عقد المؤتمر الدولي للتضامن النضالي التشاركي مع الشعب الفلسطيني، بفضاء ايكار الثقافي في العاصمة التونسية، لقاءًا حواريًا تحت عنوان "ما بعد مؤتمر وارسو: دلالات- تحديات- مهام"، بمشاركة منظمات من المجتمع المدني ومجموعات طلابية تونسية ونشطاء فلسطينيين.
وتناول اللقاء، الذي انعقد السبت 23 فبراير 2019، أربعةَ قضايا تمثلت في دلالات مؤتمر وارسو ومخرجاته، والتحديات المترتبة عليه والمهام الملقاة على عاتق القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني العربية في مواجهتها.
وانعقد المؤتمر المذكور في العاصمة البولندية وارسو، يومي 13 و 14 فبراير، بمشاركة ممثلين عن 62 دولة، وحمل اسم "المؤتمر الوزاري لتعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط، ارتباطًا بالدعوة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي في خطابه بالجامعة الأمريكية في القاهرة بتاريخ 10 من شهر يناير الماضي، من أجل تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة نشاطات إيران "المزعزعة للاستقرار" في منطقة الشرق الأوسط، حسب زعمه.
ورأى المشاركون في لقاء تونس، أن انعقاد مؤتمر وارسو جاء في ظل صعود قوى دولية جديدة وتراجع الهيمنة الأمريكية، وانهيار التضامن العربي وتفشي التطبيع العربي "الإسرائيلي"؛ لذلك اختارت أمريكا مكان الانعقاد لتوجه من خلاله رسالة تذكيرٍ بانتصارها في الحرب الباردة، وكموقع تثبيت لأقدامها في أوروبا الشرقية التي تنسجم مع سياساتها الإقليمية والدولية، في وجه أوروبا الغربية التي ينحى قادتها منحى استقلاليًا عنها.
وأشار لقاء تونس إلى أن أمريكا حدّدت أهدافها من المؤتمر بشكل رئيس في تأسيس تحالف إقليمي عسكري يضم- إضافةً إلى دول مجلس التعاون الخليجي الست- مصر والأردن، وينفتح على "إسرائيل" في وجه إيران. وكمنصة للترويج "لمستقبل عملية السلام والأمن في الشرق الأوسط". بينما سعت "اسرائيل" إلى إغلاق ملف القضية الفلسطينية لمصلحتها، وتوظيف التطبيع داخل المؤتمر في الدعاية الانتخابية لصالح بنيامين لنتنياهو. في حين مضت السعودية تحت سقف الأهداف الأمريكية من أجل تفادي تداعيات اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وقانون جاستا (مشروع قانون أمريكي مُعلّق في الكونغرس يُتيح لضحايا هجمات 11 سبتمبر وعائلاتهم مقاضاة السعودية).
وتوقف المشاركون أمام مخرجات مؤتمر وارسو، وانتهوا إلى فشله في تحقيق الهدف الرئيس المتعلق بإيران. لأسباب تعود إلى عدم جاهزية الولايات المتحدة الأمريكية للمواجهة المفتوحة مع إيران. وانقسام البيئة الدولية والإقليمية حول هذا العنوان. أما بالنسبة لـ"إسرائيل" فقد تمكنت من تظهير العلاقات السرية والاجتماع علنًا بمحور "الاعتدال" العربي المتجسد بشكل أساسيّ في دول الخليج وقيادة السعودية، والذي أصبح أكثر جاهزية للقبول بما يُملَى عليه من قبل الإدارة الأمريكية، خاصةً فيما يتعلق بتمرير مشروع صفقة القرن الهادف إلى تصفية للقضية الفلسطينية.
أمّا على مستوى تحديات المرحلة القادمة، الناجمة عن المؤتمر، فقد تم تحديدها في تقدم الكيان الصهيوني بخطى حثيثة على طريق العلاقة مع النظام الرسمي العربي. والترويج لخطاب انتهاء الصراع العربي "الإسرائيلي" لصالح الصراع الإقليمي مع إيران، بما يؤسس للاشتغال اللاحق على المستوى الإعلامي والثقافي باتجاه محو الذاكرة التاريخية وإلغاء فكرة الصراع مع العدو الصهيوني، وتسعير الخطاب الطائفي.
وانتهى اللقاء بتحديد مجموعة من المهام للعمل في المرحلة القادمة، تلخصت في التأكيد على أن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وجود تناحري، يرتبط بطريقة حسمه بمستقبل ومصير الأمة. إضافة إلى التأكيد على ضرورة صياغة الآليات التي تسمح بالارتقاء بمستوى التصدي للتطبيع بكافة أشكاله.
ودعا لقاء تونس إلى عقد مؤتمر شعبي عربي لتأكيد الثوابت ومقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني. والتأكيد على تحمل المؤسسات القانونية العربية بمختلف أشكالها مسؤوليتها في ملاحقة العدو وفضح جرائمه. كما دعا إلى تفعيل المعرفة وتفعيل الذاكرة التاريخية بالقضية الفلسطينية وقضايا الصراع العربي "الإسرائيلي".
وأّكد المشاركون في ختام اللقاء على ضرورة التصدي بحزمٍ للخطاب الطائفي، ودعم نضال المقاومة الفلسطينية بكل أشكاله القائمة، وتوفير الدعم لمسيرة العودة التي تُشكّل رافعة للنضال الوطني الفلسطيني، والانتباه إلى ضرورة دعم وإسناد قوى مقاومة للتطبيع في الخليج العربي، والتي باتت تتعرض للملاحقة والاعتقال.
واختتم اللقاء بتوجيه التحية للشعب اليمني البطل الذي خرج تحت قصف العدوان مؤكدًا موقفه الرافض للتطبيع والداعم لنضال الشعب الفلسطيني.