Menu

خاصأسرار حرب أكتوبر: القناة السرية والحرب المحدودة

من اليمين : بيريز والسادات وغولدا مائير

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

ما زالت أسرار حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973، تغري الباحثين والمؤرخين العسكريين، وتدفعهم للمزيد من التنقيب في خفاياها وخلفياتها وما جرى في الكواليس قبلها وبعدها وأيضا أثنائها.

هذه الأبحاث التي تتراكم كل عام، دون أن ينتهي هذا الإغراء، تجيب عن بعض الأسئلة ولكنها أيضا تطرح المزيد من الأسئلة ربما عن الهدف الحقيقي للحرب، وخصوصا عما آلت إليه الأمور بعدها من توقيع سلام "مصري-إسرائيلي" أعطى دفعا كبيرا للرأي الذي قال إنها لم تكن سوى حرب تحريكية الهدف منها دفع "عجلة السلام" عبر رفع عبء الهزيمة عن الجانب العربي، ودفعه للقبول أكثر بالفكرة الأمريكية، وهو ما تحقق فعلا على الجانب المصري.

في هذا السياق نشرت مجلة "معرخوت" العسكري الصهيونية في عددها الأخير مقالات تبحث في بعض كواليس الحرب، نستعرض في التالي تفاصيل المحادثات السرية بين مستشار الأمن القومي الأمريكي في حينه هنير كيسنجر الذي أصبح وزيرا للخارجية واستمر في المحادثات مع مستشار السادات للأمن القومي المصري حافظ اسماعيل، وهي محادثات اتسمت بالسرية وكان مطلعا عليها أنور السادات من الجانب المصري، وغولدا مائير وبعض أعضاء مطبخها السياسي الأمني في الجانب "الإسرائيلي" وقدمت تقارير منتظمة عنها إلى الرئيس نيكسون أو ربما ليس جميعها.

ما الذي حدث في اجتماعات حافظ إسماعيل وهنري كيسنجر السرية، ولماذا امتنع كيسنجر عن مشاركة معلومات مهمة مع الرئيس نيكسون ومع غولدا مائير حول طبيعة الاجتماع السري بينه وبين إسماعيل في مدريد، الاجتماع الوحيد الذي لم يكتب كيسنجر تقريرا حوله؟

هل منع كيسنجر فعلا "إسرائيل" من توجيه ضربة إستباقية فجر السادس من أكتوبر، ولماذا أوقف المساعدات الحربية "لإسرائيل" في الأسبوع الأول من الحرب.

هل لم يكن كيسنجر صديقا "لإسرائيل" كما يستنتج كاتب البحث، أم أن كيسنجر فعل ذلك على أمل أن يفي السادات بوعود معينة أهمها عدم اقتحام سيناء، وبالتالي تنجو القناة السرية من الدمار، ولكن غير رأيه بعد أن اعتبر أن السادات ضلله؟

كشفت المجلة في وثائق تنشر لأول مرة عن هذه المحادثات، وبالأخص الاجتماع الثالث الذي عقد قبل شهر واحد من اندلاع الحرب ورغبة هنري كيسنجر بعزل قناة الاتصال وإبقائها قائمة بغض النظر عن وقوع الحرب من عدمه.

تشير الوثائق أن جهودا بذلها حافظ إسماعيل في أوائل شباط/فبراير 1973 لعقد اجتماع مع هنري كيسنجر يتعلق بالمفاوضات مع "إسرائيل" وبناء على رسالة إسماعيل عقد اجتماع في البيت الأبيض ضم كيسنجر ووزير الخارجية في حينه وليام روجرز مع الرئيس نيكسون.

بعدها مباشرة جرت الجولة الأولى من المحادثات السرية ين كيسنجر وإسماعيل في فيلا خاصة في نيويورك يومي 25 و26 شباط/فبراير و كانت هذه الاجتماعات مخفية عن وزارة الخارجية وبشكل رئيسي عن روجرز. ولكن كيسنجر شارك نتائجها مع السفير "الإسرائيلي" في واشنطن ذلك الوقت، إسحق رابين، حيث سلم هذا الأخير لكيسنجر القضايا الحساسة المطلوب إثارتها والتي اعتبرها أكثر إلحاحا، والتي طلبت منه رئيسة الوزراء غولدا مائير مشاركتها مع كيسنجر والرئيس نيكسون فقط، وأشار تقرير مخابراتي "إسرائيلي" يتعلق باسماعيل إلى الحماسة العالية لدى الرجل إحداث تغيير في الشرق الأوسط.

ومن الوثائق يبدو أن كيسنجر طلب من "إسرائيل" عدم القيام بضربة استباقية يوم السادس من تشرين أول/ أكتوبر، كما أن نيكسون أخر عرض التقرير العاجل حول اندلاع الحرب على الرئيس نيكسون وتزعم الوثائق أن نيكسون أوقف المساعدة العسكرية "لإسرائيل" مدة أسبوع على أمل إحداث اختراق مع اسماعيل.

تناقش المقالة التي كتبها د. ررامي روم الباحث في شؤون حرب "يوم الغفران" أيضا عدة أسئلة من نوع: ماذا قدم اسماعيل في تلك الاتصالاات؟ وهل كانت تلك خطة سياسية مصرية؟ أم أن القناة السياسية كانت جزءا من عملية احتيال سياسي من أجل السلام؟ وما إذا وصلت رسالة معينة بهذا الشأن إلى كيسنجر من السادات وهل كانت عملية تضليل متعمدة أو بريئة من جانب كيسنجر لكي يحرص على أن يدخل المصريون المفاوضات بكرامة وليسوا كمهزومين؟

يشير التقرير أنه جرت جولتان أيضا من المحادثات السرية يومي في 25 و 26 شباط/ فبراير 1973 في نيويورك ثم في 20 أيار/مايو في باريس، وكانت الاجتماعات جميعها بمعرفة وموافقة غولدا مائير، التي اشترطت أن تبقى مطلعة على مجراها. كما تم الاتفاق على أن كيسنجر لن يقدم اقتراحات جديدة لإسماعيل، لم يتم مناقشتها مسبقا والموافقة عليها من قبل مائير وهو ما فعله كيسنجر.

وينقل المقال إنه طبقا لمذكرات الرئيس المصري أنور السادات فإن كيسنجر أبلغعه أنه لايمكنه الحصول على دعم أمريكي في المفاوضات بينما هو الطرف المهزوم، ما فسر على أنه ضوء آخر بشن الحرب المحدودة التي لاتكسر "إسرائيل" وتنقذ ماء وجه السادات.

وفقا لبروتوكول الاجتماع الثاني في باريس، قارن اسماعيل الوضع في الشرق الأوسط مع الوضع في فيتنام، حيث الولايات المتحدة وجنوب فيتنام كانتا منخرطتان في مفاوضات مع الشمال بينما الحرب مندلعة على الأرض، واشتكى اسماعيل من المعونات العسكرية الأمريكية "إسرائيل" وخصوصا الطائرات الشبح F16 وأن هذا يقطع فرص التسوية السياسية، وإذا كان الوضع كما فيتنام فهناك ما يستطيع الأمريكيون فعله ويستطيع كيسنجر اتخاذ قرار بوقف توريد السلاح، وهو الموقف الذي اتخذه في الأسبوع الأول من الحرب.

في نهاية الاجتماع، أضاف كيسنجر عدة نقاط إلى نقاط البروتوكول الثمانية تلخص لقاءه مع إسماعيل. وما يثير الاهتمام فيها أن اسماعيل سأله عما يمكن أن يحصل عليه ما "إسرائيل" في المفاوضات الدبلوماسية، أجاب كيسنجر أن إسماعيل رفض عندما رد عليه كيسنجر بـ "السيادة الإسمية " فقط على سيناء، وقال إن هذا يعني أن السيادة غير موجودة، وقد وردت رسائل حادة من غولدا مائير ضد السيادة المصرية الكاملة على سيناء واعتبرته تنازلا "إسرائيليا" عظيما، وتغير حاد في موقفها السياسي.

وقال إسماعيل لـ كيسنجر إن مصر ستكون مستعدة للتوقيع على إتفاق مع "إسرائيل" قبل سوريا والأردن وهو تغيير كبير في موقف الحكومة المصرية، التي كانت قد جادلت في وقت سابق بأنه سيتم التوقيع على اتفاقية "إسرائيلية" مصرية فقط بعد ذلك حل المشكلة الفلسطينية والتوقيع على اتفاقيات مع سوريا والأردن.

لم ينقل كيسنجر هاتين الرسالتين المهمتين إلى الأطراف سواء رسالة غولدا أو رسالة إسماعيل، ويه رسائل يرى الباحث أن منش أنها إحداث اختراق حقيقي في المفاوضات وربما منع الحرب التي اندلعت بعد 4 أشهر.

في 15 نيسان/أبريل 1973، أثار المدير العام لمكتب رئيسة الوزراء، مردخاي غازيت ، الشكوك حول قناة كيسنجر السرية مع اسماعيل ونقل شكوكه إلى غولدا مائير ووفقا له كانت التقارير تصل إلى غولدا غير منظمة وناقصة، وردت غولدا أن كيسنجر فعل ما هو أبعد من ذلك لمصلحتهم وأن من الخطأ "تخطئته حاليا" ومع ذلك طلبت غولدا مائي من غازيت إرسال خطاب بأسئلتها فيما يتعلق بالقناة السرية، إلى السفير سيمحا دينتز الذي خلف رابين في المنصب في واشنطن، ورد الأخير بأن القناة السرية يجب أن تستمر رغم مخاوفه أيضا بشأنها. وأضاف أن بإمكانهم تدمير هذه القناة في أي وقت. ولكن دينتز لم ير سببا لإيقاف القناة في ذلك الوقت، لأن كيسنجر كان يشاركه التفاصيل كما شاركها مع سلفه رابين.

في كتابه المنشور عام 1983 بعنوان "عملية السلام 1969-1973" كتب مردخاي غازيت أنه في سياق الاتصالات السياسية السرية لكيسنجر وإسماعيل، لم يعرف "الإسرائيليون" حقا ما الذي تم نقله إلى القاهرة.

وفي 28 آب/ أغسطس، أرسل كيسنجر رسالة إلى إسماعيل، شكره فيها للمباركة التي بعث بها بمناسبة الإعلان عن تعيينه المقبل كوزير للخارجية، وبانتظار موافقة مجلس الشيوخ عرض على إسماعيل عقد اجتماع آخر بينهما و بعد بضعة أيام أرسل كيسنجر رسالة ثانية إلى إسماعيل، قال فيها إنه كان وكان من دواعي سروره أن إسماعيل قد وافق على أن اجتماعًا آخر بينهما سيكون مفيدًا قريبًا واقترح أن يعقد الاجتماع في عطلة نهاية الأسبوع من 8-9 أيلول/ سبتمبر في مدريد.

يظهر بعد ذلك رسالة من نائب كيسنجر برنت سكوكرفت تظهر أن ترتيبات الاجتماع قد أعدت فعلا، وربما كان سكوكروفت قد رافق كيسنجر لعقد اجتماع في مدريد مع إسماعيل.

قدم كيسنجر إلى إسماعيل خلال الاجتماع الثاني كما ذكر أعلاه اقتراح تفاهم أن تظل القناة سرية ومعزولة حتى في حالة قررت مصر القيام بعمل عسكري ضد "إسرائيل" على عكس ما تم الاتفاق عليه في اجتماع البيت الأبيض مع نيكسون الذي اشترط الشفافية مع "إسرائيل" بخصوص هذه القناة، وفقا لشهادة غازيت في لجنة أجرانات.

و في 4 تشرين أول/أكتوبر قال كيسنجر في مؤتمر صحفي في نيو يورك "السادات يريد السلام ويعرف أنه لا يستطيع المخاطرة بالحرب " وقد أرسل رسالة بهذا المضمون إلى "الإسرائيليين".

و في 2 حزيران/يونيو كان كيسنجر في لقاء مع السفير دينيز في البيت الأبيض قد أفاد أن إسماعيل أخبره في الاجتماع السري الثاني بالقرب من باريس في 20 أيار/مايو أن مصر لن تتخذ أي إجراء عسكري في أي حال في المستقبل القريب.

بعد يوم واحد من المؤتمر الصحفي في نيويورك، في 5 تشرين/ أكتوبر، تلقى أرسل كيسنجر رسالة عاجلة من غولدا مئير، طلبت منه أن ينقل رسالة تهدئة إلى الدول العربية مفادها أن " إسرائيل" لا تخطط لهجوم عليهم، ولكن ينبغي عليهم أيضاً أن يحذروهم من أنه إذا تعرضت "إسرائيل" لهجوم من الدول العربية، فإن ذلك سوف يجلب ردا بالقوة الكاملة، ولكن حسب النقال لايوجد أي دليل أن هنري كيسنجر قد أرسل تقريرا بالوقائع إلى نيكسون في ذلك اليوم أو غيره من المسؤولين الأمريكيين.

في الساعة 6 صباحا بتوقيت نيويورك يوم السادس من تشرين أول/ أكتوبر، تلقى كيسنجر رسالة حول الوضع المتدهور قبيل الحرب و اتصل هاتفيا بمردخاي شاليف، السفير "الإسرائيلي" الذي حل مؤقتا مكان دينيتز، الذي كان يقضي إجازة "عيد الغفرا" في "إسرائيل" وطلب منه إرسال برقية عاجلة لتل أبيب مفادها أنه سمع أن "إسرائيل" ستتصرف استباقيا خلال 6 ساعات وأن الطائرات على المسارات بالفعل ومسلحة للضربة الاستباقية بأمر من ديفيد إليعيزر رئي سالأركان وكذلك قائد سلاح الجو ، في انتظار تأكيد الأمر وبالتالي حذر كيسنجر "إسرائيل" من القيام بهذه الضربة.

كما أبلغ كيسنجر نيكسون عن التحذير الذي أرسله إلى "إسرائيل" حيث أمر بإرسال التقرير إلى الرئيس نيكسون في الساعة التاسعة صباحا بتوقيت واشنطن، بعد ساعة من بدء الحرب في الشرق الأوسط، وكتب كيسنجر في البيان

أن لديه معلومات بأن "الإسرائيليين" يخافون من هجوم عربي عليهم هذا اليوم ولديهم ما يبرر خوفهم ولكن هذا لم يمنعه من مطالبة "إسرائيل" بوقف الضربة المسبقة.

في الساعة 9 صباحا بتوقيت واشنطن، اجتمعت مجموعة العمليات الخاصة في واشنطن التي كان كيسنجر رئيسها الدائم برئاسة نائب مستشار الأمن القومي برنت سكوكروفت، في اجتماع بروتوكولي حضره رؤساء جهاز الأمن والاستخبارات في المجموعة، بما في ذلك رئيس وكالة المخابرات المركزية، وليام كولبي ووزير الدفاع جيمس شليزنجر، لم يكن أحد منهم يعرف من بدأ الحرب في الشرق الأوسط.

في المساء اجتمعت المجموعة للاجتماع الثاني في نفس اليوم، وهذه المرة بقيادة كيسنجر، الذي عاد من نيويورك، وقرر عدم الامتثال لطلب المساعدات العسكرية "الإسرائيلية" حتى يوم الاثنين أو الثلاثاء.

تبادل نيكسون وإسماعيل 18 رسالة محفوظة في متحف نيكسون وفيها ما أبلغ إسماعيل لنيكسون أن الجيش المصري لا ينوي اقتحام أعماق سيناء.

وقال إسماعيل في رسالة مؤرخة يوم 14 تشرين أول/ أكتوبر بعد ثمانية أيام من بدء الحرب، إن الجانب الأمريكي متأكد من أن الجانب المصري يفهم أن الولايات المتحدة، تقوم بعمل جيد، على الرغم من الضغوط على الإدارة، وأن الجانب المصري يدرك أن الأمريكيين تصرفوا بضبط كبير، ولم يبالغوا في انتقاد العرب للهجوم على "إسرائيل"، ولم ينقلوا المساعدات العسكرية إليها خلال الأسبوع الأول من الحرب، رغم أن الأمريكيين يعرفون أن السوفييت يقدمون مساعدات عسكرية بواسطة جسر جوي ضخم لسوريا ومصر.

وفقا لشهادة موشيه دايان في لجنة أجرانات، عمل كيسنجر باستمرار لمنع احتمالية حدوث ضربة استباقية من قبل "إسرائيل" في الأشهر التي سبقت الحرب و في الوقت نفسه، تأكد من أن "إسرائيل" تصرفت بشكل حاسم في صباح يوم 6 تشرين أول/ أكتوبر على الرغم من أنه كان يعلم وحتى أبلغ الرئيس نيكسون أنه كان لديه معلومات عن مخاوف "الإسرائيليين" من هجوم عربي في نفس اليوم، ومع ذلك، أصدر كيسنجر قرارًا في اليوم الأول لمجموعة العمليات الخاصة في واشنطن بوقف المساعدات الأمريكية الخاصة بالحرب إلى "إسرئيل" في الأسبوع الأول من القتال، ولم يبدأ الجسر الجوي بالتدفق إلا بعد تدخل نيكسون مباشرة، وبطلب عاجل من الحكومة "الإسرائيلية" فيما بعد زعم كيسنجر لدينتز أن البنتاغون هو من خرب عملية إرسال المساعدات رغم أنه هو من أصدر الأمر.

وفيما بعد قال لموظفيه في وزارة الخارجية أن الإشاعات عن أنه منع "إسرائيل" من القيام بضربة استباقية مجرد "هراء مطلق" في تناقض حاد مع تقريره نفسه للرئيس نيكسون يوم 6 أكتوبر، وبرقياته إلى غازيت مما يثبت العكس.

في التقرير أكد كيسنجر أنه إذا كان السوفيات قد نقلوا المعلومات للأميركيين حول الحرب المتوقعة، والأميركيون سيعلنون ذلك قبل الحرب، ستطلق "إسرائيل" ضربة استباقية وتهزم مصر وسوريا في الحرب.

وكان كيسنجر على علم بالأهمية التي كان من الممكن أن تكونها المعرفة المسبقة، وضربة من جبهة "إسرائيلية" وتأثيرها على نتائج الحرب.

بالإضافة إلى تقرير 6 تشرين أول/أكتوبر المقدم إلى الرئيس نيكسون، هناك المزيد من الأدلة التي تشير إلى أن كيسنجر كان على علم مبكر بالحرب وهي معلومات لم يشاركها مع زملائه في القيادة الأمريكية، ونقل التقرير عن وليام كواندت، مستشار كيسنجر من مجلس الأمن القومي، الذي قال إن كيسنجر كان لديه معلومات سابقة

عن الحرب التي تلقاها من الأمين العام للحزب الشيوعي ليونيد بريجنيف، لكن لم يشارك هذه المعلومات مع وكالة المخابرات المركزية وآخرين على الرغم من أنه كان يعلم أن مصر تستعد بجدية للحرب، ويزعم التقرير أن السادات أرسل عن طريق كيسنجر 27 رسالة مضللة "للإسرائيليين".

يزعم التقرير أن كيسنجر ضلل "إسرائيل" عمدا، وتصرف ليس فقط من وراء ظهر الحكومة "الإسرائيلية" بل من وراء ظهر الإدارة الأمريكية أيضا، فلم يعرف أصدقاؤه في الإدارة الأمريكية من الذي بدأ الحرب، ولم يعرفوا أن كيسنجر أوقف الضربة المسبقة لسلاح الجو "الإسرائيلي" في صباح الحرب، حتى الرئيس نيكسون تلقى تقريرا عن أن الحرب كانت متوقعة بعد ساعة من بدئها.

يزعم الباحث في النص المطول الذي عرضناه أعلاه أن كيسنجر لم يكن صديقا "لإسرائيل" عام 1973، و أنه لعب دورا رئيسيا في برنامج الاحتيال السياسي المصري.

ويبقى حسب البحث أن اجتماع مدريد الذي بقي مخفيا عن "إسرئيل" سيظل لغزا، ويلقي ظلالا ثقيلة على نوايا كيسنجر.

ولكن قبل الختام لنلق نظرة على ما قاله كيسنجر نفسه، وعلى تعليق الصحفي "الإسرائيلي" الراحل زئيف شيف على هذا الكلام، ففي كتابه بعنوان (الأزمة) يروي هنري كيسنجر تفاصيل المحادثات الهاتفية بينه وبين أنور السادات، ويكشف كيسنجر أن السادات فتح قناة استخبارية سرية مع الولايات المتحدة منذ اليوم الأول للحرب في وقت لم يكن لدى مصر علاقات دبلوماسية مع أمريكا، ويعلق شيف في مقالته في هآرتس يوم 4 تشرين ثاني/ نوفمبر 2004، أن السادات خان شريكه في الحرب الرئيس السوري حافظ الأسد، وخان بالتالي سورية التي كانت تقاتل على جبهة الجولان، حيث لم يبح السادات للأسد بنيته الحقيقية من الحرب بأنها ستكون محدودة للغاية على مساحة صغيرة من سيناء بينما قدر الأسد أنها ستكون حربا واسعة النطاق، وربما لو باح السادات للأسد بنواياه لتراجع الأخير عن فكرة الحرب المشتركة كما يحلل شيف، وقد كتب كيسنجر أن أحدا لم يدرك في البداية أن هدف الحرب في نظر السادات هو أن تكون خطوة للتفاوض مع "إسرائيل".

يشير شيف أن السادات تحرك أيضا من وراء ظهر السوفييت فبينما كانت روسيا تبذل مساعيها لدى العرب ليدخلوا الحرب مع مصر كان السادات يفاوض الأمريكان. هذا السر كانت حسب شيف تعرفه المخابرات "الإسرائيلية" وقد رأينا في الوثائق كيف كانت غولدا مائير مطلعة على التفاصيل وإن نسبيا حسب الزعم، وكان لو كشفت المخابرات "الإسرائيلية" الأمر لانفضح السادات أمام الأسد ولتغيرت المجريات، ولأدى الأمر أيضا إلى إحراج السادات وشرخ في علاقته الأمريكية، ولكن بقي السر طي الكتمان، وحسب كيسنجر فقد كتب السادات في رسالة إليه تحت عنوان "شروط ايقاف الحرب" بأنه "غير معني بتعميق المصادمات أو توسيع المجابهة"، وكتب كيسنجر أنه فهم من توجه السادات بأنه يدعو الولايات المتحدة في الواقع للسيطرة على عملية السلام بعد الحرب. ويكتب كيسنجر في كتابه "حرب أكتوبر" إن القناة السرية بين السادات وبين الإدارة الأمريكية كانت تعمل بانتظام وإن تسخين الموقف وكل ما يتصل بالحرب المحدودة تم الإتفاق عليه مسبقا، بل عمد السادات إلى تنشيط القناة في اليوم الأول للحرب، وكانت "ودية" بتعبير كيسنجر، الذي يكتب "إن السادات كان مستعدا للتفاوض مع إسرائيل بعد انتصار غير حقيقي عليها".
أخيرا يقول التقرير "الإسرائيلي" أنه في بداية حزيران/ يونيو 2018، تم إرسال رسالتين إلى مكتب كيسنجر في نيويورك، مع أسئلة حول الاجتماع السري الثالث لكيسنجر واسماعيل. وأكد المسؤول الصحفي في مكتب كيسنجر الاستلام لكنه رد أن كيسنجر كان في الخارج لفترات طويلة، و لم ينكر كيسنجر وجود الاجتماع الذي يحيطه غموض عظيم.

 

.