د. فوزي إسماعيل
كَثُر الحَديث في الفترة الأخيرة عما يُسمى " صفقة القرن " أو المشروع الصهيوأمريكي الجديد لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني والمتوقع الإعلان عن تفاصيله الورشة الاقتصادية في مملكة البحرين مستغلين ضعف الواقع العربي والفلسطيني الرديء من أجل تمرير هذه المؤامرة الجديدة.
وعلى مدار مائة عام من الصراع العربى الصهيوني لم يتم على الإطلاق طرح أي مشروع أو مبادرة لتسوية هذا الصراععلى أسس ومبادئ القانون الدوليمن قبل المجتمع الدولي أو الدول صاحبة القرار على الصعيد العالمي بل كل ما تم طرحه حتى الآن هي مشاريع لتصفية قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه، وتكريس وجود الكيان الصهيوني وهيمنته على شعوب ومقدرات المنطقة، كما هو مرسوم من قبل الامبريالية العالمية وحليفتها الصهيونية، وهذا هو جوهر الموقف للقوى الامبريالية منذ " وعد بلفور " مروراً بقرار التقسيم والاعتراف الدولي بقيام دولة الكيان الصهيوني.
وبرغم تهجير أكثر من نصف الشعب الفلسطيني من وطنه وما جرى في العام 1947- 1948 إلا أن الفلسطينيين لم يعترفوا بنتائج التهجير ولم يعترفوا بشرعية دولة "إسرائيل"، لذلك وعلى مدار سنوات طويلة من الصمود والمقاومة الفلسطينية والتصدي للعدوان الصهيوني الشامل على الإنسان والأرض والهويةظل انتصار الكيان الصهيوني مؤقتاً ولم يحسم صراعه، لأن صاحب الحق ظل متجذراً بأرضه ومتمسكاً بحقوقه، رافضاً نتائج الهزيمة وقاومها، واستعاد زمام المبادرة حين قرر أن ينتزع حقه ويلغي نتائج النكبة من خلال العمل الفدائي المسلح في نهاية الستينات والسبعينات من القرن الماضي، مبشراًبانطلاقة الثورة الفلسطينية في النصف الثاني من أواسط عقد الستينات.
واستمر الصراع فيما بقيت "إسرائيل"دولة دخيلة وهجينة ومسخ وغريبة على المنطقة العربية تقف خارج الجغرافية والتاريخ والشرعية وبعيدة كل البعد عن ثقافة وحضارة المنطقة العربية، كما بقي المشروع الصهيوني عاجزاً عن تحقيق الانتصار الكامل وحسم الصراع بشكل نهائي، أي عدم قدرته على إلغاء الشعب الفلسطيني وحقوقه وأن يصبح جزءاً طبيعياً من المنطقة، وكان السبب في ذلك هو تبلور مشروع فلسطيني وطني قائم على استراتيجية العودة والتحرير وسط التفاف شعبي فلسطيني وعربي حول العمل الفدائي.
جاءت حرب تشرين التحريكية عام 1973حيث وافقت حينها كل من مصر وسوريا والأردن و"إسرائيل" على القرار رقم 338/1973, والذي نص على "سريان وقف إطلاق النار والبدء في المفاوضات من قبل الأطراف المعنية، وذلك لتحقيق ما سُمي بالسلام العادل والدائم في الشرق الأوسط". وللشروع في هذه المفاوضات أصدر مجلس الأمن القرار رقم 344 (1973) بتاريخ 15 ديسمبر/ كانون الأول 9731 لعقد مؤتمر جينيف للسلام حيث طرُح مشروع لحل الصراع العربي الصهيوني معتمداً على القرارين الدوليين 242 و338 واللذين تضمنا" الاعترف بإسرائيل وتشريع وجودها على كافة الأراضي التي احتلتها عام 1948 وأن الحق العربي فقط محصور في الأراضي التي احتلت عام 1967".
ويمكن القول أنمؤتمر جنيف كان بمثابة أول اختراق سياسي خطير للموقف الفلسطيني عبر إيجاد طرف فلسطيني مستعد للتعاطي مع هذا الطرح، وبدأنا نسمع مصطلحات جديدة من نوع " تسوية الصراع " و " سلطة وطنية " و " برنامج مرحلي " وطرف فلسطيني مستعد للقبول بمبدأ اقامة سلطة وطنية في الضفة و القطاع.
صحيح أن المؤتمر لم يُعقد، واقتصر على إنجاز اتفاقية لفصل القوات المتحاربة على الجبهتين المصرية و"الإسرائيلية"، لكن مجرد طرحهكفكرة لإنهاء الصراع الفلسطيني العربي وفي ظل تساوق بعض الفلسطينيين والعرب معه شَكّل قاعدةً وأساس إلى ما بعده وأحدث الاختراق المطلوب على المستوى الفلسطيني، وخلق حالة من الانقسام في الصف الفلسطيني ونوع من الإحباط الذي أصاب جزءاً ليس بسيطاً من الشعب الفلسطيني، وأحدث زعزعة في الثقة من القائمين على المشروع الوطني الفلسطيني، خاصة بعد الضربة الموجعة التي تلقتها القضية الفلسطينية بالخروج من بيروت بعد هزيمة 1982، حيث بدأ ملامح المشروع التسووي بالتبلور بشكل فعلي من خلال تيار سياسي رئيسي في (م.ت.ف)يمُثلتحالف رأس المال مع قيادات صف أول في فصيل رئيسي بالبحث عن تسوية تضمن له مصالحه الاقتصادية من جهة واستمرارية التفرد والهيمنة على القرار الفلسطيني ومنظمة التحرير واختصار قضية فلسطين وشعبها بمصالح هذا التيار المتنفذ في المنظمة.
يمكن القول إن الردالجماهيري الحقيقي على هذه الهرولة لمربع التسوية جاء باندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987 والتي كانت التعبير الأمثل والأرقى على الإطلاق المُعّبِر عن إرادة وعزيمة الشعب الفلسطيني باستعادة حقوقه المسلوبة، وأعادت الأمل والثقة بالمشروع التحرري الفلسطيني. وفي ظل تصاعد حدة هذه الانتفاضة وغرق الاحتلال في مستنقعها، وجد نفسه لأول مرة في مأزق حقيقي وتهديد لأركان دولته، فقد فشل الكيان الصهيوني رغماستخدامه شتى أسلحة القمع و ارتكابها المجازر وسياسة تكسير العظام بحق أبناء الشعب المنتفض في وقف هذه الانتفاضة، ولم يعرف كيف يمكنه الخروج من هذا المأزق دون طلب يد العون والمساعدة من الراعي الامريكي وخاصة بعد تدمير العراق عام 1991 وما يُسمى مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الاوسط والذي كان هدفه غير المعلن: إنهاء الانتفاضة ونتائجها على الصعيد المحلي و العالمي، وهذا يستدعي إطلاق مشروع سياسي جديد لصالح الكيان الصهيوني على غرار مؤتمر كامب ديفيد للسلام.
وجد الطرف الفلسطيني هذه المرأة -أي القيادة المتنفذة في (م.ت.ف) حينه، والتي كانت قد أعلنت استعدادها مسبقاً للتساوق مع هذا المؤتمر بعد أن قدّمت التنازلات، رغم القوة الحقيقة التي أحدثتها الانتفاضة للموقف الفلسطيني إلا أن قيادات المنظمة لم تجيد استغلال وتعزيز عناصر القوة التي كانت بحوزتها في تلك الفترة، بل على العكس من ذلك تركت للمتنفذين فيها التحرك للتساوق مع المخطط التسووي التنازلي الجديد من خلال الهبوط بسقف المطالب التي رفعتها القيادة الموحدة للانتفاضة.
من هنا، كانت بداية تفكك وانهيار وتقديم التنازلات السياسية إلى أن وصل الأمر بالتنازل الأعظم والأخطر في تاريخ نضالنا الفلسطيني بتوقيع اتفاقية أوسلو المشؤومة، حيث أقدمت قيادة المنظمة المتنفذة والممثلة بحركة فتح على الاعتراف " بحق إسرائيل في الوجود " وعلى 80% من أرض فلسطين، ونبذ العمل الفدائي المسلح على اعتباره " شكل من أشكال الارهاب " مقابل اعتراف إسرائيلي شكلي بأن (م.ت.ف) هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني( انظر رسالة نقاط التفاهم المتبادلة بين ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واسحق رابين رئيس حكومة الكيان الصهيوني)، ولاحقاً تم إلغاء مواد من الميثاق الوطني لمنظمة التحرير في سياق هذه الاتفاقية.
لن أتحدث هنا عن اتفاقيات أوسلو وما نتج عنها من قيام كيان فلسطيني هزيل ومسخ أطُلق عليه " السلطة الوطنية الفلسطينية" إلا بقدرما يهمنا من موضوع صفقة القرن، فقد شكّل التوقيع على اتفاقيات أوسلو خيانة لأهداف الانتفاضة وتضحيات شعبنا الفلسطيني، وضرب في صميم البرنامج التحرري الوطني، ومَثّلَ حالة انحدار في القيم والعلاقات الوطنية، كما تسبب في الانقلاب على قرارات الشرعية الدولية، وتمثل ذلك في نصوص الاتفاقية التي جاءت بتفاصيلها ربحاً صافياً للاحتلال وتبيح سيطرته على مجمل الأراضي الفلسطيني، وعزز ذلك تأجيل كل القضايا المصيرية التي تخص الشعب الفلسطيني إلى مراحل أخرى لم ولن تأتِ على الإطلاق في ظل ميزان قوى مختل بشكل فاضح للكيان الصهيوني والنزعة اليمينية المتطرفة للمجتمع الصهيوني والمعززة بلاءات وثوابت للحكومات الصهيونية المتعاقبة والتي تلخصت في القضايا التالية" استمرار الانقسام خط ثابت في نهج هذه الحكومات، لا انسحاب من الضفة وخاصة من منطقة الأغوار، لا تفاوض على مدينة القدس باعتبارها العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل، وبقاء قضايا الحدود السيادية، والمياه معلقة...إلخ، فضلا عن القضية الأهم حق العودة جوهر الصراع ظلت مؤجلة وخاضعة في تفسيرها إلى المنطق الصهيوني بأنه لا عودة للاجئين لأن عودتهم يهدد الطابع الديمغرافي لدولة الكيان، ويمكن عودة بعضهم إلى ما يُسمى الدولة الفلسطينية المسخ التي حسب الخطة الصهيونية ستكون عبارة عن كانتونات معزولة ومحاصرة.
منذ توقيع اتفاقية أوسلو قبل أكثر من 25 عاماً حققت "إسرائيل" وما زالت أرباحاً صافيةً لم تكن تحلم بها على الإطلاق، ومن أهم الإنجازات التي حققتها يمكن تلخيصها بالبنود التالية: -
- إيجاد طرف فلسطيني يُمثل طبقة رأس المال، والذي تبلور أكثر وتعزز حضوره ونفوذه في ظل أوسلو، يعترف ويشرع وجود دولة الكيان.
- قيام سلطة فلسطينة متعاونة وتنسق أمنياً لحفظ أمن "إسرائيل" والمستوطنين.
- تغلغل اسرائيلي علني بالعالم العربي وتوقيع معاهدات سلام وعلاقات اقتصادية ودبلوماسية، وتعاون لم تكن تجرؤ الدول العربية على فعلها قبل توقيع اتفاقية أوسلو.
- تطبيع العلاقلات السياسية والاقتصادية مع كثير من دول العالم والتي كانت مقطوعة من قبل هذه الدول تضامناً مع الفلسطينيين.
- تلميع صورة "إسرائيل"أمام الرأي العام العالمي.
- حدوث انقسام فلسطيني – فلسطيني، تطور لاحقاً إلى قمع السلطة لمعارضيها وملاحقة المقاومة والمقاومين.
شكّل هذا التقدم الاحتلالي الصهيوني والتراجع الفلسطيني خسارة صافية للمشروع الوطني الفلسطيني الذي لم يستطيع تجاوز أوسلو وتوابعها حتى اللحظة، وقد تمثلت أبرز معالمه في:
-
- استمرار التنسيق الأمني رغم تصاعد العدوان على شعبنا، فهذا التنسيق وحسب رئيس سلطة أوسلو مقدساً لن تتراجع عنه السلطة.
- عدم إفراج الاحتلال عن الأسرى (ونلفت الانتباه هنا إلى أن الاحتلال في العام 2011 قد خضع لعملية تبادل للأسرى بين جندي صهيوني تم اختطافه على حدود غزة، وتم على إثرها إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين وخصوصاً من ذوي المحكوميات العالية).
- تسارع وتيرة الاستيطان وبناء المستوطنات حيث وصل معدل الاستيطان في ظل أوسلو إلى أرقام قياسية، وأدى ذلك إلى تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، وإلى تشريع عمليات طرد أبناء شعبنا الفلسطيني من منازلهم أو هدمها أو مصادرة آلاف الدونمات.
- تشديد الخناق على المواطن الفلسطيني سياسياً واقتصادياً، يعيد إلى الأذهان نظام الآبارتهايد.
- التهميش الممنهج لدور منظمة التحرير الفلسطينية وتدمير دورها التمثيلي للشعب الفلسطيني في عموم أماكن تواجده من خلال اعتبار سلطة أوسلو هي المرجع وليس العكس، واستبدال تمثيل المنظمة في المحافل العربية والدولية، مثلاً في مجلس الجامعة العربية تم استبدال الدائرة السياسية للمنظمة بوزارة خارجية أوسلو واستحداث دائرة المغتربين وتهميش دائرة اللاجئين، والاستيلاء والاستحواذ على صلاحيات الصندوق القومي الفلسطيني لصالح السلطة الفلسطينية.
- عزز وجود سلطة أوسلو من تنامي الفساد الفلسطيني في داخل السلطة والمنظمة، وامتداد نفوذ قيادات السلطة والكمبرادور الفلسطيني إلى علاقات متشعبة مع الاحتلال.
ويمكن قياس نتائج اتفاقية أوسلو كارثية على ذلك في المحافل الدولية و السفارات، والذي يشير إلى أن هذه القيادة المتنفذة قد نجحت بالفعل في إيجاد بديل عن (م.ت.ف) بكل ما تعنيه وما تمثله المنظمة، وتجلى ذلك في:-
-
- استبدال مشروع المنظمة بمشروع السلطة،أي وهم بناء دولة تحت الاحتلال بدل من مشروع التحرر من الاحتلال، وإلغاء الميثاق شكّل معالم هذا المشروع التنازلي المدمر.
- عدم وجود مشروع وطني فلسطيني تحرري جامع يتفق علية الشعب الفلسطيني وتنظيماته.
- الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، والذي هو بالأساس انقسام عمودي وأفقي بين طرفي رأس المال الفلسطيني العلماني والديني والتي تتقاطع مصالحها في أكثر من مكان رغم اختلاف الخطاب السياسي، ودليل على ذلك استعداد الطرفين بالتلاقي وتقاسم المصالح، ولكن مازالت هناك عقبات ذاتية وموضوعية لدى الطرفين بالتوصل إلى اتفاق.
هذه البيئة السياسية والنتائج الكارثية التي أفرزتها مرحلة أوسلو، تؤكد أن صفقة القرن التي يكثر الحديث عنها في هذه الأيام قد بدأ التخطيط لها - كما ذكرت سابقاً - منذ فترة طويلة، وأن اتفاقيات أوسلو قد مهدت الظروف الميدانية والسياسية عملياً لها، ولذلك يمكن اعتبار أي مشروع تصفوي جديد لقضيتنا وفي مقدمته صفقة القرن المزمع إطلاقها، حلقة جديدة من حلقات المشروع الصهيوني الذي يحلم بتعزيز وجوده من خلال تسديد الضربة القاضية للمشروع الفلسطيني مشروع العودة والتحرير من خلال صفقة القرن التي كان آخر فصولها الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني وهرولة الأنظمة العربية للاعتراف والتطبيع مع هذا الكيان، والاعتراف الأمريكي بسيطرة الكيان الصهيوني على الجولان، فضلاً عن مخططات " إسرائيلية" للاستيلاء على معظم أراضي الضفة في سياق هذا المخطط.
إن الأهداف التي يسعى الكيان الصهيوني إلى تحقيقها من صفقة القرن تتمثل في:-
-
- ترسيخ الاعتراف الفلسطيني والعربي بشرعية وجودها وخصوصاً كدولة يهودية، وإن إقرارها قانون القومية العنصرية هو بمثابة تهديد وجودي لأهلنا في الداخل المحتل.
- إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينين.
- منع إقامة أي كيان فلسطيني مستقل ذات سيادة ولو على 5 % من الضفة الفلسطينية وأكثر ما يمكن أن تسمح به هو حكم ذاتي للأشخاص وليس سيادة على الأرض.
- التعامل مع الموضوع الفلسطيني على أساس أنه موضوع أمني اقتصادي وليس سياسي وطني وسيادي. وإن أهداف تنظيم ورشة البحرين المقررة في نهاية شهر حزيران الحالي تتقاطع مع هذه الأهداف الصهيونية.
- التطبيع الكامل والشامل مع الدول العربية وشعوبها واعتبار دولة الكيان دولة طبيعية وسيدة المنطقة وضمان تفوقها العسكري.
وننوه هنا إلى أن صفقة القرن تتجاوز بأهدافها إنهاء الصراع العربي – الصهيوني وفقاً لرؤية الاحتلال، وإن كانت القضية الفلسطينية بوابتها لإعادة سيطرتها على المنطقة بآليات جديدة، في سياق أهدافها الاستعمارية المتواصلة لنهب ثروات المنطقة، وخدمةً لأمن الاحتلال، ولحرف البوصلة العربية من اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية واستبدالها بالعدو الإيراني.
يجب التوضيح بأن مواجهة المشروع الصهيوأمريكي وإفشاله، وصوغ الأدوات المطلوبة والبرنامج المقاوم لهذه الصفقة، تتطلب أولاً قطع الطريق على كل من تراوده نفسه بالتعامل مع هذه الصفقة المشبوهة تحت أي ذريعة كانت واعتباره ذلك خيانة وطنية عظمى، لأنه لا يمكن لهذا المشروع أن يتحقق إلا إذا وًجد طرف فلسطيني نافذ مستعد للتساوق معه.
ورغم الموقف الرافض المعلن من الكل الفلسطني لصفقة القرن بما فيهم طبقة رأس المال والقيادة المتنفذة المتحكمة بمقاليد السلطة، إلا أننا نطرح التساؤلات التالية:
-
-
- هل حقاً تعارض السلطة الفلسطينية في رام الله صفقة القرن، واستخلصت الدروس والعبر من اتفاقية أوسلو الكارثية التي وقعتها؟وهل لديها القدرة الفعلية على رفض الصفقة؟
- هل طبقة رأس المال والتي عززت مصالحها وحضورها في ظل اتفاقيات أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي والتي ربط مصالح هذه الطبقة بوجود الاحتلال مستعدة للتخلي عن هذه المصالح لمصلحة موقف رافض لسياسات الصهيونية العربية الرجعية الامريكية؟.
- هل يمكن مواجهة سياسة الكيان الصهيوني وصفقة القرن في ظل استمرار التنسيق الامني معه واللقاءات شبه اليومية مع الاحتلال وعبر لجنة رسمية تابعة للمنظمة يقودها عضو لجنة مركزية في حركة فتح؟
- هل يمكن مواجهة صفقة القرن والسلطة تفرض عقوبات إجرامية على شعبنا وتقطع رواتب وأرزاق الناس والأسرى وتساهم في حصار قطاع غزة؟
- هل يمكن مواجهة صفقة القرن بدون مشروع وطني فلسطيني جامع قائم على أساس التحرير و العودة؟
- هل يمكن مواجهة صفقة القرن في ظل تعنت القيادة المتنفذة في تنفيذ قرارات المجلس المركزي، فضلاً عن عدم استجابتها لدعوة الإطار القيادي لعقد لقاء وطني لصوغ الاستراتيجية الوطنية لمواجهة التحديات الراهنة وفقاً لما تم الاتفاق عليه وطنياً؟.
- كيف يمكن مواجهة صفقة القرن دون اتخاذ قرار واضح بحل السلطة وإلغاء اتفاق أوسلو؟ (النكبة الثانية)، في ضوء النتائج الكارثية التي تسببت بها لشعبنا وقضيته الوطنية؟
-
هذه التساؤلات، تؤكد على أنه رغم الموقف المعلن لسلطة رام الله الرافض لما يسُمى ورشة العمل في البحرين إلاأنها يمكن أن تكون حاضرة من تحت الطاولة من خلال بعض الوفود العربية (الصديقة)، أو بعض رجال الأعمال المرتبطين بالاحتلال. ولذلك حتى يكون هناك مصداقية جدية لمواجهة صفقة القرن، يجب اتخاذ الخطوات التالية:-
-
- اتخاذ القيادة الفلسطينية المتنفذة قرار واضح وعاجل بسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، والتخلص من اتفاق أوسلو والتزاماته الأمنية والسياسية والاقتصادية وفي مقدمته التنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي.
- إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني عبر برنامج التحرير والعودة وإعادة الاعتبار للميثاق الوطني الفلسطيني، والدفع بجهود استعادة الوحدة الوطنية، وبناء نظام سياسي ديمقراطي مبنى على احترام المؤسسات و التخلص من هيمنة الفرد على المقدرات و القرار.
- إطلاق العنان للمقاومة الفلسطينية الشاملة بكافة أشكالها وخصوصاً في الضفة المحتلة للتصدي لجرائم الاحتلال على الأرض، وأية مشاريع تصفوية تستهدفه
- تحشيد أصدقاء الشعب الفلسطيني لمقاطعة "إسرائيل"باعتبارها دولة استعمارية تمارس مختلف الجرائم.
من سيسقط صفقة القرن كما أسقط كل المحاولات السابقة هو صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه غير القابة لتصرف وأن أي تسوية لا تزيل نتائج نكبة 48 لن تكون تسوية، وفي هذا السياق يجب إعادة الاعتبار للموقف الفلسطيني الجمعي عبر شعار "وحدة الشعب والأرض والمصير"، وضرورة تعزيز صمود أبناء شعبنا في الداخل المحتل الذين يتعرضون للسياسات العنصرية والتي تستهدف طردهم وتهجيرهم.
يجب على الفلسطينيين الأحرار الوقوف بالمرصاد لكل من تسول له نفسهبالتنازل عن حقوقنا واعتبارهخائناً، وإعادة الاعتبار إلى شعار " لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف" مع الكيان الصهيوني.
إن مواجهة صفقة القرن بحاجة إلى هبة عربية شعبية من أجل قطع الطريق على المشروع الأمريكي والتغلغل الصهيوني في الوطن العربي، وهذا يستوجب أولاً تجريم التطبيع وملاحقة رموزه وطرد السفراء الصهاينة من بعض البلدان العربية الموقعة اتفاقية سلام مع الكيان وسحب السفراء العرب من الكيان.
وجود تحرك دولي تقوده المؤسسات الدولية والجهات المتضامنة مع شعبنا من أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية المنصفة لشعبنا ونزع شرعية الاحتلال، وإدانة جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني والمنطقة، وتحويل هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية.
لقد أفشل شعبناً في السابق مشاريع التوطين وروابط القرى، وهو بصموده وتضحياته ودمائه الطاهرة قادر على مواجهة مخاطر وأهداف صفقة القرن الخبيثة، بشرط استئصال كل الشوائب وسلبيات المرحلة التي علقت بمشروعه الوطني وفي مقدمتها اتفاقية أوسلو الكارثية وعزل كل القيادات التي تسببت بكوارث لشعبنا، وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري المقاوم.