حذَّر البنكُ الدولي من الصدمةِ الحادة التي يُعاني منها الاقتصاد الفلسطيني، مُطالبًا في تقريرٍ له قبل أيام بضرورة تقديم حلول سريعة وعاجلة لإنقاذه من القرصنة الصهيونية خصوصًا على أموال المقاصة الفلسطينية، والتضييق على بعض والسلع التي يزعم الاحتلال أنها تستخدم مدنيًا وعسكريًا، ويُطلق عليها "ذات الاستخدام المزدوج".
التقرير الذي يعكف البنك الدولي على تقديمه إلى لجنة تنسيق المساعدات للشعب الفلسطيني، في اجتماعها المقبل في بروكسل، في 30 نيسان/أبريل الحالي، أكَّد على أن "الاقتصاد الفلسطيني لم يشهد نموًا حقيقيًا في عام 2018، بل يواجه الآن صدمة حادة على صعيد المالية العامة".
وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن "من شأن تخفيف القيود المفروضة على السلع ذات "الاستخدام المزدوج" أن يضيف 6% إلى حجم الاقتصاد في الضفة الغربية و11% في قطاع غزة بحلول عام 2025، بالمقارنة مع السيناريو المتوقع إذا استمرت القيود".
المُختص في الشأن الاقتصادي، د.سمير أبو مدللة، رأى أن "تقرير البنك الدولي لم يأتِ بأي جديد، وهذه الاحصائيات موجودة ومعلومة لدى الاحصاء الفلسطيني، ولا جديد سوى أنه تقرير دولي سيُقدم إلى الدول المُجتمعة في بروكسل نهاية نيسان الجاري"، مُبينًا حسب مُطالعته للتقرير "أنه الاقتصاد الفلسطيني لم يُحقق نموًا ملحوظًا عام 2018، وموزانة السلطة الفلسطينية ستُعاني من عجزٍ كبير خلال العام الحالي 2019".
وأشار أبو مُدللة خلال اتصالٍ هاتفي مع "بوابة الهدف"، إلى أن هناك تراجعًا كبيرًا في دعم البنك الدولي للأراضي الفلسطينية، يُتابع "كان هناك مشاريع للبنك الدولي تُقدّم للأراضي الفلسطينية، إذ كانت في العام 2017، 67 مليون دولار، وفي العام 2018 تراجعت هذه المشاريع بشكلٍ كبير".
وأضاف أن "مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، تراجعت بشكلٍ كبير، إذ قدمت في العام 2017، 260 مليون دولار، ولكن في العام 2018 لم تقدّم أي مبالغ جديدة، بل على العكس قلصت الوكالة قبل أيام من عدد عامليها في الأراضي الفلسطينية من 100 موظف إلى 14 موظفًا".
وشدّد على أن "إسرائيل تُمارس حربًا على الاقتصاد الفلسطيني من خلال اقتطاع أموال المقاصة، ما دفع السلطة لعدم استلام الأموال كاملةً وتُقدّر بالمتوسط 168 مليون دولار، وهي تغطي 65% من مجموع نفقات السلطة خلال العام"، مُؤكدًا أن "الموازنة الفلسطينية هذا العام تمر بأزمةٍ حقيقية".
وحول ما هو مطلوب لإنقاذ الاقتصادي الفلسطيني من الانهيار أكثر ممّا هو عليه، أشار أبو مدللة إلى أنه "على السلطة الفلسطينية أن تتحرك عربيًا لأن هناك تراجعًا في الدعم العربي عامًا بعد عام وخاصة شبكة الأمان التي تم الحديث عنها في قمة بيروت، وتم التأكيد عليها في قمة تونس، من أجل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني".
ورأى أنه "يجب على السلطة محاولة تقليص المصاريف الجارية لها مثل (النثريات – السفر)، وعليها أيضًا مُحاربة عمليات التهريب عبر المُستوطنات، في ظل أن معلومات البنك الدولي تؤكّد ضياع 300 مليون دولار سنويًا على السلطة كضرائب من خلال عمليات التهريب".
وشدّد أبو مدللة على ضرورة "قيام السلطة بفرض ضرائب بشكلٍ رأسي على الشركات الكبرى، وخاصة أن هذه الشركات لديها عقود حتى 20 عامًا كشركة جوال مثلاً بمبلغ 290 مليون دولار، في حين بلغت أرباح العام 2018، 67 مليون دينار أردني، فعلى السلطة البحث عن موارد جديدة من أجل الخروج من أزمتها الحالية".
تقرير البنك الدولي دعا حكومة الاحتلال "إلى تخفيف القيود على السلع ذات الاستخدام المزدوج الذي تطبقه الحكومة الاسرائيلية على مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة"، مُؤكدًا أنه "في حال تم تخفيف هذه القيود فإن الاقتصاد في الضفة الغربية سينمو بنسبة 6٪ و بنسبة أكبر في قطاع غزة قد تصل 11٪ عام 2025".
وفي السياق، حذّر أبو مدللة "من اتساع الفجوة في تمويل موازنة السلطة من 400 مليون دولار في عام 2018 إلى أكثر من مليار دولار في عام 2019، حيث بلغت مديونية السلطة للبنوك 1.5 مليار دولار.
تقاريرٌ كاذبة !
الكاتب والخبير الاقتصادي د.عادل سمارة، رأى من جانبه أن تقارير البنك الدولي هي من أكثر العوامل التي أقنعت السلطة ومنذ عام 1993، على ربط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي، مُؤكدًا أن الأوضاع المُعاشة في الوقت الحالي هي نتاج توصيات البنك الدولي.
وأكَّد خلال حديثه مع "بوابة الهدف"، على أن "السلطة الفلسطينية هي الوحيدة في العالم التي بدأت اقتصادها مُعتمدةً على وصفات البنك الدولي، وليس كما تجري العادة عند استقلال أي دولة بالعمل على خطط وبرامج اقتصادية واضحة ومُحدّدة من أجل النهوض بالحالة الاقتصادية"، واصفًا فعل السلطة هذا "كالذي فُطِمَ على السرطان منذ ولادته".
وأشار سمارة إلى أن "بذور الخلل بدأت من البداية، وقبل عدّة أعوام عندما كانت تقول تقارير البنك الدولي أن الأراضي الفلسطينية تُحقق نموًا بقيمة 9% أو 10%، كان كذبًا، إذ يعتمد الاقتصاد الفلسطيني على (الريع) فقط الذي يأتي من المساعدات الأجنبية، فجميع تقارير البنك الدولي كاذبة".
كما أكَّد أنه "كان بإمكان السلطة الفلسطينية طلب زيادة الدعم المالي من الدول العربية لمُوازنة السلطة قبل عدّة سنوات، وهذا ما يتعذّر في الوقت الحالي، وبالأمس خلال اجتماع ووزراء الخارجية العرب، يبدو أنهم أبلغوا أبو مازن بأن عليه المُوافقة على صفقة القرن أولاً ومن ثم يأخذ الأموال".
ويأتي تقرير البنك الدولي في وقتٍ بلغ فيه متوسط البطالة في الأراضي الفلسطينية 31 % وهي أعلى بــ 2.4% من العام 2017. وهناك 46% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر، في حين تبلغ هذه النسبة في الضفة الغربية 9%.
وقدّم التقرير صورة مُتشائمة حول آفاق الاقتصاد الفلسطيني مع تواصل الاجراءات الصهيونية وسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه شعبنا ومؤسساته، ووكالة "الأونروا" أيضًا، كذلك في وقتٍ يشهد تراجعًا عربيًا على صعيد التمويل، دون إغفال التأثير السلبي المتواصل للانقسام الفلسطيني القائم منذ صيف العام 2007 على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وغيرهما.