات الشركة بمبلغ 130 مليون دولار من قبل  فرانسيسكو بارتنرز، وهي واحدة من أكبر شركات الأسهم الخاصة في العالم، وهي متخصصة في الاستثمارات ذات التقنية العالية. وجاء هذا الاتفاق مع فرانسيسكو بارتنرز ضمن مشتريات سابقة من الشركات الإسرائيلية السابقة ليبريز وديمتك وفقا لرويترز، وتمتع فرانسيسكو بارتنرز بربح  قدره 75 مليون دولار.

لكن الأرباح الضخمة لـ NSO Group ليست سوى جزء صغير من الصورة الكبيرة، ففي غضون بضع سنوات، أصبحت صناعة التجسس الإسرائيلية رأس الحربة في التجارة العالمية في أدوات المراقبة واعتراض الاتصالات. اليوم، كل وكالة حكومية لا تحترم نفسها ولا تحترم خصوصية مواطنيها، أصبحت مجهزة بقدرات تجسس تم إنشاؤها في ضاحية هرتسليا.

الأنباء التي تحدثت عن بيغاسوس، دفعت عضو الكنيست الإسرائيلي وزعيمة ميرتس تمار زاندبيرج ومحامي حقوق الإنسان ايتاي ماك للذهاب إلى المحكمة في عام 2016 مع طلب لتعليق رخصة التصدير الخاصة بـ NSO Group ، إلا أنه بناء على طلب الدولة، عقدت المداولات في جلسة مغلقة، وتم إصدار أمر حظر بشأن الحكم، وقد لخصت رئيسة المحكمة العليا استير هيوت الأمر بقولها: "إن اقتصادنا، يعتمد بشكل كبير على هذه الصادرات".

تستفيد وزارة الحرب الإسرائيلية، من تعتيم الأخبار، بحيث يتم الإشراف بعيداً عن أعين الناس وحتى عن لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست التي تتمتع بالتفاصيل الأساسية لحصة الأسد من صادرات إسرائيل الدفاعية وخلافا للقواعد التي توجد في ديمقراطيات أخرى، رفضت الوزارة الكشف عن قائمة البلدان التي تحظر الصادرات العسكرية إليها، أو المعايير والمقاييس التي تكمن وراء قراراتها.

في التحقيق الشامل الذي أجرته "هآرتس"، بالاستناد إلى حوالي 100 مصدر في 15 بلداً، هدفت إلى رفع غطاء السرية عن التجارة الإسرائيلية المستندة إلى وسائل التجسس، وتشير النتائج إلى أن الصناعة الإسرائيلية لم تتردد في بيع القدرات الهجومية للعديد من البلدان التي تفتقر إلى تقاليد ديمقراطية قوية، حتى لو تأكدوا من أن المواد المباعة كانت تستخدم لانتهاك حقوق المدنيين.

 وتشير الشهادات إلى أن المعدات الإسرائيلية قد استخدمت لتحديد مكان واعتقال نشطاء حقوق الإنسان، واضطهاد أعضاء المجتمع المدني، وإسكات المواطنين الذين كانوا ينتقدون حكوماتهم، وحتى افتعال حالات التجديف ضد الإسلام في الدول الإسلامية، التي لا تملك علاقات رسمية مع إسرائيل كما في إندونيسيا.

ووجد تحقيق "هآرتس" أيضاً أن الشركات الإسرائيلية استمرت في بيع منتجات التجسس، حتى عندما تم الكشف علناً عن استخدام هذه المعدات لأغراض خبيثة.

شركات إسرائيلية خاصة، كما اكتشف التحقيق، باعت برامج التجسس وبرمجيات جمع المعلومات الاستخباراتية عديد العديد من البلدان، ذكرناها جميعا أعلاه.

ورفض الغالبية العظمى من الموظفين الذين تحدثت معهم هآرتس أن يقدموا شهادات مفصلة في هذا التقرير، بسبب العقود السرية الصارمة التي وقعوها. أما الموظفون الآخرون الذين وافقوا على الحديث عن دورهم في الصناعة، فيظهرون بأسماء مزيفة، وبينما تحدث بعض الرؤساء التنفيذيين، فضل آخرون البقاء في إطار السرية، وإيراد رد الفعل المعتاد: "فالنظم الإسرائيلية تساعد في إفشال الإرهاب ومحاربة الجريمة، وأن المبيعات سمح بها من قبل وزارة الدفاع، ويتم تنفيذ الصادرات بشكل قانوني".

والحقيقة هي أن جميع المعلومات الواردة أعلاه صحيحة، فالقانون لا يحظر بيع تقنيات المراقبة،  ومعدات مراقبة للحكومات أجنبية ووكالات إنفاذ القانون، والموافقة على الصادرات تأتي من قبل وكالة التحكم بصادرات الدفاع (وحدة في وزارة الحرب الإسرائيلية) .

وتستخدم المواد المعنية لإحباط الإرهاب والجريمة. على سبيل المثال، ساعدت أنظمة شركة فيرنيت  في الجهود المبذولة لوقف عمليات الاختطاف في موزمبيق، وفي حملة ضد الصيد غير المشروع في بوتسوانا. وفي نيجيريا، ساعدت الأنظمة الإسرائيلية في المعركة ضد منظمة بوكو حرام الإرهابية، ومع ذلك، يعترف كبار المسؤولين في الشركات الإسرائيلية أنه بمجرد بيع الأنظمة، لا توجد وسيلة لمنع إساءة استعمالها.

تنقل هآرتس عن روي، وهو من ذوي الخبرة في مجال البرمجيات السيبرانية: "لا أستطيع أن أضع حدودا لما يفعله عملائي".. "لايمكنك بيع شخص ما سيارة مرسيدس وإخباره بعدم القيادة بسرعة تتجاوز 100 كيلومتر في الساعة، والحقيقة هي أن الشركات الإسرائيلية لا تعرف كيف ستُستخدم الأنظمة التي تبيعها".

"من الصعب الإشراف"، هكذا يقول يانيف (اسم مستعار، مثل كل الأسماء الأخرى المذكورة هنا)، الذي يعمل في هذه الصناعة، وخدم في وحدة تجسس الجيش 8200 في سلاح الاستخبارات"، حتى عندما توضع قيود على قدرات برامج الكمبيوتر، لا تعرف الشركات ستستخدم ضد من، ويعلم الجميع في هذا المجال أننا نقوم بتصنيع أنظمة تغزو حياة الناس وتنتهك حقوقهم الأساسية، إنه سلاح - مثل بيع مسدس. الأمر الخاص هو أن الناس في هذه الصناعة يفكرون في التحديات التكنولوجية، وليس بآثارها أريد أن أصدق أن الحكومة  تشرف على الصادرات بالطريقة الصحيحة".

ومع ذلك، حتى المشرفين في الحكومة، ليس لديهم أي وسيلة لمعرفة على من تتجسس المنتجات الإسرائيلية، في بعض الأحيان، يستعلّم الإسرائيليون الذين يدربون المشترين في استخدام الأنظمة، عن الأغراض التي يسعون إليها، يقول تومر الذي درب أجهزة استخبارات في جميع أنحاء العالم،  حدث أن رأيت استخدامًا خاطئًا للغاية للأنظمة". "أنا أخبر المتدربين الأجانب عن قدرات النظام، ويسرعون إليه ويبدأون بوضع الأشخاص تحت المراقبة لأسباب لا تذكر. حدث أمام عيني مباشرة، أن شخصا ما كان ينتقد خطوة الرئيس لرفع الأسعار، وشارك شخص آخر في هاشتاج تم تحديده مع المعارضة - وفي لحظة واحدة أصبح كلاهما موجود في قائمة المراقبة".

يقسم جاي مزراحي، المؤسس المشارك لشركة سيبريا وهي شركة لحلول الإنترنت، القطاع إلى نوعين من الشركات: "هناك شركات تعرف كيف تفعل شيئًا واحدًا فقط، ولكن بشكل جيد" بينما "لدى الشركات الأخرى مجموعة من المنتجات، البعض منهم يتحكم في قواعد بيانات مزودي خدمات الإنترنت والمشغلين الخلويين، من خلال القدرة على الوصول إلى الجهاز [المستهدف] نفسه، بكل أنواع الوسائل". ومن المحتمل أن تكون شركة  NSO، المطور لبيغاسوس أفضل مثال معروف للفئة الأولى التي تتكون من قدرة استثنائية واحدة.

تعد شركة Verint Systems واحدة من الشركات العملاقة متعددة الأوجه في هذا المجال، وهي مثال على النوع الثاني من المنتجات المتنوعة، وكذلك وحدة ذكاء  Comverse للتكنولوجيا، التي أنشئت في فيرنت من قبل يعقوب "كوبي" ألكسندر، وهو رجل أعمال أمريكي إسرائيلي أطلق سراحه مؤخرا من السجن في أعقاب اتهامات بالاحتيال، وجهت له من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة، وحاليا يعمب مديراً تنفيذياً لشركة لفيرنت هو دان بودنر، ولديها 5200 موظف في عدد من الدول، يعمل 1000 منهم في مقر هرتزليا.

في موزامبيق وبوتسوانا عملت المنتجات في  مشاريع مشروعة فقط، و في أذربيجان وإندونيسيا كانت منتجات الشركة تستخدم  بشكل ضار. يقول تال: "كنت مدربًا في أذربيجان، في أحد الأيام جاءني المتدربون أثناء الاستراحة.. لقد أرادوا معرفة كيفية التحقق من الإدخالات الجنسية  (المتعلقة بأصحاب الميول التي تعتبر غير شرعية) عبر الفيس بوك  بعد ذلك، عندما قرأت عن الموضوع، اكتشفت أنهم معروفون باضطهادهم لـ[مجتمع المثليين] هناك. فجأة تم تسليم البضاعة ".

ومن الأمثلة على ما قصده، التقرير الصادر عام 2017 بشأن اعتقال وتعذيب الشرطة الأذربيجانية لـ 45 من الرجال المثليين والمتحولين جنسياً، حدث ذلك بعد بضع سنوات من بدء استخدام أنظمة فيرنت في البلاد. ويكمل تال: إنه يستمتع الآن بالعمل هناك، مضيفًا أن حوادث من نوع أذربيجان سارعت إلى قراره بمغادرة المهنة.

في حالة أخرى، كان ضحايا برامج التجسس أقليات دينية، حيث يقول نيتانيل: "بمجرد أن وصلت إلى البلاد، قال لي العميل أن هناك حاجة لمساعدتي في التحقيقات التي تعثرت". نيتاسل هذا عمل مع الاندونيسيين لتفعيل النظم الالكترونية، لكن "سرعان ما تحول التحقيق إلى قضية ضد شخصية عامة غير مسلمة اتهم بالتجديف"، وهي جريمة تصل عقوبتها إلى  خمس سنوات في السجن.

لا تترك أي آثار:

بالعودة إلى NSO تم تأسيس العملاق الإلكتروني الإسرائيلي في عام 2010 من قبل ثلاثة أصدقاء: عمري لافي، شاليف خوليو ونيف كرمي (غادر الأخير في وقت مبكر)، حيث عرف لافي وهوليو بعضهما وهما في مرحلة المدرسة الثانوية في جيفا، وهما الآن في أواخر الثلاثينيات من العمر، حيث شرعوا في طريقهم إلى العمل، وتأسيس الشركة، بعد سنوات قليلة من إكمال خوليو لخدمته في قيادة الجبهة الداخلية.

نحن شبح:

ونقلت الصحيفة عن لافي قوله "نحن شبح"... "نحن غير مرئيين تماما لهدفنا ونحن لا تترك أي آثار"، وبعد بضع سنوات، يمكن أن يتم الكشف عن آثار أشباح من حيفا في كل ركن من أركان العالم.

كما هو حال الأشباح، فإن لافي خوليو ليسا على استعداد لتقديم بيانات ومعلومات علنية، ففي عام 2015، أجرى خوليو مقابلة نادرة مع البودكاست "Hashavua" هذا الأسبوع. يقول فيها: "منذ البداية، كنا نريد خلق نظام من شأنه أن يسمح لجميع هيئات المخابرات وإنفاذ القانون بالتمكن من  السيطرة على الهواتف عن بعد، أو لانتزاع معلومات منها، مع أو بدون علم المستخدم" ذا الصلة "، ويضيف "اعتقدنا أنه سيكون بسيطا، لكنه معقد للغاية. هذا في الواقع ما تقوم به NSO حتى يومنا هذا، لدينا أيفون واندرود، وكل شيء آمن للغاية، ولكن في النهاية، نرى أن الجميع يستمع إلى الجميع "، وأضاف وهو يضحك "الهاتف معك في كل مكان، إن كمية المعلومات عن الشخص الذي يمكن استخراجها من هاتفه مذهلة، ولا يوجد هاتف آمن اليوم. "

الحالة الأكثر فظاعة التي يظهر فيها نشاط NSO هي حالة الناشط الإماراتي أحمد منصور، الذي كان أحد ضحايا بيغاسوس ويقضي حاليًا عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات، بسبب نشره انتقادات لتجاوزات حقوق الانسان على الشبكات الاجتماعية، وتظهر قصته في قضيتين قضائيتين قُدمتا ضد NSO  وشركة أخرى، هيCircles Technologies، التي أسسها الإسرائيليون أيضًا.

 أحد المدعين هو الناشط المكسيكي سانتياغو أغيري، إلى جانب مواطن قطري، تزعم المستندات المرفقة بالدعوى أن (NSO) والمخابرات الإماراتية يراقبون  159 فرداً من العائلة المالكة القطرية، وكبار المسؤولين الحكوميين بما فيهم الأمير ومختلف مواطني هذا البلد.

ووفقا للدعوى، التي رفعت في آب/ أغسطس 2014 في إسرائيل وقبرص، توضح بأن أريك بانون  الإسرائيلي، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في سيركل تكنولوجي، تلقى رسالة بالبريد الالكتروني من أحمد علي الحبسي، وهو مسؤول من المجلس الأعلى للأمن القومي لدولة الإمارات، وأشارت الرسالة إلى أن مدير المجلس سيتخذ قرارًا قريبًا، مشيرًا على ما يبدو إلى شراء منتجات الشركة.

في غضون ذلك، طُلب من بانون إثبات قدرات الشركة "على الرغم من أنني أعلم أن هذه غير مدرجة في الترخيص لدينا"، ومحظور أيضا البوح بها بموجب قواعد وزارة الدفاع الإسرائيلية، في هذا الصدد، طُلب من سيركل تكنولوجي أن تعترض محادثات رئيس تحرير صحيفة العرب في قطر، خلال فترة 48 ساعة، وبالفعل، تلقى المشغل  غضون يومين رسالة إلكترونية تحتوي على سجلات لمحادثات المحرر.

بانون، الذي يعمل كمستشار لشركات المراقبة في الإمارات، تحدث مع هآرتس من مقر إقامته في الخليج. وقال: "إن الشركات الإسرائيلية معروفة في المنطقة كمورد لمعدات التجسس في دبي [في اشارة الى دولة الإمارات العربية المتحدة] وهي عميل كبير لتقنيات المراقبة"، وكذلك هم "يعرفون أن أفضل التقنيات تأتي من إسرائيل". أثناء المكالمة بدأ يضحك بعصبية وأشار إلى أنه: "من المؤكد أن المحادثة تسجل الآن"، وقد تم  حظر المكالمات الصوتية عبر تطبيقات مشفرة مثل WhatsApp و  Single و Telegram في الإمارات مع  ترك شبكة الهاتف المراقبة فقط.

دولة الإمارات ليست وحدها، ففي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت منظمة Citizen Lab "(مختبر المواطن) بثقة عالية" بأن برنامج التجسس Pegasus قد استخدم لتعقب عمر عبد العزيز، وهو معارض سعودي يعيش في كندا تحت رعاية سياسية. وفقا لتقرير المنظمة، استخدم عملاء في الرياض تكنولوجيا NSO في مونتريال ضد عبد العزيز، لم تنكر NSO  التقرير.

تضيف هآرتس الآن قطعة أخرى إلى لغز التجسس الإسرائيلي في الخليج. يكشف التحقيق أن أنظمة Verint  بيعت إلى البحرين، حيث يحكم الأغلبية الشيعية منزل ملكي سني، فخلال الربيع العربي، قام الحكام بقمع المظاهرات بوحشية بمساعدة التعزيزات التي تم استقدامها من المملكة العربية السعودية، وفي شباط/ فبراير الماضي، حكم على نبيل رجب، أبرز نشطاء حقوق الإنسان في البحرين، بالسجن لمدة خمس سنوات في أعقاب سلسلة من التغريدات تنتقد النظام.

وفقا لاثنين من المصادر فإن شركة فيرنيت زودت المملكة بالأنظمة التي تستخدم عادة من قبل مراكز المراقبة، مع نظام آخر يستخدم لجمع المعلومات من الشبكات الاجتماعية، ويعلق أحد هذين المصدرين، أرنون، بأن الشركة أو مدربين منها يسافرون إلى الدول المختلفة لتدريب المسؤولين الرسميين على استخدام الأنظمة أو للقيام بأعمال الصيانة، وأضاف أن وصول الإسرائيليين يتم  بجوازات سفر أجنبية ويحظر عادة التنقل في البلاد، وكان الحظر على حرية الحركة موضوعًا متكررًا في المحادثات مع عدة مصادر من المدربين في الدول التي تريد التقليل من شأن الوجود الإسرائيلي. في كثير من الحالات، يقتصر وجودهم على غرفتهم في الفنادق عندما لا يعملون.

"لقد زرت العديد من البلدان"، يقول أرنون: "كانت هناك أماكن قمت فيها بتدريب الجنود وأعضاء وكالات إنفاذ القانون، والأماكن التي دربنا فيها المقربين - أناس يبدو أنهم أعضاء في أسرة الحاكم الموسعة. في البحرين، كان جميع أعضاء الفريق من الهنود، وكان إلى جانبهم رجال المخابرات البحرينية - بما في ذلك النساء -، والحقيقة هي أنني كرهت ذلك البلد، لأننا ببساطة شعرنا بالملل هناك، هذا ليس مخيفًا، لكن لا يُسمح لنا بالذهاب إلى أي مكان، إذا اضطررت إلى التكهن بشأن استخدامهم للأنظمة، فإنني أعتقد أن الأمر يتعلق بالاحتجاج ضد النظام ".

من Elbit إلى إثيوبيا:

وإلى جانب الخليج العربي، تعد إفريقيا أيضًا ساحة مزدهرة لمعدات التجسس الإسرائيلية، مصدران من الذين شاركوا في مشاريع VERINT أكدا لصحيفة هآرتس أن الأنظمة المتعلقة باعتراض الاتصالات بيعت إلى سوازيلاند، ووجدت تحقيقات هآرتس أن شركات إسرائيلية باعت تقنيات  التجسس وقدرات الاستخبارات إلى ثمانية بلدان في القارة، كما هو موضح أدناه، وبالإضافة إلى سوازيلند، أبرمت اتفاقات منفذة مع كل من أنغولا وموزامبيق وإثيوبيا وجنوب السودان وبوتسوانا ونيجيريا وأوغندا.

القضية الأكثر إثارة للقلق هي جنوب السودان، الدولة الفتية التي تأسست في عام 2011، وبعد عامين من حصولها على الاستقلال، اندلعت حرب أهلية شرسة في البلاد، ارتكبت خلالها جرائم حرب، بما في ذلك المجازر والاغتصاب المنظم من قبل جميع الأطراف المعنية.

في وقت مبكر من عام 2016، ذكرت الأمم المتحدة أن الشركات الإسرائيلية كانت تبيع معدات إلى جنوب السودان، تم استخدامها للتنصت على معارضي هذا النظام، والآن، أكدت ثلاثة مصادر أن شركة Verint زودت البلاد بنظم التجسس، وتمكّن اثنان منهما من القول بأن هذه المعدات كانت تستخدم في مركز مراقبة.

يقول تومر الذي كان يقوم بتدريب أفراد الأمن في استخدام أنظمة المراقبة، في جنوب السودان "كان هناك إسرائيليون منذ اللحظة التي بدأوا يتحدثون فيها عن اتفاق السلام الذي أدى إلى إنشاء البلاد". "بعد أسبوعين من التوقيع، بدأنا الحديث عن المشاريع هناك، كانت روح الأشياء "ممتعة، لدينا فرصة جديدة، إنها ببساطة مقززة".

ويبدو أن إساءة استخدام القدرات إسرائيلية الصنع قد حدثت في نيجيريا أيضاً، وقد أكد تقرير شامل نُشر في هذا البلد أن منتجات سيركل تكنولوجي، قد بيعت في عام 2012 إلى حكام الدلتا وبايلسا، وهي ولايات في الاتحاد النيجيري، ووجد التحقيق أنه قبل انتخابات عام 2015، استخدم حاكم ولاية بايلسا قدرات لمراقبة منافسه الرئيسي وزوجته ومساعديه، وفي حالة واحدة لتحديد مكان والقبض على ناقد معروف للنظام.

في عام 2013، تم الكشف عن أن شركة Elbit Systems الإسرائيلية قد حصلت على عقد في البلاد بقيمة 40 مليون دولار، في ذلك الوقت، وقال يهودا فيرد، المدير العام لأحد أقسام الشركة، إنها صفقة لتوريد "نظم لتحليل الإنترنت والحماية"، ولكن بعد ذلك جاء التقرير قائلا أنه بالإضافة إلى الأجهزة لـ "تحليل النظم والحماية "لقد زودتElbit  النيجيريين ببرنامج تجسس كذلك، وفي أعقاب الكشف، علقت الجمعية الوطنية النيجيرية الصفقة في انتظار نتيجة التحقيق، ومع ذلك، لم يمض وقت طويل قبل تركيب الأنظمة الإسرائيلية في مقر وكالة الاستخبارات الوطنية في أبوجا.

في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ذكر (مختبر المواطن) أن نظام التجسس PC 360 تم استخدامه داخل إثيوبيا ضد المعارضين الذين يعيشون في الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث تلقت الأهداف رسالة بريد إلكتروني يفترض أنها تؤدي إلى رابط ينص على أن الحرب بين إثيوبيا وإريتريا من المتوقع أن تستمر، في هذا الصدد، طُلب من المستلمين تنزيل تحديث  Adobe، حيث تم إخفاء البرنامج الضار بهذه الطريقة، سرقت كلمات السر، ورسائل البريد الإلكتروني ولقطات الشاشة منهم.

أدى التحقيق الذي أجرته المنظمة إلى خوادم  Cyberbit، التي كانت في السابق قسم الاستخبارات في شركة  Nice Systems، والتي استحوذت عليها Elbit Systems في وقت لاحق. ساعدت أجهزة الكمبيوتر المحمولة المستخدمة من قبل موظفي الشركة لتوضيح قدرات المنتجات المحققين في مختبر المواطن على  تتبع زياراتهم للعملاء المحتملين في الفلبين وتايلاند وأوزبكستان وزامبيا.

حتى يومنا هذا، لم يعترف أحد في إسرائيل أو إثيوبيا بأن الصفقة قد اكتملت، لكن مصدرين كانا يعملان من قبل سايبرت أكدوا لصحيفة "هآرتس" أنها كذلك، وقرر الاثنان، غال وروي، ترك مجال المراقبة بسبب المخاوف الأخلاقية وسرية أعمالهم.

"هناك فرق بين البيع لبلدان مثل ألمانيا أو الدنمارك، وإلى العملاء من إثيوبيا أو كازاخستان”، يلاحظ غال "هذا لم يعد يناسب قيمى، كل من يشارك في هذه الصناعة يعرف ما يفعله، لا توجد طريقة تضمن أنه لن يتم إساءة استخدام التكنولوجيا من هذا النوع - والسؤال الوحيد هو ما هي الطريقة، لا أريد أن أكون جزءًا من هذا الألم. "

يضيف غال، "إلى جانب ذلك، إنها صناعة جيدة، يوفر الجيش مواهب شابة، ولكن ليست ذات خبرة وذات معرفة محددة، لماذا لا نقوم نحن [المؤسسات] بتطوير الشبكات الاجتماعية مثل Snapchat ، حيث تتلاشى الرسالة التي يتم إرسالها على الفور؟ لأننا لا نملك ميزة نسبية [في ذلك]، الميزة النسبية هناك تكمن في طالب جامعي أميركي، يعرف أن الناس يرسلون الصور العارية لبعضهم البعض ".

ونحن جيدون في استخراج تلك الصور العارية من الهواتف؟ غال: "بالضبط! هذه هي الميزة النسبية، هناك صناعات أخرى مثل هذه - الطائرات بدون طيار، على سبيل المثال، السبب في ازدهار الصناعة في إسرائيل هو النظام البيئي الذي تم إنشاؤه هنا، ليس هذا أننا مميزون للغاية ."

مشهد الجريمة:

يمكن العثور على عدد قليل من أماكن النشاط الإسرائيلي في أمريكا اللاتينية أيضًا، وتظهر الوثائق التي لم يتم تحديدها من قبل وكالة أسوشييتدبرس للأنباء أنه في 2015 أسست "فيريت" قاعدة مراقبة عسكرية في بيرو بتكلفة 22 مليون دولار، النظام قادر على تتبع الاتصالات السلكية واللاسلكية لـ 5000 هدف، وتسجيل المحادثات من 300 شخص في وقت واحد.

وشملت الصفقة مع بيرو أيضًا منتجًا باسم SkyLock. وتنص صفحة الغلاف الخاصة بالمنشور التجاري لنظام المراقبة، الذي تم تسريبه إلى صحيفة واشنطن بوست، على ما يلي:  المسار "الكتيب يشرح بالتفصيل كيف يمكن للنظام تحديد موقع الهواتف عبر بيرو، وفي معظم البلدان الأخرى.

ومع ذلك، تأجلت الصفقة بسبب صعوبات غير متوقعة، عندما أصبحت وكالة الاستخبارات الرئيسية في بيرو متورطة في فضيحة تجسس، وكان رئيس الوزراء آنذاك آنا جارا قد استخدم الوكالة لوضع المشرعين والصحفيين ورواد الأعمال تحت المراقبة أجبر جارا على الاستقالة، ولكن يبدو أن Verint لم تتراجع عن الصفقة، ووفقا لمصدر شارك في التفاصيل، فإن النظام يعمل في إطار قوة الشرطة.

مصدر آخر تحدث لصحيفة هآرتس يؤكد أن الشركات الإسرائيلية لا تزال مستمرة في بيع قدرات الإنترنت الهجومية للمكسيك كذلك، حتى بعد أن عرفت أنها كانت تستخدم ضد المدنيين"كل شيء هناك فاسد تماما، ولكنهم حريصون جدا على عدم الكشف عن أهدافهم".

مثال آخر لقرار مواصلة العمل مع أولئك الذين يسيئون استخدام قدرات المراقبة هي كولومبيا، ففي عام 2015، كشفت المؤسسة البريطانية الدولية للخصوصية وهي مؤسسة غير ربحية  أن tdvkdj  فيرنيت ونيس زودتا الشرطة في بوغوتا بأنظمة لاعتراض المكالمات الهاتفية، وأن التكنولوجيا كانت تستخدم من أجل مراقبة المعارضين للنظام. مصدر مشارك في صفقات VERINTفيرنيت في أمريكا اللاتينية يؤكد على أنه على الرغم من هذا، فإن الشركة مستمرة في بيع منتجاتها في كولومبيا.

مدرب درب الوكالات المحلية في أمريكا اللاتينية على استخدام نظم VERINT، يعلق أنه شهد شخصيا إساءة استخدام المنتجات، ويتذكر قائلاً: "كانت هناك مرة واحدة أقوم فيها بتعليم الناس كيفية جمع المعلومات من الشبكات الاجتماعية"، "كنت  أعمل مع المتدربين وأشرح الأمور لهم، عندما فجأة طلبوا مني تشغيل الاختبار على المتظاهرين [السياسي]، تماما مثل هذا، في منتصف الدورة التدريبية".

المتداول بالمليارات:

"منذ ولادة الاتصالات، كانت هناك محاولات، ووسائل جديدة، لمحاولة اعتراض هذه الاتصالات وفك تشفيرها، وفي الآونة الأخيرة، منذ صعود الانترنت، تطور الأمر إلى منظور جديد كليا، بالتوازي مع وصول المزيد والمزيد من المدنيين إلى التكنولوجيا الرقمية " يقول إدين أومانوفيس محقق الخصوصية الدولي الذي مجال خبرته هو التجسس والاستخبارات المنتجة من الشركات، وأضاف "ترافق هذا مع نهاية الحرب الباردة وبداية الحرب على الإرهاب"، وقد أدى ذلك بالحكومات في جميع أنحاء العالم إلى استثمار المزيد والمزيد من رأس المال في تقنيات المراقبة [...] معدات اليوم تُمكن من المراقبة الجماعية عبر الإنترنت وغيرها من الوسائل من الاتصالات الإلكترونية ".

صدر قبل عامين تقرير حول التجارة العالمية في تكنولوجيا المراقبة، ولاحظ النمو الهائل لهذه الصناعة، بينما في عام 2012 كان السوق يشمل 246 شركة حول العالم، وبحلول عام 2016 كان عدد الشركات أكثر من الضعف، إلى 528، وهناك 27 شركات إسرائيلية في القائمة، مما يجعل إسرائيل الدولة الأعلى، وفقا لنصيب الفرد من نسبة الشركات المراقبة، وتشير البيانات المحلية والدولية إلى أن إسرائيل تمثل ما بين 10 إلى 20 بالمائة من سوق الإنترنت العالمي، ففي عام 2016، شكلت الاستثمارات في الشركات الإسرائيلية الناشئة في الصناعة 20 في المائة من الإجمالي العالمي.

ليس النجاح المذهل لصناعة الاعتراض والمراقبة الإسرائيلية تعبيرا عن ثورة عفوية للعبقرية اليهودية، فعندما انفجرت فقاعة التكنولوجيا الفائقة، في عام 2000، دخل الاقتصاد الإسرائيلي في حالة من الفوضى، التي تم التصدي لها من قبل وزير المالية سيلفان شالوم وخلفه، بنيامين نتنياهو، حيث زادت الحكومة الإنفاق الأمني ​​بأكثر من 10 في المائة وشجعت صناعة الشركات الناشئة المحلية على الدخول إلى مجالات الأمن والمراقبة.

الجيش الإسرائيلي، لعب من جانبه دور دفيئة الأعمال التجارية، وتضخمت وحدات الاستخبارات التكنولوجية وتم توجيه خريجيها ليعرفوا أنهم مطلوبين في مجموعة من الشركات الناشئة والتوقيت بالتأكيد لعب دورا في هذه الصناعة. فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، بدأت البلدان في جميع أنحاء العالم تسعى للحصول على أجهزة لمراقبة الأفراد المشتبه في صلتهم بالإرهاب أو التطرف، في حين أن التجربة الغنية لجنود الجيش الإسرائيلي الذين تم تسريحهم مؤخرا لبت تلك الاحتياجات.

ومنذ ذلك الحين، واصل  الجيش الإسرائيلي وقطاع الشركات الناشئة المحلية تغذية بعضها البعض،  وذكرت صحيفة هآرتس أنه في نهاية عام 2015، أصدر الجيش دعوة لتقديم عطاءات لإنشاء نظام لتتبع الأهداف التي تظهر على الشبكة، والتي بعد ذلك بعام تم بالفعل تشغيلها من قبل شركة خارجية، وفي الوقت نفسه، عندما اندلعت موجة من هجمات الطعن، في عام 2015، فإن المؤسسة الأمنية استخدمت قوسا واسعا من أنظمة الإنذار المبكر تستند في جزء منها على معلومات استقاها من الشبكات الاجتماعية.

مثال آخر هو شركة Dimension، وهي شركة محلية توفر أنظمة تنبؤية لوكالات الأمن الإسرائيلية، وتنضم هذه المنتجات إلى نظام التنصت المتشدد الذي شغله الجيش لسنوات ضد الفلسطينيين في المناطق (الضفة الغربية).

في الواقع، وجدت دراسة نشرت مؤخرا أن 700 شركة إنترنت محلية أنشئت من قبل مجموعة صغيرة من الإسرائيليين عددهم فقط  2300، 80 في المائة منهم ينتمون إلى النادي الحصري الذي تم إنشاؤه في وحدة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، ولا سيما وحدة 8200.

إذا كانت حكومة شارون في بداية العقد الماضي سعت لاستغلال دراية رجال الاستخبارات السابقين، ففي بداية العقد الحالي كانت حكومة نتنياهو عازمة على استغلال الإمكانيات الكامنة المحتملة في الأوساط الأكاديمية، والأسباب مستمدة من الأهداف الأمنية والاقتصادية على حد سواء.

وخلال العام الماضي كان حجم مبيعات سوق أمن معلومات الإنترنت يبلغ  31 مليار دولار، وتشير التقديرات أنه في غضون ثماني سنوات سيرتفع إلى 76 مليار دولار سنويا في جميع أنحاء العالم، أو بعبارة نتنياهو: "سايبر يمثل تهديدًا خطيرًا وأعمالًا مربحة للغاية".

بعد عودته إلى السلطة في عام 2009، شرع نتنياهو في دفع الصناعة إلى الأمام، وتحقيقا لهذه الغاية، دعا الجنرال (احتياط)  إسحق بن إسرائيل لوضع خطة متعددة السنوات، ويترأس البروفيسور بن إسرائيل الآن مركز الدراسات الإلكترونية متعددة التخصصات في جامعة تل أبيب، وقد أدى البرنامج الإلكتروني الوطني الذي كُلف بتنميته إلى إنشاء أربعة مراكز أبحاث إلكترونية أخرى في جميع أنحاء البلاد.

اعتقد بن إسرائيل أن التركيز يجب أن يكون على التعليم والبحث: "قبل هذا، كان من المستحيل إجراء دراسات عبر الإنترنت في الجامعات، فقط علوم الكمبيوتر"، كما يقول: "لم تكن هناك معاهد البحوث، لم يكن لديك آلية لتشجيع التنمية السيبرانية، ونظم الدفاع، والتي هي في إسرائيل عنصرا كبيرا في التكنولوجيا الفائقة، لم يكن مرتبطا به في أقل تقدير."

ماذا عن الزيادة الهائلة في صادرات قدرات التجسس إسرائيلية الصنع، إلى كل ركن من أركان العالم؟ وفقا لبن إسرائيل، المكونات الإلكترونية الهجومية جزء صغير من الصناعة، والتي هي في معظمها موجهة إلى الدفاع.

ولكن هل هو عنصر مهم جدًا؟ جيل ريدر، مدير قسم أمن الوطن والفضاء في معهد التصدير الإسرائيلي، يعترف أنه من الصعب قياس نسبة قدرات التجسس داخل سوق الإنترنت بشكل عام. "في هذه الأيام، جميع الذين خدموا في 8200 يخرجون من الجيش  ويبدؤون في عملية تغيير وظبفي، والتعامل مع منتج جديد".

ويقول ريدر، مشيرا إلى صعوبة قياس التصدير: "التنظيم الحكومي في عالم الإنترنت هو في مراحله المبكرة للغاية، عندما يتعلق الأمر بعمل المعهد، ومن أجل تتبع تصدير أحد المنتجات، فإننا نقدم المساعدة عبر المنظمات المرتبطة بالرسوم الجمركية وعالم الأعمال، لكن من الصعب للغاية قياس السوق السيبرانية، بعد كل شيء، أنت لا تقوم بتصدير حاوية من الإنترنت بالطريقة التي تفعل بها مع حاوية من المعدات الأمنية ".

الانتقال إلى الخارج:

إن سرية وزارة الدفاع، واللوائح الضعيفة، وصعوبات مراقبة التصدير، كلها تساعد الصناعة على التقدم والنمو تحت الرادار، حتى المكتب المركزي للإحصاء قال: "إنه ليس من الممكن تقديم معلومات حول شركات الأمن، ونحن غير قادرين على التمييز بين الصادرات الأمنية وصادرات المدنيين."

دلت محاولات لتتبع ما يعرقل الصادرات الإسرائيلية من أجهزة التجسس أيضا إلى حقيقة أنه في كثير من الحالات يتم تصدير أنظمة فعلا من إسرائيل، لكن العديد من الشركات تفضل أن تكون مسجلة في الخارج، أو للعمل جسديا في الخارج، لمجموعة متنوعة من الأسباب: العمالة الرخيصة، والسياسة الضريبية الرحيمة، وزيادة السرية، ورغبة الإدارة الحكومية في تمويه أصل النظم الإسرائيلية، من أجل اختراق الأسواق في الدول المعادية.

NSO  هي مثال على ترابط معقد بشكل خاص للشركات، فبعد شرائها من قبل صندوق الأسهم الأمريكية فرانسيسكو بارتنرز، تم تغيير علامتها التجارية إلى تقنبات سايبر ذكية، وأصبحت تابعة لشركة تدعى OSY تكنولوجيز، والتي يتم تسجيلها في لوكسمبورغ، حيث انضمت إلى مجموعة أخرى من الشركات، وتنتقل إلى شركة في جزر فيرجن البريطانية وأخيراً إلى جزر كايمان.

ومع ذلك، لا يزال مركز NSO في ضاحية هرتزليا قائما وشركات أخرى نقلت نشاطها إلى الخارج و يقول روي، وهو خبير مخضرم في الصناعة: "سوف تصادف العديد من الشركات التي لديها مراكز أبحاث وتطوير في مولدوفا وأوكرانيا".. " السبب هو، قبل كل شيء، العمالة الرخيصة، إن دفع مبلغ 2.000 دولار أوكراني أو مولدوفي شهريًا من أجل التحقيق في نقاط الضعف في الآليات الأمنية دون توقف، لا يمثل الكثير من المال ".

إذا، بقيت بعض الشركات الإلكترونية في إسرائيل لكنها حافظت على فروعها في الخارج، وهناك دولتان بارزتان على الخريطة الإلكترونية الإسرائيلية هما قبرص وبلغاريا، فاختيار تلك الدول حسب  مصدر ذو خبرة خاصة، مستمد من تكاليفها المنخفضة، وحقيقة أن كلا منها عضو في الاتحاد الأوربي.

ووفقا لغاي مزراحي من شركة سيبيريا قال: "قبرص هي بالتأكيد واحدة من البلدان المفضلة، بعض الدول غير راغبة في العمل مع الشركات الإسرائيلية والتأمين على العمل مع شركة أوروبية، لذلك تحتاج إلى واجهة إضافية كغطاء للفوز بالعروض، في معظم الحالات، عندما تريد البيع في الاتحاد الأوروبي، وبالتأكيد في دول الخليج، ستحتاج إلى واجهة غير إسرائيلية ".

غاي مزراحي المؤسس المشارك لشركة سيبيريا  Cyberia، وهي شركة حلول إلكترونية يقول: "بعض الشركات قادرة على الوصول إلى الجهاز المستهدف نفسه، بكل أنواع الوسائل."

آفي روزين من جانب آخر هو الرئيس التنفيذي لشركة الدفاع الإلكتروني الإسرائيلية كايمارا Kaymera، ونائب الرئيس السابق المسؤول عن التنمية في كيوتا  Cyota وهي شركة أمن معلومات، أسسها وزير التعليم نفتالي بينت، يقول روزن: "عندما تبيع في الخليج، بترخيص بالطبع، فإنهم يفضلون رؤية العلامة البلغارية رغم أنهم يعرفون الحقيقة، وعلى رأس المشاكل التي يواجهها الإسرائيليون مسألة التأشيرة وصعوبة الحصول عليها، وهناك منتجات إسرائيلية في كل بلد في العالم، وخاصة في سوق الأمن، فلا فرق بين ما إذا كانوا يحبوننا علنا ​​في وسائل الإعلام أم لا ".

ويشير يانيف، خبير الإنترنت، إلى طريقة أخرى لتخفي منشأ أنظمة التجسس، وهي طريقة تستخدمها الشركات الإسرائيلية في الداخل والخارج، حيث: "في العديد من الحالات، تحتوي المنتجات على أسماء بيضاء وأسماء سوداء"، كما يقول: "الأسماء البيضاء ليس لها علاقة بالمنتج، على سبيل المثال، برنامج  Pegasus بيغاسوس مرتبط بشكل كبير مع الشركة الإسرائيلية التي طورت البرنامج، ولكنك قد تواجه أيضًا برنامجًا تعرفه وتعيد تسميته تحت أسماء لا تعرفها، لا يمكنك معرفة كيف يتم عرض المواد في الخارج ؟".

تعد Circles Technologies واحدة من الشركات الرائدة التي تعمل خارج أوروبا، وقد تأسست في عام 2011 من قبل بوعاز غولدمان وخبير الاستخبارات تال ديلان، الذي انضم إليه في وقت لاحق إريك بانون، يشرح غاي مزراحي أن "سيركل تيكنولوجي" هي التي أنشأت منتجًا يستخدم ضعف الشبكة الخلوية لتحديد موقع الأجهزة.، فأنت تعطيني رقم هاتف وأخبرك بخلية الخلوي التي تتصل بها حاليًا ومكان تواجدها تقريبًا ".

يوضح آفي روزين من كايميرا: "تم تصميم هواتفنا للتواصل مع أقوى خلية خلوية في المنطقة القريبة منها"... "لذلك أقوم بإعداد خلية متنقلة بالقرب منك، والتي تبدو وتتصرف كما لو إنها الخلية المطلوبة، حتى يتسنى لك أن تقطع الاتصال من الشبكة الخلوية والاتصال المخترق".

ويركز نوع آخر من النظام واسع الانتشار في صناعة الإنترنت الإسرائيلية على جمع المعلومات من الشبكات الاجتماعية، هذه أنظمة غير مراقبة ولا تخضع لإشراف وزارة الدفاع. تركز الأنظمة  على المعلومات مفتوحة المصدر وتحللها بطريقة تمكن من الاستفادة من البيانات الكبيرة ومساعدة السلطات، ووجد تحقيق هآرتس أن الشركات الإسرائيلية باعت أنظمة من هذا النوع إلى أنغولا وماليزيا.

ولكن عندما يتم قول وفعل كل شيء، فإن أكثر أساليب التجسس التي يتم التفكير فيها بعد هو ما يخترق الجهاز،  يقول يانيف: "ما هو الاختراق؟ إنها ليست الشاشات السوداء التي تراها في الأفلام، حيث توجد مفاتيح هاكر في شيء ما، وشيئًا، في كمبيوتر آخر، إنه مبرمج - أو باحث، بلغتنا - يكتشف خطأ، نوع من الضعف، في البرمجيات، يمكن أن يكون في متصفح إنترنت أو دردشة أو بريد إلكتروني أو نظام في جهاز معين، عندما يتم اكتشاف ضعف مثل هذا، من الممكن استغلاله لتغيير سلوك النظام. على سبيل المثال، قد أتمكن من اكتشاف ضعف في برنامج دردشة يسمح لي بإدخال جهاز الكمبيوتر للشخص الذي يتحدث معي وإرسال ملفاته إليّ ".

توظف الشركات الإلكترونية الكبرى باحثين مثل يانيف الذين يقضون أيامهم في البحث عن تشققات في خطوط شفرة البنى التحتية للهواتف الخلوية والبنى التحتية للإنترنت وأجهزة الكمبيوتر والهواتف وأنظمة التشغيل والتطبيقات والبرامج، "بطبيعة الحال، فإن الطلب على 'مآثر' من نقاط الضعف في منصات واسعة جدا، مثل أجهزة أبل"، يلاحظ يانيف.

ويضيف أن الشركات الكبيرة تحافظ على بضع نقاط ضعف من هذا النوع على المنتجات ومن مزايا  NSO أنه، وفقاً للتقارير، لديه القدرة على استغلال نقاط الضعف دون إرسال رابط إلى الهدف، هذا ما يعرف باسم الصفر، إنها أفضل نقطة ضعف، لأنني لست بحاجة إلى أي تفاعل معك، إنه شيء أقوم بإرساله إلى هاتفك، وأنا من الداخل ".

يقول يانيف: على سبيل المثال "آيفون هاتف متصل بخوادم أبل ويمكن لبرنامج التجسس انتحال شخصية تطبيق قمت بتنزيله على هاتفك ويرسل إشعارات الدفع عبر خوادم آبل ولاتعرف أبل أن ضعفًا قد تم استغلاله وأنه ليس التطبيق، وينتقل برنامج التجسس إلى الجهاز، ومع ذلك، هذا نادر، عادة ما تحتاج إلى الهندسة البشرية، للبحث عن طرق للاهتمام بك على الشبكات الاجتماعية، باستخدام هذه المعلومات [حول هدفنا]، يمكنني استخدام رابط وهمي يتم ارساله".

ما مدى ندرة الباحث في اكتشاف ضعف في أحد الأنظمة؟ وفقا ليانيف، فإن الكشف عن نقطة ضعف لا أحد يعرفها أمر قيّم، "لقد وجدت مرة واحدة شيء من هذا القبيل"، كما يقول "إنه اكتشاف يستحق ملايين الدولارات." في الواقع، يمكن أن تكون أسعار منتجات المخابرات فلكية.

"عندما كنت أبحث عن وظيفة، تلقيت عرضا من إحدى الشركات الإلكترونية الهجومية الإسرائيلية الموجودة في قبرص"، يقول يانيف. لقد كانوا يتحدثون عن كميات هائلة من المال، مثل عشرات الآلاف من الدولارات في الشهر، يمكن لباحث نقاط ضعف أنظمة  في إسرائيل أن يجني 50 ألف شيكل [13.775 دولارًا] شهريًا، حيث عرض عليَّ في قبرص أربعة أضعاف ذلك رفضت ذلك، لأنني أردت البقاء على مقربة من العائلة والأصدقاء، كان العرض الأكثر سخاء الذي رفضته هو تعليم الإنترنت في سنغافورة، عرضوا كميات مجنونة تماما - مئات الآلاف من الشيكلات شهريا".

هاكر ومكافحة الفيروسات:

يقول آفي روزن من كايميرا: "الجميع بحاجة إلى الدفاع، والجميع يريد الإساءة"... "إنها مسألة توقيت وخبرة طويلة الأمد، هذه صناعة شابة موثوق بها، ويستغرق الأمر وقتًا كي تنتشر هذه الأشياء ".

أدى الطلب على كل من الدفاع والجريمة إلى ظاهرة واسعة الانتشار في صناعة الإنترنت الإسرائيلية: بيع قدرات التجسس جنبا إلى جنب مع المنتجات الأمنية،بحيث يمكن تشبيه هذه الظاهرة بمجموعة من الهاكرز الذين يطورون برامج ضارة وبعد ذلك يبيعون مضاد الفيروسات، أو بالأطباء الذين ينشرون الأوبئة ثم يبيعون اللقاح، على الرغم من أن هذا أمر محظور في بعض المجالات، إلا أنه في عالم الأمن أمر شائع ومقبول على نطاق واسع.

مثال كايميرا، شركة الدفاع الإلكتروني التي يكمن أصلها في NSO الموجهة للهجوم، وهي ليس المثال الوحيد على هذه الثنائية، ومع ذلك، ربما لا يوجد العديد من الخبراء الذين يمكن أن يشهدوا على هذه الظاهرة بشكل أفضل من روزين، وعندما سئل في الماضي عن أصول كايميرا، أجاب: "بدأت منظمة الأمن القومي في بيع منتجاتها، وفجأة ظهرت حاجة قوية لأدوات دفاعية، كل من رأى ما يمكن أن تفعله منظمة NSO قال: "استمر، هذه قصة مثيرة للاهتمام، ولكن كيف أحمي نفسي ضد أشياء مماثلة؟".

ويروي روزن أن: "NSO  قد فكرت في البداية في كيفية إنشاء منتج مثل هذا، ولكنهم أدركوا بسرعة أنهم بحاجة إلى منتج منفصل فقاموا بزيارتي، وقمنا ببناء هذا الشيء من الصفر، لقد جمعنا الأموال وأنشأنا شركة منفصلة، أنا لست مطلعا على ما يجري في NSO.

على الرغم من أن مؤسسي NSO لا يستثمرون في Kaymera، إلا أنهم في مجلس إدارتها، كما يشهد روزن نفسه، وعندما سئل عن العلاقة بين الشركات، اعترف بأنه في الواقع: "ذو قيمة كبيرة. إن الازدهار مهم بالنسبة لنا - وبفضل ذلك، فإننا نتعرض لجميع أنواع الأشياء في العالم الهجومي".

وقال جاي مزراحي من سيبيريا "الحجة القائلة بأن نجاح NSO يغذي نجاح كايميرا صحيحة ومنطقية"، فالدفاع والهجوم يتبادلان تحقيق الأرباح.

كايميرا ليس المثال الوحيد، تحتفظ شركة Elbit أيضًا بشركة هجومية إلكترونية تعمل على  نشر وسائل التجسس المتطفلة، بالإضافة إلى أنها شركة أمنية توفر الدفاع السيبراني، وهكذا، وفي نفس النظام البيئي الذي يحظى برعاية الحكومة الإسرائيلية، نشأت صناعة برأسين: أحدها يدمر، والآخر يوفر التحصين.

الإشراف على التصدير:

المحامي إيتاي ماك يكرس حياته لجمع معلومات حول صادرات إسرائيل الأمنية، حيث التجارة في الأسلحة ليست بطبيعتها شفافة بشكل كامل، ولكن وفقا لماك فإن مستوى السرية في إسرائيل وغياب النقاش العام هما أمران استثنائيان. ويشير ماك إلى أنه "في الولايات المتحدة، يعقد الكونغرس مناقشات مفتوحة نسبياً حول قرارات تسليح كل أنواع الديكتاتورية "... "لا يوجد شيء مثل هذا هنا."

ووفقاً لماك، فإن "الوثائق الموجودة في محفوظات الدولة تُظهر أنه منذ اليوم الأول لتأسيسها، قامت إسرائيل بالتصدي لاستخدام النفوذ الدبلوماسي للأسلحة كوسيلة لإقامة تحالفات، يمكنك أن ترى ذلك فيما يتعلق بالدول المحيطة بأطراف الشرق الأوسط، مثل إثيوبيا وتركيا. الشيء الجديد هو أنه في ظل نتنياهو، أصبحت الصادرات الأمنية أداة ساخرة، ترى العديد من المعاملات التي ليس لها قيمة إستراتيجية أمنية، لقد انتقلنا - من "تحالف المحيط بن غوريون" إلى تحالف ميكرونيزيا "نتنياهو "- في إشارة إلى الصادرات الأمنية للدول الصغيرة التي تستهدف كسب الأصوات لإسرائيل في الأمم المتحدة كغرض وحيد".

يشعر  ماك بالقلق من غياب الإشراف على التصدير "كم من الناس يتخذون القرارات بشأن صادرات الأمن؟ قليل جدا "ويضيف" إذا سألت أعضاء لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، فإنهم يقولون إنهم لم يناقشوا أبدًا الصادرات إلى بلدان محددة، فقط اللوائح، إذن من يشارك في المناقشات حول صادرات محددة؟ أفراد من الوحدة الإشرافية في وزارة الدفاع، وعدد قليل من كبار الشخصيات، وفي القضايا الحساسة يبدو أن نتنياهو ببساطة هو الذي اتخذ القرار.

تقدم المناقشة التي جرت في حزيران/ يونيو 2017 مثالا واضحا على عجز لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، وكان المشاركون رئيس اللجنة، عضو الكنيست آفي ديختر (ليكود)، والمسؤولين في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، وممثلين عن الصناعات العسكرية، وزوج من الضيوف، أعضاء الكنيست يهودا غليك (ليكود) وتمار زاندبيرج (ميرتس). كان الموضوع إعفاء من تصاريح التسويق، والتي من شأنها أن تفيد الصناعة السيبرانية على وجه الخصوص، ففي عام 2016، تم إصدار 1.200 تصريح تسويق وتصدير لـ 73 منتجًا إلكترونيًا خاضعًا للإشراف، على الرغم من أن 16 منها فقط في الفئة المصنفة.

المقتطف التالي من نسخ المداولات يجسد ضعف الكنيست في الإشراف على وزارة الدفاع:

"زاندنبرغ: هل هناك سياسة تقوم من خلالها بإصدار رأي بعدم التصدير لأن [المنتج] يستخدم في الجرائم ضد المواطنين، ولكن لا يتم قبول التوصية الخاصة بك؟ يرد مدير إدارة الإشراف على الصادرات في وزارة الخارجية، إلياس لوف:" لا، هذا لا يمكن أن يحدث ". زاندربيرغ: وبعبارة أخرى، أذنت وزارة الخارجية الإسرائيلية بالصادرات إلى بورما وجنوب السودان؟ "لوف: لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال، "غليك: لماذا لا؟ "زاندبرغ: أنا أفضل أن أعتقد أنك أوصيت ضد [القيام بذلك]، وأحيانا وزارة الدفاع تتخذ قرارا مختلفا لاعتبارات أخرى؟ راشيل تشين، مديرة وكالة الرقابة على الصادرات الدفاعية في وزارة الدفاع: أريد أن أرد أنه حتى لو كانت وزارة الخارجية لا توافق على توصية لوزارة الدفاع، فأنا لا لن آذن بالمنتجات  التي من شأنها أن تضر حقوق الإنسان، غليك: ولكن هناك شيء هنا أننا لسنا قادرين على الفهم. حول ممارسات بعض الدول  فهل هذا يعني أنك مخول ذلك ؟ تشن: أنا لا أنوي إعطاء الإجابات هنا عن بلدان معينة."

وكان باقي الاجتماع غير مثمر وبعد بضعة أشهر، قالت  زاندبيرج لهآرتس أن المسألة الأكثر إلحاحا بالنسبة لها، كانت للكشف عن لائحة الدول التي تشتري منتجات أمنية من إسرائيل حيث تشير  البيانات المقدمة إلى لجنة مراقبة الدولة في الكنيست في عام 2014 إلى قائمة من 130 دولة.

يقول غليك أيضا أنه لم يتمكن من الحصول على نسخة من القائمة، على الرغم من جهوده. "في إسرائيل، يتم وضع كل شيء تحت عنوان الأمن وتجد  تلقائيا على حاجزا وقائيا لا يمكن اختراقه"، كما يقول. "بدلا من أن تكون منارة للأمم، تعمم الدولة  اليهودية الأسلحة التي يتم استخدامها في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأنه لا فرق سواء كان بندقية في يد قوة عسكرية تغتصب امرأة أو نظام رقمي يستخدم للمراقبة".

تومر، المدرب لمنتجات فيرنيت، يسخر من جهود الرقابة ويضحك عندما سئل عما اذا كان هناك بروتوكول في حال كان يواجه انتهاك لشروط الاستخدام، "معظم الناس الذين عملوا معي في الشركة والذين دربتهم لايتحدثون في هذا الموضوع فالجميع يعرف ماذا يعني أن يذهب إلى تلك البلدان، ولكن لا أحد يقول ما يفعلونه عندما يرون الأمور الإشكالية ".

الردود: "المعايير الدولية:"

الرد من وزارة الدفاع: "صادرات الدفاع كافة مراقبة وتعمل تحت إشراف قانون الإشراف على حماية مصالح إسرائيل الإستراتيجية، ويتم الإشراف وفقا للاتفاقيات [الدولية] ويتم تطبيقها في ضوء المعايير الدولية، يتم فحص سياسة الإشراف في كثير من الأحيان وفقا لاعتبارات متنوعة، بما في ذلك اعتبارات الدفاع عن حقوق الإنسان، وزارة الخارجية تعل أهمية كبيرة على حقوق الإنسان، والمشاركة في عملية صنع القرار ".

الرد من NSO   "وتقوم الشركة بتطوير المنتجات التي تباع إلى الهيئات الحكومية فقط بإذن رسمي، للغرض الحصري التحقيق ومنع الجريمة والإرهاب، وتخضع جميعا للقانون، وقد ساعدت منتجات الشركة في انقاذ الآلاف من الأرواح، بما في ذلك [من] الوقاية من الهجمات الانتحارية، واعتقال وإدانة رؤساء عصابات المخدرات، والتحقيق في الجرائم المعقدة وعودة الأطفال المختطفين إلى ذويهم، فلجنة الأخلاقيات  في الشركة هي هيئة مستقلة تضم خبراء خارجيين لديهم القدرة على إلغاء العقود في حالة الاستخدام غير السليم".

وتضيف " "نحن نحقق في كل إدعاء حول إساءة استخدام النظام، ولكن في ضوء القيود التعاقدية لا يمكننا الرجوع إلى عملاء محددين، وهناك حالة في 2014 التي يتم الاستماع إليها في دعوى ضدنا لاعلاقة لها مع الشركة، نحن لا نشغل أنظمة للعملاء، ولكن فقط نعمل في التدريب على  المنتجات، ففي حالة وجود انتهاك للعقد، فإن الشركة تعمل وفقا لذلك وجها لوجه مع عملائها، بما في ذلك إلغاء العقود، أي محاولة لتقديم التدريب الذي نقدمه كتورط  في تشغيل النظام لا أساس له ".

رد شركة إلبيت: "تعمل الشركة وفقا للقانون وطبقا للقواعد المؤسسة الدفاعية، شركة فيرنيت رفضت الرد على التحقيق كذلك شركة سيركل تيكنولوجي.