Menu

تحليلجهود صهيونية مستميتة أمنيًا وسياسيًا: هل تستطيع إيقاف الفدائي التالي؟

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

كشفت الأحداث الأخيرة خلال أسبوع في الضفة الغربية المحتلة عن حقيقة ما يواجهه العدو الصهيوني فيها، وفتح إضافة إلى الإجراءات العسكرية المعروفة والمتوقعة، والتي لاتفاجئ أحدا يفهم طبيعة الاحتلال نقاشات سياسية كبيرة، وإن كانت ما تزال تتجمر تحت ظلال الإجماع القومي الصهيوني، الذي يتمحور كما دائما على ضرورة الرد القاسي على الفلسطينيين، و"تأديبهم" وإحكام السيطرة على الضفة الغربية.

خطاب "الإجماع القومي" هذا يبدو خاويا هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى، لأنه يفتقد إلى الرؤية المطلوبة حتى لعنف احتلالي منفلت من عقاله، يمكن ببساطة لحظ هذا التهاوي، لقوة الردع الصهيونية عبر رصد عدة نقاط: فأمام تصاعد العمليات الفدائية، تصاعد مستوى القمع الفاشي الصهيوني، ليس فقط بالاغتيال المباشر والجبان الذي يستهدف الفدائيين، وهم على كل حال يتوقعون هذا ولكن بسلسلة إجراءت أراد منها العدو تعزيز االردع بالضفة وباءت جميعها بالفشل.

سعى العدو لإصدار حكم الإعدام ضد الفدائيين من منفذي الهجمات الثائرة ضد الاحتلال، وما زال هذا القانون يتأرجح بين التحذير من مخاطره على سمعة الكيان، وبين المناكفات الحزبية التي تمنع تمريره.

أيضا موضوع هدم بيوت الفدائيين من منفذي الهجمات كمأسلوب رادع، ما يزال الوسط السياسي والأمني الصهيوني يصر عليه، إذا أصدر نتنياهو قبل دقائق من هذا التقرير قرارا بهدم منازل الفدائيين خلال 48 ساعة. وأيضا يعود الحديث عن ترحيل عائلات الفدائيين واقتلاعها من بيوتها وبيئاتها وترحيلها ربما إلى غزة.

اقرأ ايضا: من هو أشرف نعالوة؟

يترافق هذا الجهد الفاشي مع الإجراءات العسمرية المتراكمة، من إرسال مزيد من الجنود والقوات إلى الضفة، ومنها لواء كفير الذي خسر اثنين من جنوده مبكرا هذا الصباح، ووحدات إضافية من الناحال في محاولة لرد ما يستحيل رده، الغضب الذي يتصاعد في الضفة.

جميع الإجراءات تبوء بالفشل فلا الفدائي الذي يقرر تنفيذ عملية يخشى الموت أو حكم الإعدام ولا هدم مئات البيوت ردع الفدائي التالي عن النهوض والتصدي للاحتلال.

اقرأ ايضا: مقتل 3 جنود صهاينة في عملية إطلاق نار قرب رام الله

أيضا تهديدات نتنياهو اليوم ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية ردا على الهجمات، لايمكن اعتبارها إلا ضمن منحيين المنحى الأول إن هذا الأمر لايحتاج لتهديد فهذا جوهر سياسة اليمين الصهيوني ودولة المستوطنين، بناء المزيد والمزيد من المستوطنات وسحب المزيد من الأرض من تحت أقدام الفلسطينيين، والمنحى الثاني أن هذه مجرد تصريحات في الهواء من رئيس وزراء محاصر بالفساد والجرائم، يعرف أن أيامه محدودة تماما وبالتالي يسعى جاهدا لبيع الأوهام للمستوطنين وهو يدرك أن هذه الأوهام أيضا لن تتمكن من ثني الفدائي التالي عن الخروج والترجل من سيارته وإرداء ما تيسر من جنود. هذا التحليل ينطبق أيضا على التوعد باعتقالا عناصر حماس، وكأن العدو لايعتقل يوميا عشرات الشبان بمختلف انتماءاتهم، وكأن المقاومين يعيشون في جنة الورد في ظل التنسيق الأمني المشدد، وكذلك حرمان أقارب المنفذين من تصاريح العمل وغيرها من إحراءات علينا من موقع مسؤوليتنا الوطنية أن نقول لشعبنا بصراحة أن هذا كله مجرد هراء، فشعبنا لايباع ويشترى في سوق التصاريح والفدائي التالي قادم لامحالة. ألم يسارع العدو بالاحتفال باغتيال أِرف نعالوة وصالح البرغوثي، ثم رأي أنه تسرع بعد أن جاء الفدائي الجديد ليقتل الجنود من المسافة صفر ثم ينسحب بسلام!

في السياق السياسي، اندلع تحت عباءة الإجماع القومي الصهيوني، نقاش لايستطيعون الفرارمنه عنم مصري أكثر من خمسين عاما من الاحتلال، تتبلور هذه النقاشات حول الضم أو اللاضم، وكلاهما خيارات صنفا ووصفا من المتخاصمين بيأنهما يهددان المشروع القومي الصهيوني وفرص "إسرئايل" لتكون على حد زعمهم "ديمقراطية ويهودي" بل ربما "يهودية فقط".

لاتنكر الأوساط العسكرية الصهيونية أن الضفة لغز كبير، صعود الفدائيين الأفراد، والخلايا التابعة لمنظمات محاربة ومحاصرة بقوة، في ظل تنسيق أمني يتفق فيه الجانب الفلسطيني الأوسلوي مع 995 من أفكار الشابك، ورغم ذلك الفشل الذريع كل هذا يجعل اللغز الذي يواجه قوات الاححتلال أكثر تعقيدا، هو لغو بسيط للغاية، وحله رحيل الاحتلال وتفكيك مستوطناته وشبكاته الأمنية بما فيها شبكات التعاون بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني.

يضاف إلى هذا النقاش الكلام عن وضع السلطة الفلسطينية نفسها، وحاجة الكيان الضرورية لها، وليس مفاجئا حجم التوفير المالي والعسكير والاستخباري وفي مجالة السمعة الذي تحوزه "إسرائيل" وتستفيد به من السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني، وبالتالي تتصاعد التحذيرات ليس من السياسيين المعارضين فقط بل أيضا من رئيس الشين بيت ورئيس أركان الجيش الذين حذرا من أن السلطة الفلسطينية في حالة تراجع، وأنها تفقد كل مصداقية في الشارع ما يشكل خطورة أمنية على قدرة الردع الصهيونية.

فقد تعززت قناعة الفلسطينيين بعجز السلطة عن أداء أي وظيفة مفيدة، وبالتالي تبحث قيادة العدو عن حل للمعضلة: الضم والحكم العسكري المباشر مع ما يعنيه هذا سياسيا وأمنيا، أو تعزيز الانفصال عن الفلسطينيين وإتاحة الفرصة بشكل أكبر للسلطة للحكم.

ويرى المعلقون الصهاينة محذرين الوسط السياسي والأمني أنه عندما تضعف السلطة الفلسطينية ، تضعف خدماتها الأمنية ، وعندما تفقد قوتها ، ستدخل حماس في الفراغ بكل قوتها وتغذي الطاقات المدمرة التي تغرق تحت السطح. الهجوم في عوفرا هو مجرد تذكير آخر سيتم نسيانه غداً.على حد الزعم، ولم يكن الهجوم في عوفرا سوى إشارة إلى هذا.

رئيس الأركان الصهيوني المنتهية ولايته قريبا غادي أيزنكوت كان أكثر وضوحا في كلامه في الكابينت هذا الأسبوع إذ أكد أن التوتر ينذر بخطر شديد من الجانب الفلسطيني، وأن "جولة عنف" أخرى في الضفة الغربية، سوف تكون الجولة أكثر أهمية من غزة من حيث ترتيب النعركة، حيث ستكون "إسرائيل" متورطة مباشرة بالاحتكاك مع الجمهور الفلسطيني، مؤكدا أن تنحية عباس جانبا ساهم في هذا الوضع ، وزعم أن محمود عباس يساعد "إسرائيل" في "محاربة الإرهاب" ولكنه لايحصل على شيء بالمقابل، وهو كلامن قوبل ببرود من الوزراء الحاضرين الذين اعتبروا أن أيزنكوت لم يقل شيئا جديدا.

جاء هذا أيضا في تحذيرات أرغمان الذي قدم تفاصيل الهجمات الفدائية وتلك التي ادعى أن جهازه أحبطها، ولكن ما لاتقوله الأرقام حتلا بتلك الهجمات المحبطة، هو حجم الجهود العسكرية والمالية والاستخبارية التي يضطر العدو يوميا لدفعها في مواصلة الاحتلال، وهو أمر مشكوك بقدرته على دوام احتماله وقد أقر أرغمان أنه كلما زاد الاحتقان زادت أعداد التهديدات، وهذا يعني زيادة عدد الهجمات الناجحة، هل نشكر الاحتلال إذا على زيادة الاحتقام وسياسته الفاضية التي تدفع المزيد والمزيد من الشبان الفلسطينيين الغاضبين على الاحتلال ليكونوا الفدائي التالي.

أخيرا يدرك العدو أن هذا كله يفشل ولعل تجربة الفدائي المطارد ثم الشهيد أشرف نعالوة تعطي الدليل للحائرين فهذا الشاب الفرد تمكن لشهرين كاملين من فرض عار لايزول على أقوى جيش في الشرق الأوسط بأفضل معدات ممكنة وأكبر قوة استخبارات متاحة، أعجزهم عن اعتقاله، وبينما كان يتهيأ للاستشهاد كان يثقف نفسه على أساليب الصمود في الاعتقال والتحقيق، ثم قاتل حتى استشهد، ولعل فوارغ الرصاص، والكتاب والكوفية في تلك الغرفة الفقيرة حيث تمترس أشرف في وقفته الأخيرة تعطي الدرس الحاسم ليس للعدو فقط بل للفلسطينيين أيضا، فإلى هذه الغرفة وهذا المتراس الأخير يتطلع الفدائي القادم الذي يبحث عنه جيش الاحتلال والتنسيق الأمني والشاباك في كومة، ليس كومة قش بل في أرض من الثورة والغضب.