نظّم فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب ولجنة الأسرى والمحررين في الشتات، لقاءًا حواريًا لمناقشة وإطلاق رواية "حكاية سر الزيت" للكاتب والأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال وليد دقة، في مقرّ فرع الاتحاد بالعاصمة السورية دمشق.
وتحدّث خلال اللقاء، الذي انعقد أمس الأربعاء 20 فبراير، كلٌ من مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان مروان عبد العال، والروائيين السوريين محمد باقي محمد ووليد المزعل، والأسير المحرر علي محمد. وأدار اللقاء مسؤول فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، محمد الحوراني، بحضور عدد من الأسرى المحررين الذين عايشوا الأسير دقّة داخل المعتقلات الصهيونية، وعدد من القامات الأدبية الكبيرة من كتّاب وروائيين ونُقّاد، وحضر اللقاء كذلك الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب الدكتور نضال الصالح، وممثلين من لجنة الأسرى والمحررين في الشتات وكوادر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
وقال عبد العال، في كلمته خلال إطلاق الرواية، إنّ ما يكتبه الأسرى له قدسيّة خاصة، مستمدةٌ من ظروف السجن، إذ يُعد الأمر نوعًا من التحدي، حيث فقدان الأوراق ومصادرة الأقلام، وحرق مقتنيات الأسرى..، وأدب الأسرى يعتبر رسالة نضالية و ماركة فلسطينية مسجلة، طالما الأدب هو علم جمال التحرّر، بل وفن المقاومة بوسائل أخرى".
وأضاف "في حالة وليد دقة نحن لسنا أمام كاتب عادي أو فردي، بل هو كائن تاريخي وقامة ثقافية، تتحد فيه البنية الفكرية والسياسية والفنية، ينتمي إلى مشروع تحرري جماعي متكامل لا يمكن تجزئة مكوناته إلى جزر متباعدة أو فصلها عن سياقها المنطقي. الذي يمكن تسجيله بنقاط ثلاث: من خارج الرواية، من داخلها، وما بعدها".
من خارج الرواية
محاولة لقراءة البعد الفكري في ثنائية متناقضة في الجمع بين اللايقين والقهر. وإن السجن الحديث بصورة عامة ليس سيطرة وحجزًا للجسد فقط، وإنما سيطرة على زمن الأسير، والوسيلة الجديدة هي: "الحداثة السائلة" حيث قدم وليد في أطروحة فكرية سابقة أن الفهم الأعمق للاحتلال ما بعد أوسلو، تحول من الاحتلال المباشر الذي يمثل مرحلة "الحداثة الصلبة"، في حين الاحتلال اليوم يمثل المرحلة السائلة وكان قد شبهها في دراسته "صهر الوعي" بالاحتلال الشموليٌّ. وسلط الضوء على أحدث النظريات في الهندسة البشرية وعلم نفس الجماعات المستخدمة، بهدف التلاعب بالوعي وبتفكيك قيمه ومكوناته الوطنية الجامعة و حذر بشدة من هذه النظم العلمية ومنطقها العقلي التي وضعتها "إسرائيل" والتي شبهها إلى حد بعيد بحالة الإبادة السياسية "بولي- سايد". ومشبهًا نظام السيطرة في مراقبة السجين والمواطن الفلسطيني والسيطرة على حياته بالكامل تمامًا كـ"الأخ الأكبر" في رواية جورج أورويل (1984).
كما استند إلى ميشال فوكو في "التشامل" والبعد الحداثوي الخفي للتعذيب، إضافة إلى "عقيدة الصدمة" لنعوم كلاين حول تبيض الذاكرة، وكشف التشابه بين السجون والمعازل في الأراضي المحتلة، بما يفيد في حل الإشكالية المفاهيمية في توصيف الحال الفلسطينية.
لا ينتهي الشبه بين السجن الصغير والسجن الكبير فلسطينيًا عند هذا الحدّ. وعززها في إجراءات لتحويل بعض ممثلي الأقسام من العصافير إلى "كابو". ووصفها تشابه بالقراءة الخاطئة والمعالجات التقليدية العاجزة عن النهوض بالقضية الفلسطينية كما هو النهوض بقضية الأسرى.
في الرواية
حكاية سر الزيت، وكلمة حكاية كلمة أصيلة في العنوان، وهذا يجعل الكتاب مقدماً لميثولوجيا شعبية، وكأنها تروي حكاية شعبية خاصة. في خضم محاولات السيطرة على الموروث الشعبي الفلسطيني. معجونة من خيال طفولي، بلغة سهلة واضحة مباشرة، لا تحمل كثيرًا من التأويلات، لكنه يغذي خياله الخصب من خلال ابتداع عالم خاص بالطفل، بالحوار المباشر مع الحيوانات، الأرنب، الكلب، الحمار والقطة والشجرة، وقد كان لهم استراتيجية واحدة، يؤدي كل منهم اسهاماً في وصول جود إلى أبيه في السجن، كذلك فقد استخدم الكاتب الأسطورة، والحكاية الشعبية، حول شجرة عجوز ( أم رومي) يكمن السر في زيتها، وهذا يعيد إلى الذهنية الفلسطينية كل الحكايات الشعبية المتوارثة حول الأشجار والمغر والكهوف وغير ذلك. مغزاها أن الحرية مفهوم جماعي قبل أن تكون استقلالا فردياً، فأبوا أن يستبدلوا حريتهم الشخصية بحرية وطنهم. الوحدة الحقيقية التي تؤسس لشراكة وطنية جماعية تنتصر لإرادة المقاومة. تنتصر الحرية في النهاية الكامنة في العِلم، العِلم الدواء الذي يقضي على الوباء الذي هو فقدان العقل والجهل، وفقدان الأخلاق. الجهل أخطر السجون، وهو قادر على تحويل عقلك ومستقبلك الى زنزانة. دعوة للتحرر من التخلف، فلابد من التحرر من الجهل أولاً.
بعد الرواية
نحن أمام أيديولوجية ثورية إبداعية، فلسفة خاصة من طراز جديد و معجونة بطين الألم والأمل، وعتمة الزنازين ورطوبة الجدران والقهر، ومواجهة احتلال العقل وتدمير قيم البطولة والمجد والفداء ورمزية المقاومة عند كل من "أدرك الفكرة ولم يتخلَّ عنها". انطلق وليد دقة منذ سنوات بمسرحية "الزمن المتوازي"، الزمن الذي تجسد كعمل إبداعي على خشبة مسرح الميدان في حيفا. ودراسته الفكرية الجادة "صهر الوعي" والآن يطلق مشروعه الحكائي كفعل ثقافي مقاوم، وإلاّ لما واجه هذه الرواية الكثير من المطاردة الصهيونية في باقة الغربية؛ كانت الشرطة تلاحق الأشخاص الذين يوافقون على حجز القاعات لاطلاق الرواية، ويتراجعون حتى اضطر رفاقه لتوقيعه في بيت والدة وليد، سر الزيت هي واحدة من ثلاثة وسيتبعها حكاية سر السيف وحكاية سر الطيف، ويتم حالياً ترجمة الكتاب إلى العبرية.
الجبهة الثقافية التي هي آخر القلاع كما أسماها الحكيم جورج حبش ، والتي تبلورت في إبداعات من حول السجون إلى أكاديميات بل قلاع ثقافية، ومنهم القائد أحمد سعدات في كتابه (صدى القيد) وكميل أبو حنيش الذي أصدر مؤخراً رواية "الكبسولة" ومراسلات ودراسات أخرى، مثل عميد الأسرى كريم يونس، والأسير باسم الخندقي الذي أصدر مؤخراً رواية "خسوف بدر الدين"، ورواية "حسن اللاوي" للأسير المحرر إسماعيل رمضان، ومؤخراً مخطوطات فارس الحلم للمناضل المحرر محمد النجار، وكذلك من كتبَ السجنَ بعد تحريره مثال الشهيد سمير قنطار. كما أفصح لي الأعزاء في لجنة الأسرى عن وجود كنزٍ إبداعي من ١٥٠ عمل موجود في حوزتهم وينتظر النشر أو إعادة النشر.
وأنهى عبد العال كلمته بما ورد في الصفحة الأولى من رواية الأسير وليد دقة بالقول "أكتب حتى أتحرر من السجن".
وتخلّل اللقاء نقاشٌ بين الحضور، الذين أبدوا آراءهم حول الرواية ومضمونها. واختُتم اللقاء بتوزيع نسخة الرواية مجانًا على الحضور، ليصل أدب السجون لكل بيتٍ وليعرف العالم أن هناك أحرارًا خلف القضبان ما زالوا يقارعون السجان الصهيوني بالقلم والريشة والأمعاء الخاوية، حتى يتحقق حلمهم بالحرية الحتمية ومنها إلى تحرير فلسطين وكل بقعة يحتلّها الكيان الغاصب.