يعد البعد العربي بعدا رئيسا في الصراع الفلسطيني_الإسرائيلي، ولذلك أطلق عليه أيضاً الصراع العربي_الإسرائيلي على اعتبار أن المشروع الصهيوني هو مشروع قومي معاد ومناف للمشروع القومي العربي. فقد ذكر نجيب عازوري في كتابه يقظة الأمة العربية ما يلي:" ظاهرتان هامتان، لهما نفس الطبيعة بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه أحد حتى الآن تتوضحان في الآونة الأخيرة في تركيا الأسيوية أعني: يقظة الأمة العربية وجهد اليهود الخفي لإعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع، إن مصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى، والنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هذين الشعبين الذين يمثلان مبدأين حضاريين، يتعلق مصير العالم بأجمعه"[1].
ولكي نقرأ ملاح التطبيع لابد من تأصيل للمصطلحات المستخدمة، فمصطلح التطبيع هو مصطلح إشكالي لأنه من المصطلحات المستحدثة سواء على اللغة العربية الفصحى أو على الصراع مع اليهود في فلسطين. فقد جاء في لسان العرب أن الطبع يعني السجية، والطبيعة هي السجية التي جبل عليها الإنسان. وطبعه أي جعله على سجيته. ولذلك يأتي هنا المعنى الاصطلاحي له بمعنى إعادة العلاقات الطبيعية بين طرفين طرأ بينهما موقف غير طبيعي أي موقف صراعي سواء بلغ حده الأقصى بإعلان الحرب أو ظل في حدود أقل. وهذا غير دقيق في الحالة العربية الإسرائيلية لأن المشروع الصهيوني جسم كولونيالي استعماري إحلالي غريب في الوطن العربي، ومهددا لوجوده ومصالحه ومستقبله. ولم يكن هناك علاقات طبيعية عربية صهيونية سلمية أصلا حتى تعود إلى طبيعتها. وفي المقابل فإن مصطلح المقاطعة في قاموس المصطلحات الحقوقية الدولي هي "إجراء تلجأ إليه سلطة الدولة أو هيئاتها وأفرادها المشتغلون بالتجارة لوقف العلاقات التجارية مع دولة أخرى، ومنع التعامل مع رعاياها بقصد الضغط الاقتصادي عليها ردا على ارتكابها لأعمال عدوانية"، وتعرف الموسوعة البريطانية المقاطعة بأنها " رفض أو تحريض على رفض أن يكون هناك أي تعامل تجاري أو اجتماعي مع طرف يراد الضغط عليه"[2]. وقد اتخذ مجلس الجامعة العربية قراراً في أيار 1951م بإنشاء جهاز المقاطعة العربية لإسرائيل وتم تحديد مهامه.
يجد المتتبع لمسيرة التطبيع في العالم العربي أن بداية تقبل الآخر، والتعايش مع وجوده قد بدأت قبل فترة طويلة من العلاقات الرسمية العربية الإسرائيلية، وقبل فترة طويلة من توقيع اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني. فعلى الرغم من أن بعض الدراسات التاريخية تتحدث عن الفترة بين 1948 إلى سنة 1967م بأنها كانت حالة إجماع عربي رسمي رافض للاعتراف بالعدو بشكل شامل وتام، وأن ذلك تجسد عربياً في مؤتمر الخرطوم الذي رفع شعار اللاءات العربية الثلاث (لا للصلح، لا للاعتراف، لا للمفاوضات)، إلا أن دراسات تاريخية أخرى قد نجحت بالكشف عن اتصالات سرية بين أنظمة عربية وبين الكيان الصهيوني وأن هذه الاتصالات تشكل الإرهاصات الأولى للتطبيع وتقبل دولة الكيان في الوطن العربي والتعايش معه، وأن هذه الاتصالات قد وجدت قبل إقامة هذا الكيان. وأنها قد تساوقت واقعيا مع المشروع الصهيوني منذ بداية عشرينيات القرن العشرين. وأن هناك اتصالات سرية بين الحركة الصهيونية والأمير عبد الله أمير شرق الأردن. وقد كشف المؤرخ سليمان بشير ذلك في كتابة "جذور الوصاية الأردنية". وأن الملك عبد الله قد وقع اتفاقيات تقاسم لفلسطين مع الحركة لصهيونية في فبراير 1948م، حيث وقع ذلك رئيس وزرائه توفيق أبو الهدى وقائد جيشه جلوب باشا في لندن. وأن الملك عبد الله الذي عين من قبل جامعة الدول العربية قائدا عاما للجيوش العربية قد دخل فلسطين طامعا وليس محررا في حرب 1948م. وأن ذلك ساهم في حدوث النكبة. وقد بين الضابط الأردني عبد الله التل في كتابة " كارثة فلسطين" عن الاتصالات الأردنية الصهيونية والتي توجت باتفاقية عدم اعتداء في مارس سنة 1950، والذي تم بعدها بشهر في نيسان ضم مملكة شرق الأردن للضفة الغربية. بل يمكن أن نستند على ما قاله آفي شلايم من المؤرخين الجدد الإسرائيليين " إن واقع الأمر أن العرب اعترفوا بإسرائيل عندما وقعوا اتفاق الهدنة معها في رودس عام 1949 تحت رعاية الأمم المتحدة".
وشهت دولة لبنان اتصالات سرية صهيونية بقيادة حاييم وايزمن مع رئيس الجهورية إميل إده (1936-1941م)، والبطريرك الماروني أنطون عريضه. وفي حزيران 1937م أعلن إده عقب اجتماعات مع الزعماء الصهاينة في باريس " أن خلق جمهورية صهيونية ليس من شأنه أن يكون غير سار لنا"[3]. واستمرت الاتصالات الوطيدة بين الطرفين في السنوات اللاحقة، وتجسد ذلك واقعا في العدوان الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية في سنة 1982م ودور بشير الجميل والكتائب في ذلك، وتوقيع اتفاق سلام لبناني إسرائيلي.
وشهدت سنة 1949 أيضاً مشاورات سرية بين الكيان الصهيوني وبين النظام السوري الانقلابي بقيادة حسني الزعيم. ووافق حسني الزعيم على مشروع توطين للاجئين الفلسطيني في سوريا في منطقة الجزيرة. ولكن حدوث انقلاب سامي الحناوي أفشل هذه الخطوة. وشاهدنا نفس سيناريو الاعتراف بإسرائيل كأمر واقع والتساوق مع مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين في مشروع التوطين للاجئين الفلسطينيين في سيناء سنة 1953-1954م، بمشروع تبنته الأمم المتحدة وتعاطي النظام المصري معه آنذاك. وقد تم إفشال ذلك من خلال الهبة الجماهيرية التي قامت في قطاع غزة بتوجه قوي من قوى اليسار في ذلك الوقت والتي سقط خلالها العديد من الشهداء والجرحى.
وقد استمر النظام الأردني في إقامة اتصالات سرية مع دولة الكيان الصهيوني خلال فترة الخمسينيات والستينيات، وتم فيها لقاء الملك حسين مع قيادات إسرائيلية مثل اللقاء في سبتمبر 1963م مع يعقوب هرتزوغ _أمين عام مجلس الوزراء في حكومة ليفي أشكول، ثم تلى ذلك اجتماع آخر في باريس في خريف 1965م مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية جولدا مائير. وتتابعت الاتصالات ولم تنقطع[4].
وشهدت فترة الستينيات (1964) أيضاً مشروع الحبيب بورقيبة للاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها ضمن المبدأ البورقيبي للتحرير المرحلي " خذ وطالب". فقد تحدث الحبيب بورقيبة في مؤتمر أريحا عند زيارته للمدينة في مارس 1964م، وكذلك في تصريحات صحفية أخرى عن مشروعه للسلام مع إسرائيل يقوم على المرحلية لضمان نجاح المشروع الوطني الفلسطيني. ويقوم برنامج المرحلية على تكتيك خذ وطالب. وبين أن سياسة المراحل لا تعني التخلي عن الهدف الاستراتيجي. وطالب العرب بالاعتراف بإسرائيل كأمر واقع. وأنه كان على الفلسطينيين والعرب القبول بقرار التقسيم. وقد قال الحبيب بورقيبه في خطابه في مدينة أريحا في مارس 1965م "انتهاج طرق كفاحية أخرى إلى جانب الكفاح المسلح، وخاصة إذا اتضح لنا إننا لا نستطيع قهر العدو أو الإلقاء به في البحر". ورغم ما في حديث الحبيب بورقيبة من جرأة كانت خارج سياق الفكر السياسي الفلسطيني والعربي في تلك الفترة، الذي كان يدعو إلى التحرير الكامل لفلسطين فإن الحبيب بورقيبة لم يجاف الحقيقة عندما قال: " إن ما يزعجه حقاً هو ليس هو عجز العرب على محق إسرائيل بل فقدان النية الصادقة لخوض الحرب وتحرير فلسطين"[5].
وشكلت الموافقة على قرار مجلس الأمن 242 مؤشر خطير على التراجع في الموقف الرسمي العربي الرافض لقيام دولة الكيان الصهيوني في فلسطين، فقد وافقت الأنظمة العربية على مبدأ حدود أمنة ومعترف بها لإسرائيل مقابل الانسحاب من أراض احتلت عام 1967م، وجاءت مشاريع ومبادرات التسوية بعد ذلك مستندة على هذا القرار الذي يتضمن مبدأ الاعتراف والتعايش.
وشهدت سنوات السبعينيات اختراقات عديدة في الموقف الرسمي العربي فيما يتعلق بالتحضير لمؤتمر جنيف عقب حرب 1973م، والتي تجمع أغلب الدراسات التاريخية أنها كانت "حرب تحريك وليس حرب تحرير". وأن اتصالات أمريكية مصرية إسرائيلية حثيثة قد حدثت لإحداث شرخ علني في المقاطعة الرسمية العلنية العربية لإسرائيل. وتم التحضير لهذه الاتصالات من قبل نظام ملكي عربي يقيم علاقات مع دولة الكيان الصهيوني منذ نشأتها حتى غطاء وجود جالية يهودية كبيرة في هذا البلد. حيث لعب الملك الحسن الثاني دوراً هاماً في التحضير للمفاوضات المصرية الإسرائيلية وتذليل الصعاب أمامها بلقاءات سرية بين موشي ديان _وزير الخارجية الإسرائيلي_ وحسن التهامي الممثل الخاص للرئيس المصري محمد أنور السادات. ويذكر موشية ديان ذلك بالتفصيل في كتابه "أنا وكامب ديفيد"[6]. وشهد المغرب قبل ذلك وبعده زيارات سرية وعلنية إسرائيلية.
وشهدت أيضاً منتصف السبعينيات اتصالات فلسطينية مع قوى سلام إسرائيلية بتوجيهات من الرئيس الراحل أبو عمار. وقد بدأ أبو مازن هذا التوجه من خلال لجنة تشكلت من حركة فتح قبل انعقاد الدورة الثالثة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ (20/3/1977م) والذي أقر فيها المجلس الوطني في الفقرة الرابعة عشرة ما يلي "يؤكد المجلس الوطني الفلسطيني على أهمية العلاقة والتنسيق مع القوى اليهودية الديموقراطية والتقدمية في داخل الوطن المحتل التي تناضل ضد الصهيونية كعقيدة وممارسة". وتواصلت الاتصالات المباشرة بين الشخصيات الفلسطينية التالية "عصام السرطاوي، الذي بدأ هذه الاتصالات منذ سنة 1975م مع مكسيم غيلان (مشروع السلام للسرطاوي سنة 1976م)، و من قبل سعيد حمامي _ ممثل المنظمة في لندن مع شخصيات إسرائيلية مثل الجنرال احتياط متياهو (ماتي بيلد)، والصحفي يوري أفنيري (وهم أعضاء كنيست)، وشاركت شخصيات فلسطينية أخرى في حوارات أخرى مثل إبراهيم الصوص _ممثل المنظمة في اليونسكو، وخالد الحسن، زهدي طرزي. مع شخصيات صحفية وأكاديمية إسرائيلية وأعضاء كنيست. وانتقلت هذه الاتصالات من طور الاتصالات السرية إلى طور الاتصالات العلنية في الثمانينيات تحت ذريعة مفاخرة قيادة المنظمة بأن ذلك تحدي لقرار الكنيست الإسرائيلي في 6/8/1986م الذي يمنع اليهود من الاتصال مع عناصر من منظمة التحرير الفلسطينية[7]. وقد استثمر السادات هذه الاتصالات لتبرير اتصالاته مع الكيان الصهيوني بالقول: "إذا كان أصحاب القضية يتفاوضون مع الإسرائيليين فلم لا يجوز لي أن أتفاوض أنا أيضاً معهم"[8].
وبتوقيع اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر 1979م خرجت مصر من الصف العربي المواجه لإسرائيل لأن الاتفاقية تضمنت إنهاء مصر حالة الحرب مع الجانب الإسرائيلي. والتأكيد على احترام كل منهما لحرمة الحدود البرية والبحرية والجوية للطرف الآخر وعدم مسها. وأن الطرفان ملزمان وفق الاتفاقية بعدم استخدام القوة، وبحل النزاعات التي تنشىء بينهما بالوسائل السلمية. كما أن مصر ليس بمقدورها مساعدة أي طرف عربي في حالة حصول نزاع مسلح مع إسرائيل. فقد نصت المادة السادسة في الاتفاقية على أنه " في حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة". وهذا يعني إسقاط التزام مصر بمعاهدة الدفاع العربي المشترك وميثاق جامعة الدول العربية الذي يلزم الأطراف الموقعة عليه بمساعدة الطرف العربي الذي يتعرض إلى اعتداء صهيوني. وهذا يعني خروج مصر من خط المواجهة مع إسرائيل وإسقاط خيار الحرب واتباع خيار السلام. وبالتالي فإن اتفاقية كامب ديفيد تحولت من تسوية للصراع العربي الإسرائيلي على إنهاء حالة الصراع بين مصر وإسرائيل، وبقيت اتفاقية ثنائية لم تمس جوهر الصراع العربي الإسرائيلي وهو المشكلة الفلسطينية. ونتيجة إدراك الإجحاف الذي لحق بالحقوق العربية والفلسطينية في اتفاقية كامب ديفيد استقال وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل قبيل توقيع الاتفاقية[9].
وقد نصت اتفاقية كامب ديفيد المصرية (1978-1979) على التطبيع مع الكيان الصهيوني حيث يقول موشية ديان في كتابه المذكور أعلاه " إن المصريين لم يحاولوا مرة واحدة خلال المفاوضات التي أجريناها أن يتهربوا من أي بند أو فصل هدفه الوصول إلى وعد بتطبيق علاقات طبيعية كاملة بين إسرائيل ومصر"[10].
ورغم رفض الدول العربية لاتفاقية كامب ديفيد ومقاطعتها للنظام المصري فإن الأنظمة العربية قد وافقت في سبتمبر 1982م في قمة فاس على مشروع ولي العهد السعودي الأمير فهد للسلام مع الكيان الصهيوني، والذي شكل أول مشروع سلام عربي مع الكيان الصهيوني. وتم فيه تبني خيار السلام وإسقاط خيار الحرب. وشكل هذا المشروع أرضية المشاريع العربية اللاحقة التي تستند على مبدأ الأرض مقابل السلام، وعلى الاعتراف الضمني العربي بإسرائيل مقابل الانسحاب إلى حدود 1967م وقيام دولة فلسطينية.
وقد ساهمت اتفاقيات السلام في تسعينيات القرن الماضي مثل اتفاقية أوسلو ووادي عربة في فتح الباب أمام العديد من الأنظمة العربية للتساوق مع التطبيع مع الكيان الصهيوني. هذه الاتفاقيات التي ألحقت الضرر في الثوابت الفلسطينية والعربية. وشكلت مزيدا من الاختراق الصهيوني للجسم الفلسطيني والعربي. ولذلك عدت بعض الدول العربية ذلك نهاية للصراع العربي الإسرائيلي، واتخذت من ذلك ذريعة للتطبيع السياسي والاقتصادي والإعلامي. وسمحت بفتح مكاتب تجارية في عواصمها. وشكل ذلك مدخلا لاتصالات سياسية سرية ثم علنية. وعقد اتفاقيات أمنية عسكرية سرية مع الجانب الصهيوني. بل هرولت العديد من الدول العربية في السنوات الأخيرة للتطبيع السياسي والأمني والاقتصادي والعسكري مع الكيان الصهيوني رغم أن القضية الفلسطينية لا تزال تراوح مكانها. ورغم سياسات الاستيطان والتهويد الصهيونية بحق الأرض الفلسطينية. وأصبحت هذه الأنظمة ترى في التطبيع مع الكيان الصهيوني نافذة للرضا الأمريكي لاسيما في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ترامب.
وتسارعت وتيرة التطبيع الثقافي والإعلامي إلى درجة تبني بعض القيادات السياسية والنخب الثقافية والإعلامية وجهة النظر الصهيوني. بل وصل الأمر في بعض النخب الثقافية في الكويت والإمارات والبحرين و قطر إلى تبني الرواية الرسمية الصهيونية تجاه الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي ومهاجمة الرواية الفلسطينية العربية والعداء لها. وإلى قيام العديد من هذه الدول بفتح أبوابها على مصراعيها للفرق الرياضية والإعلامية الإسرائيلية.
ويأتي ذلك ضمن رؤية استراتيجية صهيونية باستغلال حالة الانقسام الفلسطيني، وحالة التشرذم العربي الداخلي والعربي العربي، واستغلال الخلافات العربية الإقليمية مع إيران في محاول صهيونية لتشكيل معسكر حشد سني مقابل الحشد الشيعي لنقل المعركة بين العرب وإيران. وجعل إسرائيل شريك في الحشد السني ضد إيران وبالتالي محاولة إسرائيل إخراج نفسها من دائرة العدو لهذه الدول العربية إلى دائرة الحليف. وهذا يسير باتجاه فرض إسرائيل رؤيتها لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وتقزيمة لصراع إسرائيلي فلسطيني. وبالتالي فرض الرؤية الإسرائيلية السياسية على أي حل للقضية الفلسطينية. وسعي إسرائيل إلى قيام الدول العربية بالضغط على الجانب الفلسطيني لقبول ما تعرضه إسرائيل، وجر إسرائيل الدول العربية والفلسطينيين إلى تجاوز معادلة الأرض مقابل السلام إلى معادلة السلام من أجل السلام. وأن يكون التطبيع والهرولة العربية إضعاف للجانب الفلسطيني وتقزيم مطالبه في أي حلول للقضية الفلسطينية. وتنطلق الآن رؤية أوروبية برزت حديثاً بأن التطبيع العربي مع إسرائيل يمكن أن يشكل مدخلاً لحل القضية الفلسطينية، وليس العكس فيما كان مطروح سابقاً من أن حل القضية الفلسطينية يمكن أن يشكل مدخلاً للتطبيع. ولكن الجانب الإسرائيلي يتجه الآن نحو التطبيع مع المحيط العربي والتنكر للحقوق للفلسطينية بإضعاف حاضنتهم العربية وحتى الإقليمية والدولية على المستويين الشعبي والرسمي.
نتائج الدراسة:
- شهد الوطن العربي العديد من الاتصالات السرية العربية الإسرائيلية التي تشكل إرهاصات التطبيع الإسرائيلي العربي حتى قبل قيام الكيان الإسرائيلي، ثم تحولت هذه الاتصالات إلى اتصالات علنية واتفاقيات سلام لاحقا أضرت بالحقوق العربية والفلسطينية، وشكلت اختراق إسرائيلي للصراع العربي الإسرائيلي.
- شكلت الاتصالات السرية ثم العلنية مقدمة للدخول في فلك مشاريع التسوية السياسية، وإسقاط خيار الحرب. ومن ثم فتحت الباب أمام توقيع اتفاقيات سلام بين الكيان الصهيوني ومصر ثم لاحقاً مع منظمة التحرير الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية.
- إن اتفاقيات السلام الفلسطينية العربية الإسرائيلية قد فتحت باب التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي ... الخ بين الدول التي قامت بهذه الاتفاقيات ثم لحق بها علنيا دول عربية أخرى لا تعد من دول الطوق مثل دولة الإمارات العربية والبحرين والمملكة العربية السعودية وغيرها سواء من خلال اتصالات سرية وعلنية ومكاتب تجارية.
- إن التطبيع لا يزال محصوراً في النطاق الرسمي مع بداية توسع نحو النطاق الشعبي مما يعطي مؤشرات خطيرة في هذه المجال.
- تعاطي بعض النخب الإعلامية العربية مع التطبيع يشكل اختراق خطير للعقل الثقافي العربي.
- سعي دولة الكيان إلى استغلال حالة الانقسام الفلسطيني وحالة التشرذم والصراع الداخلي العربي في توسيع حالة الاختراق للموقف الرسمي والشعبي العربي لتقزيم الحاضنة الرسمية والشعبية للقضية الفلسطينية.
- استغلال دولة الكيان للتحشيد الطائفي والمذهبي في العالم العربي لتوسيع دائرة اختراقها التطبيعي.
توصيات الدراسة:
- وقف التطبيع الرسمي العربي من خلال ممارسة ضغوط شعبية على الأنظمة السياسية القائمة مثلما حدث في موريتانيا.
- تشكيل جبهة شعبية عربية لمواجهة التطبيع الرسمي والنخبوي مع دولة الكيان وملاحقة كل من يطبع مع الجانب الصهيوني.
- وقف كل أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والإعلامي والرياضي والديني مع العدو الصهيوني.
- التأكيد على الثوابت الوطنية الفلسطينية، والثوابت القومية العربية في مواجهة المشروع الصهيوني.
- دعم حركات المقاطعة للكيان الصهيوني، وتعزيز الدور الشعبي والمؤسساتي في ذلك.
- إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، وحالات التشرذم والنزاعات العربية الداخلية لتعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية والجبهة العربية.
- إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الصراع العربي- الصهيوني.
[1]. عازوي، نجيب: يقظة الأمة العربية، نقله إلى العربية وقدم له ووضع حواشيه، أحمد أبو ملحم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 1998م، ص9.
[2]. غسان حمدان: التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيوني، دار الأمان للطباعة والنشر، بيروت، 1989م، ص 23.
[3]. غسان، حمدان: مصدر سابق، ص 59-64.
[4]. لمزيد من التفاصيل أنظر أفي شلايم، إسرائيل وفلسطين إعادة تقييم ومراجعة، ودحض وتفنيد، ترجمة د. حسين محمد ياغي، وبسمة محمد ياغي: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2013، 335-355.
[5]. الحناشي، عبد اللطيف: موقف بورقيبة من القضية الفلسطينية 1946-1965، مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد 69، شتاء 2007، ص 52-73.
[6]. لمزيد من التفاصيل أنظر موشية ديان: أنا وكامب ديفيد، ترجمة غازي السعدي، دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية، عمان، ط1، 1987، 54-63؛ 101-108.
[7]. لمزيد من التفصيل أنظر غسان حمدان، التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيوني، دار الأمان للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1989، ص65-80.
[8]. المصدر نفسه: ص 66.
[9]. لمزيد من التفاصيل انظر محمد إبراهيم كامل: السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد، الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، د.ت.
[10]. موشية ديان، ص 228