أقر الكنيست الصهيوني، يوم الخميس 19 تموز / يوليو، »قانون الدولة القومية اليهودية«، بغالبية اثنين وستين صوتا لصالح القانون ومعارضة خمسة وخمسين وامتناع نائبين عن التصويت.
القانون الذي صدر، ينص على أن »إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي«، و»لليهود فقط في إسرائيل الحق في تقرير المصير«، و»العبرية هي اللغة الرسمية للدولة«.
هنا أجد لزاماً علينا إبداء بعضَ الملاحظات:
ــ ثمّة حقيقة مهمة تكمُن في أنّ قرنًا من البحوث الأثريّة المكثَّفَة؛ لم يتمكن من تقديم البُرهان على أن أرض فلسطين أُطلِق عليها يومًا ما، مصطلح »أرض إسرائيل«، كحيِّز إقليميّ خاضع لسيطرةِ »الشعب اليهوديّ«، ولم يظهر مصطلح »أرض إسرائيل« بمفهومه العامّ في أسفار التناخ ( أكثر أسماء الكتاب المقدس العبري شيوعًا) أيضًا.
في هذا السياق يقول، شلومو ساند، في كتابه »اختراع أرض إسرائيل«، ليس فقط في التناخ بل في كل الفترة المُمتدّة حتى خراب الهيكل في العام سبعين الميلاديّ، لم تُعتَبر المنطقة كـ»أرض إسرائيل«، لا من حيث لغة سكانها، ولا في نظر جيرانها، وإن محاولة العثور على المصطلح في أسفار المكابيين أو باقي الأسفار الخارجيّة عبثيّة، إذ ستذهب سدى محاولةُ البحث عن الكلمة في المقالات الفلسفيّة التي كتبها فيلون الإسكندرانيّ أو في الكتابات التاريخيّة التي ألَّفَها يوسيفوس فلافيوس.
ــ لا وجود لليهود كـ»أمة وشعب وجنس«، ولا وجود لليهود كـ»هوية قومية أو عرقية مشتركة كمجتمع إنساني«، ففي دولة تعرف نفسها كـ»دولة يهودية«، وتزعم أنها تأسست منذ البدء من أجل ما يسمى بـ»الشعب اليهودي« بعد ألفي سنة من الشتات، عليها الإجابة عن السؤال التالي: من هو »الشعب العرقي اليهودي؟!«. لخص رافائيل باتال جدلاً مريراً عريق القدم في العبارة التالية: «أظهرت نتائج أبحاث علم الأجناس البشرية أنه - خلافاً للرأى الشائع - ليس هناك جنس يهودي، حيث تدل قياسات الأجسام البشرية التى أجريت على مجموعة من اليهود أنهم يختلفون بعضهم عن بعض اختلافاً بيناً في كل الخصائص الجسدية الهامة: القامة ــ الوزن ــ لون البشرة ــ الدليل الرأسى ــ الدليل الوجهى ــ فصائل الدم ... الخ».
ينقل جمال حمدان، في كتابه «اليهود أنثربولوجيا»، عن مؤلفو كتاب «نحن الأوروبيين»: «إن اليهود ـ هكذا يؤكدون ــ من أصل مختلط، وقد ظلوا باستمرار يزدادون اختلاطاً". ثم يضيفون «كان هناك دائما قدر معين من التزاوج بين اليهود وغير اليهود من سكان البلاد التى أقاموا فيها... بحيث إن عدداً من الجينات المستمدة من اليهود المهاجرين يتوزع بين مجموعة السكان، وإن المجتمعات اليهودية أصبحت تشبه السكان المحليين في كثير من الخصائص، وبهذه الطريقة أصبح يهود افريقيا وشرق أوروبا وإسبانيا والبرتغال... الخ مختلفين بوضوح عن بعضهم البعض في النمط الجسمى».
يؤكد نفس الكتاب الفكرة في موضع آخر قائلين: «والنتيجة أن يهود المناطق المختلفة ليسوا متماثلين جينياً وأن السكان اليهود في كل بلد يتداخلون ويتشابكون مع غير اليهود في كل صفة يمكن تصورها، وكلمة يهودي صحيحة كوصف اجتماعى ــ دينى أو شبه قومى أكثر منها كتعبير انثولوجى، فى أى معنى جينى (ولو أن هذا لا يقصد به أن اليهود أمة بالمعنى المفهوم للكلمة). وكثير من الصفات «اليهودية» هي بلا شك نتاج التقاليد والتربية اليهودية خاصة رد الفعل ضد الضغط الخارجى والاضطهاد أكثر منه نتاج الوراثة».
مرة ثالثة يضغط هؤلاء المؤلفون على نفس الانتهاء فيقولون إن: «ما احتفظوا به وورثوه ليس «صفات جنسية» بل تقاليد دينية واجتماعية. فاليهود لا يؤلفون جنساً محدداً وإنما مجتمع يشكل جماعة شبة قومية ذات أساس ديني قوي وتقاليد تاريخية خاصة، وإنه لخطأ غير مشروع أن نتكلم عن «جنس يهودي» تماماً كما لو تكلمنا عن جنس آرى».
يرى البروفيسور شلومو ساند، في كتابه »اختراع الشعب اليهودي«، أن اليهود لم يكونوا في يوم من الأيام قومية واحدة أو شعبا واحدا، كما أنهم لا ينتسبون إلى عرق واحد.
ــ من المفيد هنا أن نشير إلى أن الكثير من الشعوب والقبائل والفصائل الإنسانية عاشت في مختلف أركان العالم على مدى التاريخ وخلال العصور الموغلة في القدم، وكان لكل منها اللغة والثقافة والاسم، لكننا لم نعثر في النقوش الأثرية ولا في الوثائق التاريخية على قوم يحملون اسم «العبريين«، فإذا لم يكن هناك «شعب عبري«، فمن أين جاءت لغتهم؟
يدحض أحد المفكرين الغربيين، بير روسي، في كتابه »مدينة إيزيس، التاريخ الحقيقي للعرب«، فرية «العبرية« مقدماً إيضاحاً موجزاً حول قضية العبرية.. التي ليست إلا وهماً معقداً ومستمراً لشعوذة اشتقاقية لغوية، قد استطاع أن يجر كثيراً من الناس ليروا «العبرانيين«، وفي «ثقافتهم« الأجداد الساميين لتاريخ الشرق، ولتاريخنا نحن (في أوروبا) أيضاً. إن علينا أن نعرف قبل كل شيء أن التاريخ المصنوع للـ«عبرانيين« خارج النصوص التوراتية هو الصمت الكلي المطبق، فلا العمارة ولا الكتابات المنقوشة على الآثار، ولا القوانين والدساتير تكشف أثراً قليلاً للـ«عبرانيين«. فعلى آلاف النصوص المسمارية أو المصرية التي تؤلف المكتبة المصرية، أو مكتبة رأس شمرا أو نينوى، وحتى في الروايات الآرامية.. في ذلك كله لا تذكر كلمة «عبرية«.
باختصار، يمكننا القول أن إقرار »قانون الدولة القومية اليهودية«، لن يكن بمقدوره اختراع قومية «متخيلة«، هي بالأساس ديانة، مثلما أثبت ذلك علماء الانثربولوجيا، ولن يقدم البرهان على وجود »أرض إسرائيل«، وهو الأمر الذي نفته كل البحوث الأركيولوجية، ولن يثبت وجود مصطلح «العبرية«، التي ليست إلا وهماً معقداً ومستمراً لشعوذة اشتقاقية لغوية.